هل بدأت رحلة التراجع؟
رغم تحسن سعر برميل النفط قليلا عن بدء التعامل يوم الجمعة، إلا أن خسارة نحو 14 دولارا في غضون ثلاثة أيام نهاية الأسبوع الماضي في سعر البرميل يطرح السؤال الذي يلوح في الأفق بصورة أو أخرى: هل بدأت مرحلة التراجع السعري أم أن الأمر في إطار مرحلة التقلبات التي تشهدها الصناعة النفطية وهي تعيش فترة صدمتها الثالثة؟
فمع أن التقديرات تتلاحق ومن مختلف الجهات عن الاتجاه التصاعدي لسعر البرميل وتركيزها على حاجز 150 دولارا، الذي بعبوره يمكن أن ينفتح الطريق حتى 200 دولارا للبرميل، إلا أنه لا يبدو هناك توافق حول الأسباب الدافعة لهذه المعدلات غير المسبوقة. فهناك من يرجع الأسباب إلى قوة الطلب، خاصة على الساحة الآسيوية التي تكاد تخلو من منتجين لهم القدرة على توفير ولو جزء من احتياجات تلك السوق، وهو تفسير يجد سندا في المطالبات القوية من الدول الغربية الرئيسية المستهلكة للدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، ضخ المزيد من الإمدادات، رغم أن أحدا من الزبائن لم يجد صعوبة في الحصول على النفط الذي يحتاج إليه كما تقول (أوبك)، التي ترجع هذا التصاعد إلى الدور الذي يلعبه المضاربون. ووصل الأمر برئيس المنظمة الوزير الجزائري شكيب خليل إلى تحديد مبلغ 40 دولارا من السعر الحالي اعتبر أنها تعود إلى أسباب لا علاقة لها بأساسيات السوق من العرض والطلب.
فالوضع الخاص بالأسواق المالية وكيفية تنظيمها خاصة فيما يتعلق بالتداول المستقبلي يلعب دورا، وتحديدا بسبب نمو حجم التداول في هذه التجارة إلى مليارات الدولارات، التي لا تتعامل في واقع الأمر مع براميل حقيقية. وتشير بعض الأرقام إلى أنه خلال فترة السنوات الأربع الماضية زادت نسبة التعامل بالبراميل التي يطلق عليها ورقية أو يتم التعامل معها عبر أجهزة الكمبيوتر من ستة إلى 18 مقابل كل برميل نفط حقيقي يتم تداوله عبر الصفقات وذلك في العام الماضي في بورصة نيويورك، ويعتقد أن النسبة أعلى في سنغافورة ولندن مثلا.
الأمر الآخر الذي له علاقة بصورة ما يتمثل في ضعف الدولار، عملة تجارة النفط الرئيسية، التي تراجعت أمام اليورو مثلا في غضون فترة عام من 1.3 دولارا لليورو إلى 1.6 دولار وذلك حتى الشهر الماضي، وهو ما أسهم في توجيه الكثير من الاستثمارات إلى ميدان السلع ومن بينها النفط.
أهم من هذا كله فيما يبدو الوضع الجيوسياسي، وعلى رأسه ذلك المتعلق بنيجيريا وإيران، وشعور السوق أنه في إطار الطاقة الإنتاجية الفائضة المضمحلة، فإن التخوف من حدوث أي انقطاع يصبح عاملا في دفع سعر البرميل إلى أعلى، وهو ما يعطي العامل الخاص بالانطباعات العامة ثقلا وأهمية لا يستهان بها في إطار التأثير الكبير لوسائل الأعلام.
على أن جانب التقلبات يبقى له دوره، وهو في النهاية أحد ملامح الاضطراب التي تشهدها السوق. ففي أحد أيام التعامل قفزت السوق نحو 11 دولارا مرة واحدة، وهو رقم كان يشكل كل سعر البرميل قبل عقد من الزمان، كما أن التقلبات في حدود خمسة دولارات في سعر البرميل يوميا أصبحت أمرا عاديا.
ولهذا يبدو أن أحد القضايا التي تحتاج إلى متابعة لمعرفة إلى أي مدى تؤدي التطورات المختلفة إلى تقليص وحذف الدولارات الإضافية من سعر البرميل المرتبطة بمضاربات أو توقعات حتى تعود الأمور إلى أساسيات السوق من العرض والطلب وتصبح هي العامل الأساسي المؤثر في السعر، ولهذا فما لم يتم توافق على التشخيص ومعرفة أسباب ارتفاع سعر البرميل، فإن العلاج لن يكون واضحا أو سهلا.
لكن السوق تتحرك وحدها فيما يبدو خاصة مع تخلي المنظمة عن تحديد سعر تعمل على الوصول إليه والدفاع عنه في أوقات التراجع وضخ المزيد في أوقات الارتفاع ليكون في الحدود المقررة.
وعلى غير الصدمتين النفطيتين السابقتين، فإن المنظمة قد تخلت عن آلية السعر الرسمي ولم تعد بالتالي هناك فجوة بين السعر الذي تطلبه والسعر الذي يبرز في السوق الحرة، وكان هذا أحد المؤشرات على حدوث متغيرات في السوق تحتاج إلى الاهتمام بها. ويبدو الخيار الآن هل تمارس المنظمة دورها المعهود في انتظار ما تجود به السوق أم تسعى للاستفادة من هذا الظرف الذي تتمتع فيه بوضعية جيدة والتوصل إلى نوع من الترتيبات بعيدة الأمد، خاصة وهي تشكو من غياب أي التزام من قبل المستهلكين تجاه استمرار الطلب، وهو ما يبرر قيامها بالإنفاق على تطوير الطاقة الإنتاجية لديها. وفي كل هذا يحتل السعر مكانة محورية.