صندوق النقد الدولي يحذر من استمرار المخاطر وبنوك الخليج بحاجة إلى المزيد من الرساميل
أصدر صندوق النقد الدولي تقييما للأوضاع المالية العالمية أكد فيه استمرار المخاطر الائتمانية الكبيرة التي تواجه الأسواق والبنوك في العالم، وذلك في ذكرى انهيار سوق القروض العقارية المنخفضة الجودة في الولايات المتحدة.
وبالتزامن مع ذلك، أوضحت بيانات مالية صادرة عن بعض المؤسسات المالية في منطقة الخليج أنها قد تكون بحاجة إلى المزيد من ضخ الرساميل كما أوصى بذلك تقييم صندوق النقد الدولي، فقد بينت البيانات المالية لبنك الخليج الدولي، الذي حظي بموافقة الحكومات الخليجية المساهمة فيه على مضاعفة رأس المال من 1.5 مليار دولار إلى 2.5 مليار دولار مطلع هذا العام لتغطية خسائره في سوق القروض العقارية الأمريكية أنه رصد نحو 1.02 مليار دولار لمواجهة الانخفاض في قيمة استثماراته في هذه الأسواق التي تتجاوز الـ 7.3 مليارات دولار.
وهذا يعني أن تدهور قيمة هذه الموجودات حسبما يتوقع صندوق النقد قد يجبر البنك على رصد المزيد من المخصصات، أما المؤسسة العربية المصرفية، فكان يفترض أن تعلن نتائجها المالية للنصف الأول من العام بعد اجتماع مجلس إدارتها، إلا أن نتائجها للفصل الأول أظهرت أنها رصدت نحو 603 ملايين دولار مخصصات إضافية لمواجهة تدهور قيمة محفظتها في استثمارات متاحة للبيع تتضمن استثماراتها في القروض العقارية الأمريكية التي تناهر 13 مليار دولار.
ورصد تقرير صندوق النقد الدولي قيام البنوك المركزية والأسواق المالية بتعديلات كبيرة خلال الشهور العديدة الماضية، وتدخلات استئناثية اضطلع بها صانعو السياسات، ومع ذلك فلا تزال الأسواق العالمية هشة ومؤشرات المخاطر النظامية مرتفعة.
فمع تراجع أسعار المساكن وتباطؤ النمو الاقتصادي بدأ انخفاض الجودة الائتمانية في كثير من فئات القروض، ورغم نجاح البنوك في توفير رساميل إضافية، فهناك ضغوط جديدة تتعرض لها الميزانيات العمومية، إلى جانب الهبوط الحاد الذي لحق بأسعار الأسهم المصرفية، وأدى ذلك إلى صعوبة أكبر في تدبير المزيد من رأس المال كما عزز احتمالات التفاعل السلبي بين عملية التكيف في الجهاز المصرفي وبين الاقتصاد الحقيقي.
كما لا تزال المخاطر الائتمانية كبيرة رغم ما اتخّذ من إجراءات رسمية للحد من التوترات النظامية في أسواق التمويل، إضافة إلى استمرار مستوى الإقبال المنخفض على المخاطر. ورغم إن الخسائر المتوقعة ما تزال مرتفعة من جراء الانكشاف للقروض العقارية عالية المخاظر في الولايات المتحدة, فقد تم الاعتراف بمعظم هذه الخسائر بالفعل، أما القلق المتزايد فيرجع إلى انتشار التدهور في جودة القروض مع الزيادة الحادة في حالات تأخر السداد وحبس الرهن في سوق المساكن الأمريكية والهبوط المتواصل في أسعار المساكن.
ولا يزال تدهور الجودة الائتمانية مستمرا في معظم القروض العقارية الأمريكية الممنوحة أخيرا. وقد أصبح شطب القروض اتجاها متناميا في جميع فئات الائتمان الرئيسية على مستوى الولايات المتحدة وإن كانت البداية من مستوى منخفض، مما يثير المخاوف من احتمال حدوث خسائر مستقبلية لدى بعض البنوك التجارية الأمريكية الكبرى، وهي مخاوف يعززها انهيار مؤسسة "إندي ماك" المصرفية.
كما أدى عدم التيقن بالخسائر المستقبلية واحتياجات رأس المال إلى هبوط حاد في أسعار أسهم المؤسسات التي ترعاها الحكومة وتعمل في سوق المساكن الأمريكية، ونظرا لأتساع قاعدة المستثمرين في سندات الدين الصادرة عن هذه المؤسسات (التي تحمل البنوك الأمريكية والمستمرون الأجانب قدرا كبيرا منها)، واعتماد السوق الأمريكية في عمليات التمويل العقاري حاليا على توريق قروض المؤسسات العامة، يتبين أن الضرر كان يمكن أن يقع على النظام ككل إذا ما اهتزت الثقة في جودة سندات الدين الصادرة عن المؤسسات تحت الرعاية الحكومية، ويتمثل التحدي الراهن على مستوى السياسات في التوصل إلى حل واضح ودائم مع استمرار الدعم لأنشطة التمويل العقاري في الولايات المتحدة.
ويدعو التقرير لإرساء الاستقرار السوقي من خلال القضاء على حالة الهبوط الراهنة في سوق المساكن الأمريكية، مما يساعد كلا من قطاع الأسر و المؤسسات المالية على التعافي من الأزمة، ولا توجد نهاية واضحة حتى الآن لتدهور الأوضاع في سوق المساكن الأمريكية، غير إن بعض التطورات التي طرأت أخيرا على إمكانية تحمل تكلفة السكن قد تدعم أسعار المساكن بما يحقق لها الاستقرار.
وثمة تراجع في أسعار المساكن حدث أخيرا في بعض بلدان "منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي "OECD لا سيما آيرلندا، إسبانيا، والمملكة المتحدة، مما يثير المخاوف من احتمال وقوع خسائر مستقبلية في القروض الموجهة لتمويل الرهن العقاري وأنشطة البناء والعقارات التجارية.
وعلى الرغم من إجراء تخفيضات على القروض العقارية وسندات الدين تجاوزت قيمتها الإجمالية 400 مليار دولار، فقد نجحت البنوك في الولايات المتحدة، أوروبا، وآسيا بشكل عام في زيادة رأس المال، غير أن الخسائر التي تم الإفصاح عنها تجاوزت حتى الآن قيمة رأس المال الإضافي, وتواجه البنوك مصاعب في الحفاظ على مستوى أرباحها في ظل تراجع الجدارة الائتمانية، وتقلص الدخل من الرسوم المصرفية، وارتفاع تكلفة التمويل، وحجم الانكشاف لمخاطر شركات التأمين أحادية النشاط وشركات التأمين على الرهن العقاري، وقد أدى ذلك إلى حدوث هبوط حاد في أسعار الأسهم المصرفية وارتفعت مقاييس مخاطر عدم السداد.
ومع شروع البنوك في خفض نسبة التمويل بالديون عن طريق زيادة رأس المال, واستعادة هامش السيولة الاحتياطي, لا تزال أسعار الإقراض بين البنوك مرتفعة كما ازدادت تكاليف التمويل طويل الأجل، بالرغم من التسهيلات التمويلية التي أنشأتها بعض البنوك المركزية لتوفير السيولة الطارئة، وتشهد فروق العائد على سندات دين المؤسسات المالية اتساعا متزايدا بالنظر إلى عدم التيقن من مدى التخفيض المستقبلي لقيمة الائتمان واستيعاب الكيانات خارج الميزانية العمومية وطاقة الربح في المستقبل.
ويلاحظ التقرير أن الأسواق الصاعدة لا تزال قادرة على الصمود نسبيا في مواجهة الاضطرابات الائتمانية، غير أن الأزمة طويلة الأمد، وأوضاع التمويل الخارجي تزداد ضيقا، وبدأت بعض الأسواق الصاعدة توضع تحت المجهر، لا سيما بشأن سياساتها المتبعة لمعالجة تصاعد الضغوط التضخمية.
وتوجد الآن دلائل واضحة على أن المستثمرين أصبحوا أكثر حذرا في الإضافة إلى مراكزهم. فقد جاء أداء الأسهم في الاقتصادات الصاعدة أقل بدرجة طفيفة من أداء الأسواق المناظرة في الاقتصادات المتطورة منذ تحقيق مستوى الذروة الأخير في أواسط أيار (مايو) الماضي، وكانت الأسواق الآسيوية التي تتسم بأعلى مستويات المخاطر التضخمية ومخاطر النمو دون المتوقع هي التي شهدت أعلى مستويات التدفق الخارجة من صناديق استثمار الأسهم في الأسواق الصاعدة.
ومع ارتفاع السلع الأولية وضعف الإقبال على المخاطر وضيق أوضاع التمويل الخارجي, أصبحت الأسواق حريصة بشكل متزايد على التمييز بين البلدان فيما يتعلق بمخاطر الاختلالات الخارجية الكبيرة، وهكذا بدأت علاوات المخاطر تعود إلى مستوياتها المرتفعة المسجلة في أواسط مارس الماضي في الأسواق الصاعدة ذات الاختلالات الخارجية الكبيرة (والمقصود هنا أن نسبة عجز الحساب الجاري 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي أو أكثر) وأصبح أداء أسواق الأسهم في هذه البلدان دون مستوى الأداء المشاهد في البلدان ذات الاختلالات الخارجية الأقل حجما.
ويخلص التقرير إلى أن الخطوات التي اتخذتها البنوك المركزية نجحت حتى الآن في احتواء المخاطر النظامية عن طريق إطالة آجال الاستحقاق والتوسع في أنواع الضمان والأطراف المقابلة، غير إن مخاطر الائتمان لا تزال مرتفعة في سياق العملية الجارية لتخفيض نسبة التمويل بالديون وفي ظل عدم التيقن من قيم الأصول، مما يشير إلى احتمال الحاجة إلى المزيد من رأس المالي الإضافي في عدد من المؤسسات، وفي المرحلة الحالية من الأزمة، يصبح التركيز أشد على طبيعة الاستراتيجيات المعتمدة لتسوية الأوضاع ومدى المساندة التي تقدمها الحكومات.