الإشكاليات النفسية والاجتماعية لطالبي وطالبات عمليات التجميل

الإشكاليات النفسية والاجتماعية لطالبي وطالبات عمليات التجميل

[email protected]

بات من المؤكد لدى المتخصصين أن توجه معظم الناس إلى الجراحات التجميلية التحسينية إنما يبعث عليها أمورٌ نفسية وليس نقصا أو بشاعةٌ في خلقة الواحد منهم, ذلك أن مشكلة الإحساس بالنقص وهو ما يُطلق عليه في علم النفس: "مركب النقص" Inferiority Complex هو المؤثر الفاعل في توجه الناس إلى عيادات التجميل والجراحات التحسينية.
ولهذا فكثيراً ما يخرجون ساخطين من عيادات أطباء التجميل بعد إنهاء فترة ما بعد عملية التجميل, لأنهم مهما حُسِّنوا ومهما جُمِّلوا فالمشكلة ليست في أشكالهم ولا في هيئاتهم ولكنها مشكلاتٌ نفسية باتت جزءاً من التكوين العام لحياتهم.
وهذا يحوج إلى أن يتجرد الأطباء المتخصصون في هذا المجال لأن يقولوا كلمة الحق ويصارحوا المتردد عليهم بأنه قبل تفكيره في تحسين شكله ومنظره ينبغي أن يعلم أن مسألة حسن المنظر وجمال الشكل أمرٌ نسبيٌّ, لا ينبغي المبالغة فيه, وأن عليه أن ينظر إلى الحياة بمنظارها المتواضع بعيداً عن المظاهر والديكورات والتصنعات, وأن قيمة الإنسان ليست بشكله ومظهره, ولكن قيمته بعمله وإنتاجه وقيمه.
وبات الأطباء في مجال التجميل يفطنون إلى ضرورة التأكد من أن شكوى المريض شكوى حقيقية لها علاقة بالتجميل، وتحدث نوعاً من الإخلال بالشكل، بحيث يمكن التعامل معها من منطلق واقعي, لتكون النتيجة المرادة من الجراحة في إطار الواقعية أيضاً, بحيث يعاين الطبيب المشكلة، ويتوقع المريض ما سيحدث له، ولا تكون له توقعات مخالفة للحقيقة أو الواقع الذي يمكن أن يحصل عليه.
وفي هذا السياق حثَّ الدكتور وولتر إيرهاردت رئيس لجنة التثقيف والتوعية العامة في الجمعية الأمريكية للجراحة التجميلية الذين يزمعون إجراء عمليات الجراحة التجميلية على أن يتحلوا بالواقعية ـ مشيراً في هذا الصدد إلى أن البرامج التلفازية قد تكون سلاحاً ذا حدين؛ لجهة أنها أفضت إلى توقعات غير واقعية من حيث عدد العمليات التي يمكن إجراؤها خلال فترة زمنية وجيزة ـ الأمر الذي قد لا يتأتى إلا للقلة القليلة من الناس الذين تسمح لهم إمكاناتهم بذلك. ومن جهة أخرى وفقاً للدكتور إيرهاردت، فإن البرامج التلفازية قد بينت للناس التغيير الذي أحدثته الجراحة التجميلية في حياة من خضعوا لها من الأشخاص العاديين.
كما أن الخبيرة جوان كريسلر أستاذة علم النفس في كلية كونكتيكت في منطقة نيولندن تؤكد أن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم سيصبحون أكثر سعادة بعد إجراء الجراحة التجميلية قد يصابون بالإحباط وخيبة الأمل - ذلك أنهم قد يكونون أكثر سعادة حيال منظر الأنف بعد عملية تجميل الأنف أو مظهر الحواجب بعد عملية شد الحاجبين؛ بيد أن المستوى العام للسعادة قد لا يتغير لديهم "ما لم يحدث التغيير في دواخلهم".
ويقرر المتخصصون في التنظير لجراحات التجميل أن من المهم أن تكون لدى جراح التجميل القدرة على التخيل، لأن عمليات التجميل في الأساس لها ارتباط بالمقاييس والتناسب للأجناس البشرية المختلفة, سواء أكان الجنس العربي أم الجنس القوقازي أم الجنس الإفريقي أم الجنس الصيني أم غيرها من الأجناس, فالجراح يدرس الحالة لكي يجعل لها تخطيطاً معيناً من خلال دراسة الأبعاد, خاصة أنَّ كل جنس من الأجناس له مواصفاته، بحيث يكون هناك تخيل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنوع المريض وجنسه، وموطن الاختلال بين جزئية موضع التجميل وبقية أجزاء الملامح أو الجسم، حتى يكون هناك توافقٌ كامل, خاصة أن هناك انتظاماً بين أعضاء الجسم الخارجية وبعضها البعض, فالأنف له علاقة قوية بالعين والفم والأذن ووضعه في منتصف الوجه.
حين يتم إجراء عملية في الأنف مثلاً, فلا بد من دراسة كل هذه الأبعاد مجتمعة، بحيث يكون هناك أنف مناسب له بعد عملية التجميل.
ويلاحظ جراحو التجميل أن من المتكرر أن يأتي بعض النساء ليطلبن تشكيل وجوههن مثل الممثلات وغيرهن, وتقول الواحدة منهن لجراح التجميل: أريد أنفاً مثل أنف فلانة الممثلة أو المغنية أو غيرهما، والحقيقة أن أنف فلانة مناسب لها، ولكنها ليست مناسبة في الوقت نفسه لأي إنسانة أخرى, ومع الأسف أن هذا الاتجاه لا يزال متكرراً, والواجب على جراح التجميل أن يحقق لمرتادي عيادته التوازن بين كل الملامح والأعضاء, فكل شخصية مستقلة بذاتها, ويجب أن تكون الملامح منسجمة ومتوازنة في أبعادها.
ومن المؤكد أن جزءاً من عمل جراح التجميل دراسة المريض نفسياً واجتماعياً، قبل أن يضع مشرطه عليه، كما أن الفائدة التي يحصل عليها المريض من العملية حين لا تتعدى نسبة نجاح وقابلية عالية فإنه لا يصلح لإجراء العملية.
وإنَّ من المؤسف أن جراحات التجميل اليوم أصبحت من أكثر فروع الطب تعرضاً للإخلال بالمسؤولية الأخلاقية, ونتج ذلك عن انتشار مراكز التجميل غير المتخصصة بإعلاناتها في الصحف والإذاعة والتلفزيون، والتي استغلت تطلُّب الناس الجمال وسعيهم إلى تحصيله، وخاصة السيدات، اللاتي يستغفلن بتقليد الممثلات ونحوهنَّ.
وباتت ممارسة بعض هذه المراكز أنواع الاستغلال والابتزاز وما ينجم عنها من أخطاء وأضرار باسم جراحات التجميل المختلفة, سببا لتكوين سمعةٍ سيئة ليس لهذه المراكز فحسب, وإنما عن عمليات وجراحات التجميل عموماً.
ووفق التصور السابق فإن الشريعة الإسلامية وضعت الأطر الشرعية والأخلاقية للتعامل مع هذه القضية، سواء بالنسبة إلى الأطباء أو بالنسبة إلى من يطلب إجراء تلك العمليات.
فالأصل أن الناس يولدون وقد اكتملوا في خلقتهم ولهم الصورة الإنسانية المعتادة، كما قال الله سبحانه ممتناً على عباده: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) /سورة غافر:64/ وكما قال جل وعلا: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) /سورة التين:4/.
ومنعت الشريعة تغيير الخلقة الأصلية لمجرد التغيير، فنهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك، ووجه الخطاب للنساء مع عمومه للرجال لأن وقوع هذا الأمر منهن أكثر فقال: "لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" رواه البخاري ومسلم.
وأخبر الله أن تغيير الخلقة الآدمية من مقاصد عدونا إبليس فأخبر عنه قوله: (وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً) /سورة النساء:119/.
وأباحت الشريعة التجمل الذي لا تغيير للخلقة فيه: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) /سورة الأعراف:32/.
كما أباحت إصلاح العيوب الطارئة والتشوهات الحادثة, فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" رواه مالك وأحمد وابن ماجة. وكما أذن لأحد الصحابة أن يستعمل الذهب والفضة في تجميل وجهه وإخفاء عيبه, فعن عرفجة بن أسعد قال: أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية فاتخذت أنفاً من وَرِق فأنتن عليَّ فأمرني رسول ـ الله صلى الله عليه وسلم ـ أن أتخذ أنفاً من ذهب. رواه أبو داود والترمذي.
وهكذا رعاية الشريعة لما يتعلق بالجوانب الأخلاقية من جهة النصح للمريض وحفظ سره وستر عورته وتطبيب كل جنس لجنسه.
وكذلك عناية الشريعة بالمسؤولية وتوابعها فلا يباشر هذه العمليات إلا من كان مؤهلاً، فروى أبو داود وغيره أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن".
وجملة القول أن جراحات وعمليات التجميل يشوبها عدد من الإشكاليات ولا بد من وضع هذا العمل الطبي في إطاره الصحيح حتى ينال الناس فوائده بعيداً عن الأخطاء الطبية والمخالفات الشرعية والأخلاقية.

الأكثر قراءة