ارتفاع الطلب على المشتقات النفطية السائلة يعزز صناعة التكرير عالميا

ارتفاع الطلب على المشتقات النفطية السائلة يعزز صناعة التكرير عالميا

يزداد الاستهلاك العالمي للنفط سنوياً بنحو 1.3 إلى 1.6 في المائة، أي بنحو 1.3 إلى 1.5 مليون برميل سنوياً وحتى عام 2012م. إن أي زيادة في إنتاج النفط بحاجة إلى زيادة في الطاقة التكريرية العالمية، لأن النفط الخام لا قيمة له إلا بعد تحويله إلى مشتقاته المعروفة والصالحة للاستهلاك. وبدأ الكثير يستشعر هذه العلاقة الحميمة بين صناعة التكرير وأسعار النفط العالمية، فكلما تمتعت صناعة التكرير بالراحة والهدوء والسعة ونسبة استخدام للمصافي أقل من 90 في المائة، استشعرت أسواق النفط الراحة والاستقرار، لكن كلما ضاقت طاقة العالم التكريرية وارتفعت نسبة استخدام المصافي أو حدث أي مكروه في أي مصفاة عالمية يستطيع الجميع أن يرى سرعة استجابة أسعار النفط لهذا الخلل صعوداً وارتباكاً. وتقدر "نكسنت" أن العالم بحاجة إلى 20 مصفاة في كل عشر سنوات وذلك لمقابلة الطلب العالمي المتنامي على المشتقات الخفيفة.
يحتاج العالم إلى المشتقات النفطية الخفيفة مثل الديزل والنافثا والجازولين ووقود الطائرات وغاز البترول المسال LPG، فهذه المشتقات هي خلاصة برميل النفط، أما المخلفات الثقيلة فهي بحاجة إلى معالجة وتنظيف من الشوائب الكبريتية والمعدنية ما يزيد في تكلفة الاستثمار. فمثلاً وصل الطلب العالمي على النفط عام 2005م إلى نحو 85 مليون برميل يومياً، وبلغت حاجة العالم إلى المشتقات الخفيفة نحو 75 مليون برميل مقابل عشرة ملايين برميل فقط إلى المخلفات الثقيلة، حيث تستخدم بعض هذه المشتقات الثقيلة كوقود لناقلات النفط وكوقود لإنتاج الطاقة الكهربائية والحرارية، وأيضا كمصدر أساسي للأسفلت والكربون الخام ذي الاستخدامات الصناعية المختلفة.
وتتوقع UOP أن يصل الطلب العالمي على المشتقات الخفيفة في 2015 إلى 95 مليون برميل، بينما سيبقى الطلب العالمي على المشتقات الثقيلة ثابتا عند عشرة ملايين برميل يومياً، ما يعزز الحاجة الملحة إلى صناعة تكريرية متطورة تكون قادرة على تحويل معظم برميل النفط، أي نحو 90 في المائة منه، إلى مشتقات خفيفة خالية تقريباً من الكبريت.
ولو أخذنا آسيا مثالاً على تصاعد استهلاك المشتقات النفطية نجد أن نسبة النمو على المشتقات النفطية بلغت عام 2006م 400 ألف برميل وزاد النمو عام 2007م إلى 700 ألف برميل، أما دول الشرق الأوسط وإفريقيا فبلغ النمو على المشتقات النفطية نحو 350 ألف برميل يومياً عام 2006م، وزاد النمو ليبلغ 500 ألف برميل يومياً في 2007م.
ومع تصاعد الطلب العالمي على المشتقات النفطية، نجد أن العالم بدأ يعاني ضيق طاقته التكريرية التي من شأنها أن تنتج الكثير من الاختناقات العالمية وتوجد حالة من عدم الراحة في أسواق النفط. سيواجه العالم عجزاً في طاقته التكريرية قد يبطئ عجلة اقتصاده ما لم تسارع الدول في الاستثمار في صناعة التكرير، ويبدو واضحاً في السنوات الأخيرة اتجاه النفط بالاستثمار في تكريرية بالمشاركة في إقامة المصافي.
يتغير مسار الاستثمار في صناعة التكرير بشكل دائم ومستمر متأثرا بعوامل كثيرة منها عالمية وأخرى إقليمية. ويلعب نمو الاقتصاد العالمي ونسبة النمو في الطلب العالمي والاقليمي على الطاقة مع تغير اتجاهات أسعار النفط وزيادة التشريعات البيئية صرامة بشكل كبير في تحديد مسار واتجاه الاستثمار في صناعة التكرير.
فعلى سبيل المثال شهدت دول آسيا دورات مختلفة في ازدهار صناعة التكرير فيها، وكانت اليابان من أوائل الدول امتلاكاً لقدرة تكريرية متطورة في فترة السبعينيات وما قبلها بحكم بداية الازدهار في الاقتصاد الياباني، وتبعت سنغافورة اليابان في هذه الفترة ثم كانت فترة الثمانينيات، حيث ازدهرت مصافي التصدير في دول الخليج العربي. أما في فترة التسعينيات فكان نهوض كوريا الجنوبية وتايوان والنمور الآسيوية، حتى حدثت أزمة الأسواق المالية الآسيوية في 1997-1998م.
وفى بداية الألفية الثالثة بدا واضحاً أن دور الازدهار في صناعة التكرير سيكون من نصيب كل من الصين والهند، حيث النمو الكبير في اقتصادياتها. ومن هنا يبدو جلياً أن نمو صناعة التكرير في أي بلد يرتبط بالنمو الاقتصادي له. وتشير التقديرات إلى أن زيادة قدرة التكرير في الصين ما بين 2007م و2010م سيكون نحو 2.5 مليون برميل يومياً. أما الزيادة في طاقة الهند التكريرية للفترة نفسها فستكون 1.5 مليون برميل يومياً.
اتجه الكثير من منتجي النفط إلى الاستثمار في آسيا، خصوصاً الصين، ومنهم "أرامكو السعودية"، حيث المساهمة في مجمع فوجيان وحتى شركة النفط الكويتية. حصلت الصين على اهتمام عالمي من كثير من الشركات العالمية والدول الخليجية. وأعتقد أنه قد حان الأوان لتغيير جهة الاستثمارات النفطية السعودية من الصين إلى دول أخرى.
الهند والمغرب من الدول المغرية للمشاركة في تشييد المصافي، فالهند ستصبح من أكبر الدول الآسيوية تصديراً للمشتقات النفطية، حيث تبلغ طاقتها التكريرية الحالية نحو 2.1 مليون برميل يومياً، وتعتبر مصفاة جمنغار الهندية ثالث أكبر مصفاة في العالم بطاقة تكريرية تقارب 660 ألف برميل يومياً.
وتتميز الهند بوجود الأيدي العاملة الرخيصة، وكذلك بموقع وسط بين دول الخليج (لاستيراد النفط الخام) ودول آسيا المحيط الهادي، حيث النمو الكبير على طلب المشتقات النفطية. وتقوم الهند بتصدير مشتقاتها النفطية إلى كل من اليابان وأوروبا والولايات المتحدة، وتجدر الإشارة إلى أن ربحية المصافي المتطورة في الهند تزيد على ربحية مثيلاتها في سنغافورة بنحو ثلاثة إلى ستة دولارات للبرميل.
ومن المجدي اقتصادياً الاستثمار في تشييد المصافي في أحد الدول التي تطل على الأطلسي حتى يسهل التصدير إلى أوروبا والولايات المتحدة، حيث النمو الكبير للطلب على الديزل في ظل عزوف أمريكي معروف على تشييد مصاف جديدة.
وتشكل دول المغرب العربي مثل المغرب نقطة انطلاق استراتيجية لأسواق أمريكا الشمالية. وفعلاً أعلنت شركة الاستثمارات البترولية الدولية (الإماراتية ـ إيبيك) في حزيران (يونيو) الماضي موافقتها لبناء مصفاة جديدة في المغرب. وقد تم التنويه عن موقع المغرب الاستراتيجي ومناسبته للمشاركة في بناء مصفاة جديدة في مقال تم نشره في جريدة "الاقتصادية" عدد 5046 الصادر في 5 آب (أغسطس) 2007م.

* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات

الأكثر قراءة