الصراع السياسي النيجيري يحدث نقلة في المشهد النفطي العالمي
تخطط الأمم المتحدة عبر وسيطها إبراهيم قمباري لاستضافة مؤتمر هذا الصيف يضم كل أطراف الصراع في نيجيريا من الحكومة إلى الشركات النفطية والمجموعات المحلية، وذلك بأمل التوصل إلى تفاهم عبر قواسم مشتركة لقضايا قسمة السلطة التي يتبوأ النفط مكانة محورية فيها.
ومع أن العنف في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط ظل مستمرا لعدة سنوات، إلا أن ما شهده الـ 19 من الشهر الماضي اعتبر نقلة لها تأثيراتها الإقليمية والدولية، ما أعاد التركيز على الوضع الأمني. ففي ذلك اليوم هاجم المتمردون عبر أحد القوارب السريعة حقل بوندا البحري التابع لشركة رويال داتش شل، الذي يقع على بعد 75 ميلا من الشاطئ، وأدت الخسائر التي لحقت بالإنتاج إلى جانب تعطيل مرافق نفطية أخرى إلى حدوث تراجع في الإنتاج النفطي النيجيري إلى 1.8 مليون برميل يوميا، أي بما يقل بنحو المليون برميل يوميا عن الطاقة الإنتاجية المتاحة في نيجيريا، ودفع بأنجولا لتصبح أكبر منتج ومصدر للنفط في القارة الإفريقية، وهي المرتبة التي كانت تحتلها نيجيريا منذ عقود.
حادثة حقل بوندا شكّلت نقلة نوعية في الصراع السياسي في نيجيريا، وأسهمت في دفعه من النطاق المحلي إلى العالمي، كما أنها هزت النظرية التي كانت تقوم على أن المرافق النفطية البحرية تتمتع بحماية طبيعية تجعلها أقل تأثيرا بما يجري على اليابسة.
ويضاف إلى هذا أن الحادثة تعيد تركيز الضوء على الخيار الإفريقي الذي تبنته وعملت على تطويره إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، باعتبار القارة الإفريقية، خاصة غربها في منطقة خليج غينيا، منطقة حيوية لتوفير بديل لنفط الخليج، الأمر الذي جعلها تقع في دائرة اهتمامات الأمن القومي، وهي منطقة تتضاعف أهميتها بسبب الاستثمارات الأمريكية الضخمة فيها عبر شركاتها أمثال "إكسون موبيل" و"شيفرون تكساكو"، التي ضخت مليارات الدولارات في مشاريع في نيجيريا، غينيا الاستوائية، ساوتومي وبرنسيب، تشاد، وأنجولا، ما مكنها من تزويد السوق الأمريكية بنحو 15 في المائة من وارداتها من النفط الخام، وهي نسبة يتوقع لها أن ترتفع إلى الربع بحلول العام 2020.
وهذا ما دفع مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والتر كانشتاينر إلى القول إن إفريقيا أصبحت منطقة ذات أهمية حيوية للولايات المتحدة، وأن تلك الأهمية ستزداد مستقبلا، خاصة بعد أن تعززت تلك الأهمية من خلال الاستراتيجية العامة لمكافحة الإرهاب.
ثم إن نيجيريا تعد ثامن أكبر مصدر للنفط في العالم وتحتل المرتبة الخامسة في قائمة من يزودون السوق الأمريكية باحتياجاتها من النفط الخام، وهذا ما دفع دانييل يرجن رئيس رابطة كمبريدج لأبحاث الطاقة وأحد أهم الخبراء في ميدان النفط إلى القول أمام إحدى لجان الكونجرس في الفترة الأخيرة، إن إحدى الوسائل لتقليص سعر البرميل الحالي المرتفع يتمثل في استعادة الأمن والاستقرار إلى منطقة دلتا النيجر بما يسمح باستغلال جميع الطاقة الإنتاجية النيجيرية المتاحة لتزويد الأسواق العطشى، لكن ستيفن موريسون مدير إدارة إفريقيا مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية يرى أن الصورة الإجمالية لما يجري في الدلتا لا توفر أساسا جيدا للتفاؤل، فالصراعات في هذه المنطقة صحبت دخول "شل" منذ أكثر من 40 عاما، وأصبحت بالتالي جزءا من الصراع السياسي بشقيه العسكري والمدني، الذي اكتسب لها بعدا عالميا، وعليه أصبح ما يجري في نيجيريا مهما لفهم لماذا تصاعد سعر جالون الوقود للمستهلك في الولايات المتحدة إلى أكثر من أربعة دولارات.
وتقترح واشنطن برنامجا لرفع القدرات البحرية على المستوى الإقليمي يكون محوره سلاح البحرية النيجيري وبتكلفة تصل إلى 16 مليار دولار، وهو ما يعد جزءا من محطة الشراكة مع إفريقيا التي يلعب فيها الأسطول الأمريكي دورا مهما في التدريب والوجود في منطقة خليج غينيا، وهي الخطوة التي يفترض أن تتكامل مع خطوات أخرى لتأسيس القيادة العسكرية لإفريقيا التي أعلن عنها بوش العام الماضي لتصبح عاملة وفاعلة بنهاية هذا العام، لكن حتى الآن لم تتمكن من العثور على بلد يقبل باستضافتها على أراضيه.
لكن إلى جانب التحدي الأمني الصرف، فإن سيطرة الشركات الغربية والأمريكية تحديدا على تلك المنطقة أصبحت تواجه تحديا جديدا من قبل الشركات الآسيوية التي تتزايد حصتها حتى وصلت إلى 25 في المائة، الأمر الذي يضيف عنصرا آخر أمام للمنافسة أو التعاون في هذه المنطقة المضطربة والحيوية.