وكالة تصنيف دولية تستبعد وجود أجندة لزرع الصيرفة الإسلامية في شرايين النظام المالي الغربي

وكالة تصنيف دولية تستبعد وجود أجندة لزرع الصيرفة الإسلامية في شرايين النظام المالي الغربي

أكدت لـ "الاقتصادية" "ستاندرد آند بورز" أن الجدوى الاستثمارية لهذه الصناديق هي اقتصادية بحتة، مستبعدة استغلال تلك الصناديق لميزة دخول المجالس الإدارية لهذه البنوك الغربية من أجل فرض آلية صريحة لتحويل تلك البنوك إلى إسلامية أو حتى زيادة أعداد النوافذ الإسلامية لدى تلك البنوك الأمريكية والأوروبية.
وقال فاروق سوسة، رئيس فريق تصنيف الصناديق السيادية في "ستاندرد آند بورز،" ليس لدينا سبب يدعونا للشك أن هناك أي أجندة غير الأساس الاقتصادي وراء أي من عمليات الشراء التي جرت في الفترة الأخيرة".
وهنا يقول بين فاولكس، كبير المحللين الائتمانين لدى ستاندرد، "تعمل هذه الصناديق على وقاية دول الخليج من الهزات المالية وتساعد على توليد إيرادات لا تعتمد على أسعار النفط أو الغاز، فضلا عن تأمين هذه الصناديق غطاءً واسعاً لمستويات الدين المنخفضة لمنطقة الخليج".
واعتذرت عدة وكالات تصنيف دولية عن المشاركة في تقرير "الاقتصادية" الموسع حول الصناديق السيادية وأسلمة استثماراتها بهدف عدم تضرر علاقتها مع بيوت المال الغربية.

استبعاد تسييس أو أسلمة الاستثمارات
معلوم أن معظم صناديق الثروة السياسية التابعة لدول الخليج تملك حصصاً كبيرة في البنوك الأمريكية والأوروبية الرئيسة. وهذا ما يؤهلها لأن تمتلك نفوذا واسعا في العملية التصويتيه داخل المجالس الإدارية لهذه المؤسسات المالية.
وحول إمكانية استخدام الصناديق السيادية الآسيوية والخليجية هذه البنوك الغربية كرأس حربة لتوسعة حمى الصيرفة الإسلامية خاصة أن النظام المصرفي الإسلامي أثبت أنه قادر على المنافسة في ظل أزمة الشح الائتماني، يقول سوسة "إننا نرى أن صناديق الثروة السيادية تتخذ قراراتها الاستثمارية من منطلق اقتصادي بحت.
وعندما تتخذ هذه القرارات من منطلق استراتيجي أيضاً، فإن الجوانب الاقتصادية للعملية ينبغي أن تكون معقولة." ويتابع الخبير الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد" وفيما يتعلق بالاستثمارات المتميزة التي تمت أخيراً في المؤسسات المالية الرائدة في العالم، ومنها على سبيل المثال قيام سلطة الاستثمار في أبو ظبي بشراء 4.7 في المائة في مجموعة سيتي جروب، فمن الضروري أن توضع في إطارها الصحيح. لقد تسببت أزمة الرهن العقاري والشح الائتماني في تآكل رؤوس أموال البنوك وانهيار أسعار الأسهم. ومن وجهة نظر صناديق الثروة السيادية، فإن هذا هو الوقت المناسب "للشراء بثمن بخس" والدخول إلى السوق. وبعد أن تستعيد البنوك عافيتها، وهذا لا بد أن يحدث، من المحتمل من منظور اقتصادي أن تكون العوائد التي ستجنيها صناديق الثروة السيادية مربحة جداً".
ويواصل خلال مقابلته مع "الاقتصادية" "ومن وجهة نظر البنوك، فإن حاجتها إلى تدعيم رأسمالها كانت تعني إما الذهاب إلى السوق لإصدار أسهم تكون أولوية شرائها للمساهمين، وهذه عملية مكلفة وصعبة التنفيذ في ظل الظروف الحالية، وإما قبول الاستثمارات الكبيرة من جانب الصناديق الغنية بالأموال السائلة. وقد فضلت البنوك الخيار الثاني في معظم الحالات. وهكذا، فإن المعنى الاقتصادي لهذه العمليات يصبح واضحاً ويتمخض عن وضع مربح لصناديق الثروة السيادية والبنوك على حد سواء".

استثمارات دون أجندة
واعتذر المحللون الاقتصاديون لدى ستاندرد في البداية لـ "الاقتصادية" عن الإجابة حول الأجندة التي تحملها الصناديق السيادية المقبلة من خلفية إسلامية، وبعد إلحاح وافقت ستاندرد على التعليق حول مسألة استخدام تلك الصناديق أموالها النفطية لتحويل هذه البنوك التقليدية إلى بنوك إسلامية. وقال سوسة من مقر إقامته بلندن " ليس لدينا سبب يدعونا للشك أن هناك أي أجندة غير الأساس الاقتصادي وراء أي من عمليات الشراء التي جرت في الفترة الأخيرة. فسلطة الاستثمار في أبو ظبي على سبيل المثال لم تكن ملزمة بموجب القوانين الأمريكية بالإفصاح عن عملية الشراء التي قامت بها لأنها تحت عتبة الـ 5 في المائة، ولكنها قررت أن تفصح عنها على أية حال. وفي هذا إشارة على نية سلطة الاستثمار في أبو ظبي بأن تتوخى ما أمكن من الشفافية في تعاملها مع السلطات الأمريكية".

ضخ نوافذ إسلامية
وفيما يتعلق بسؤال "الاقتصادية" عما إذا كانت هذه البنوك ستتحول إلى مزيد من النوافذ الإسلامية، أشارت ستاندرد إلى أن أي قرار يتخذ على هذا الصعيد سيكون من منطلق اقتصادي، ومن غير الوارد أن صناديق الثروة السيادية ترغب في تدمير قيمة استثماراتها عبر دفعها إلى خطوط عمل غير مربحة.
وإذا كان الدخول بعمق أكبر إلى سوق التمويل الإسلامي يساعد المؤسسات على طرق باب السيولة الكبيرة في العالم الإسلامي، فستعمد هذه البنوك إلى القيام بذلك، سواء أكان ذلك بتشجيع أو بغير تشجيع من صناديق الثروة السيادية.
وتابع سوسة " لقد شهدنا فعلاً في الفترة الأخيرة زيادة كبيرة في التمويل الإسلامي واهتماماً متنامياً من جانب البنوك غير الإسلامية بتأسيس نوافذ إسلامية. فعلى سبيل المثال، أسس بنك إتش إس بي سي بنكا تابعا له هو بنك إتش إس بي سي أمانه في عام 1998 قبل وقت طويل من تفجر الجدل حول صناديق الثروة السيادية. كما تقوم بيوت المال الغربية بهيكلة عدد متزايد من الصفقات التي تديرها وتتعهدها بطرق متفقة وأحكام الشريعة الإسلامية".
ويواصل" وعليه، فإن التوجه في تنامي العمل بنظام التمويل الإسلامي ليس له علاقة بالحديث الذي دار أخيراً حول صناديق الثروة السيادية، وهو يعكس بشكل أكبر الفرص والإمكانات التي ينطوي عليها طرق باب السيولة الكبيرة والمتنامية في العالم الإسلامي".

معضلة إدارة ثروات البترودولار
بيد أن مراكمة دول الخليج لأصول العملات الأجنبية تشكل لها معضلة لا تحسد عليها وهذه المشكلة تكمن في كيفية إدارة هذه الثروة الهائلة على أفضل نحو. ولهذه الغاية، عمدت دول الخليج إلى تأسيس صناديق الثروة السيادية، وهي عبارة عن صناديق مملوكة للدول تستثمر في الأصول المالية الأجنبية أو في الاقتصاد المحلي من خلال الشركات المملوكة للدول.
وقد استقطبت هذه الصناديق قدراً كبيراً من الاهتمام ليس فقط بسبب ضخامة حجمها، ولكن أيضاً بسبب طبيعة استثماراتها كالحصص الكبيرة التي قامت بشرائها أخيراً جهات مثل سلطة الاستثمار الكويتية وسلطة أبو ظبي للاستثمار في بنوك دولية عريقة منيت بخسائر كبيرة جراء تعرضها لسوق عدم الملاءة المالية.
والى جانب الاحتفاظ بثروة دول الخليج للأجيال المقبلة، فإن صناديق الثروة السيادية، بحسب ستاندرد، تعزز الجدارة الائتمانية لحكومات هذه الدول بطرق عديدة. فهي تخدم كعامل وقاية من الهزات المالية وتساعد على توليد إيرادات لا تعتمد على أسعار النفط أو الغاز. وزيادة على ذلك، فإن هذه الصناديق تستطيع المساعدة من خلال الاستثمار في القطاع المحلي غير النفطي في تنويع اقتصادات دول الخليج وتقليل اعتمادها على قطاع النفط والغاز. ومن المقدر أن تصل فوائض الحسابات الجارية المتراكمة لدول الخليج منذ عام 2002 إلى نحو تريليون دولار في عام 2008، وهذا المبلغ يوفر تقديراً لحجم الثروة التي وضعتها هذه الدول مجتمعة في الخارج في تلك الفترة، وبصورة رئيسة في صناديق الثروة السيادية.

الصناديق السيادية: مصطلح شائع ذو مدلول واسع
لم يسمع كثير من الناس حتى سنة خلت بتعبير صناديق الثروة السيادية . أما اليوم فقد أصبح هذا التعبير شائعاً وهو يستخدم بشكل فضفاض لوصف مجموعة من المؤسسات التي إذا تم إمعان النظر فيها لوجد أنها متنوعة. ويجب أن توجد في لب أي تعريف لصندوق الثروة السيادية فكرة أن هذه الصناديق هي مؤسسات مملوكة للدول تعمل كمستودع للإيرادات الحكومية الفائضة التي تتأتى بصورة رئيسة من إنتاج الموارد الطبيعية ويتم استثمارها بالنيابة عن الحكومة. وعلى هذا الأساس، تختلف كيفية وأسباب استثمارها لأموالها اختلافاً كبيراً من مؤسسة إلى أخرى.

صناديق الصنف الأول
وبصورة عامة، تصنف ستاندرد آند بورز صناديق الثروة السيادية إلى مجموعتين رئيستين، حيث تطلق على المجموعة الأولى من هذه الصناديق صناديق النوع الأول، وهي تستثمر بصورة رئيسة في الأوراق المالية القابلة للتسويق بغرض رئيس يتمثل في توليد عائد كاف على الأموال، كما أنها تحافظ على الثروة النفطية من أجل الأجيال المقبلة، وتنوع موارد الإيرادات وتعمل لكي تصبح واقية من الهزات المالية.
وفي دول الخليج، فإن عدم وجود أصول قابلة للتسويق بالنسبة لحجم هذه الصناديق يعني أن هذه الصناديق تعتبر جهات استثمارية كبيرة في الأصول المالية الأجنبية كالأسهم والسندات والعقارات العالمية. وقد شهدت دول الخليج من خلال شراء الأصول المالية والأجنبية نمواً يشكل ظاهرة في مراكزها على صعيد الأصول الخارجية الصافية في الأعوام الأخيرة.

صناديق الفئة الثانية
أما المجموعة الثانية من صناديق الثروة السيادية -صناديق النوع الثاني- فتتملك حصصاً في الشركات المحلية والإقليمية. وهي تختلف عن صناديق النوع الأول في أن هذه الحصص تكون كبيرة، وتشارك هذه الصناديق عادة بنشاط في إدارة المؤسسات التي تستثمر فيها. ولهذه الصناديق أغراض عديدة: فهي توفر مصدراً مالياً للاقتصاد المحلي غير النفطي، وتساعد في تنويع الاقتصاد عبر تأسيس وتوسعة الشركات المحلية، وبقدر ما تستثمر وتشارك في المشاريع مع الشركات الأجنبية فإنها تساعد الاقتصاد المحلي على الاندماج بصورة أكمل مع الاقتصاد العالمي.
وعلى سبيل المثال، فإن صندوق مبادلة المملوك لحكومة أبو ظبي والذي يمكن اعتباره من صناديق النوع الثاني يستثمر في الشركات المحلية ويطورها. ولكن صندوق مبادلة يقوم أيضاً بعمليات استحواذ وشراكات استراتيجية مع الشركات الأجنبية بهدف استيراد المعرفة والتكنولوجيا.

تعزيز الجدارة الائتمانية للملاك
سواء أكانت من النوع الأول أو الثاني، فإن صناديق الثروة السيادية تكمل الجدارة الائتمانية وتعزز الاستقرار المالي والخارجي لدولها . تقول ستاندرد "في المقام الأول، فإن هذه الصناديق تؤمن غطاءً واسعاً لمستويات الدين المنخفضة عموماً للحكومات الخليجية وتوفر وقاية من الهزات المالية. وعدا عن هذه الخاصية المشتركة، هناك بعض الفرق في الكيفية التي تدعم بها هذه الصناديق الجدارة الائتمانية لدول الخليج. حيث أن الأصول التي تمتلكها صناديق النوع الأول تكون في الخارج، ولذلك فإن هذه الصناديق أقل عرضة للهزات المحلية التي يمكن أن تؤدي إلى هبوط في مصادر الإيرادات وفي التقييمات. ومن ناحية أخرى، فبينما تتعرض صناديق النوع الثاني التي تستثمر في الداخل لهذا الخطر، فإنها وخلافا لصناديق النوع الأول توفر الدعم الائتماني عبر تعزيز احتياجات الاقتصاد المحلي".
يقول فاولكس "وفي واقع الأمر، فإن صناديق النوع الثاني ذات أهمية كبيرة لهدف حكومات دول الخليج الرامي لترسيخ أساس أوسع للنمو الاقتصادي خارج الصناعات التي تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة. ويعتبر هذا أمراً مهماً في دول الخليج التي رغم ميزانياتها العمومية القوية جداً يمكن أن تستفيد في المدى الطويل من زيادة التنويع الاقتصادي لأسباب ليس أقلها أن هذا التنويع يؤمن الوظائف التي تقوم حاجة ماسة لها بالنسبة لسكان هذه الدول الذين تتزايد أعدادهم . وفيما يتعلق بهذه النقطة، فإن الاختلاف الرئيس بين الطفرة النفطية الحالية والطفرتين السابقتين اللتين حدثتا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي هو الإدارة الحصيفة نسبياً للثروات المفاجئة التي هبطت على هذه الدول جراء الارتفاع الحالي في أسعار النفط. إن صناديق الثروة السيادية تقوم في واقع الأمر بدور مكمل في هذا التخطيط الاقتصادي والمالي الذي يتسم ببعد النظر".

الأكثر قراءة