رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حان وقت إيجاد بدائل لمصادر الطاقة

khowaioh@aramco. com

لم يكن أكثر المراقبين لأسعار النفط تفاؤلا يتوقع أن يصل سعر البرميل إلى ما فوق 140 دولارا خلال هذه المدة الزمنية القصيرة، وفي غياب أي من المؤثرات السياسية أو المشكلات التشغيلية التي عادة ما تُتَّخذ ذريعة لارتفاع الأسعار. وكل ما نسمع عن الأسباب الرئيسية التي ساعدت على بلوغ الأسعار هذا المستوى، ما يردده الإعلام من أنه يعود إلى تدنِّي قيمة الدولار وتلاعب المضاربين وفعل المغامرين.
ونحن، وإن كان لهذين العاملين دور ما، إلا أننا يجب ألا نغفل العامل الأهم، وهو بلوغ كمية الاستهلاك العالمي من النفط مستوى الإنتاج الكلي، وهو أمر يحدث لأول مرة في تأريخ سوق النفط. ومن المقبول أن نطلق على هذه المرحلة من تأريخ إنتاج النفط، "الوصول إلى الذروة "، وهي تَسَاوي الكمية القصوى من الإنتاج مع كمية الاستهلاك العالمي. ففي حساب الأرقام، وصل الاستهلاك العالمي اليومي من النفط ما يقارب 87 مليون برميل، وهي الكمية القصوى التي من الممكن إنتاجها عالميا في اليوم. وقد أدرك المضاربون بمستقبل إنتاج النفط هذه الحقيقة، التي هي بداية مرحلة نقص المعروض ومن ثم حتمية ارتفاع مستوى الأسعار، فمضوا يراهنون على ما سوف يصل إليه سعر البرميل عند ما لا يجد المستهلكون ما يؤمِّن كامل طلبهم من النفط.
وفي ضوء الاتجاهات الاقتصادية الحالية، من المتوقع أن تستمر كمية الاستهلاك في الارتفاع بنسبة سنوية تصل إلى 1. 2 في المائة، بينما يظل الإنتاج قريبا من مستواه الحالي لفترة قد لا تدوم طويلا، ثم يبدأ في التراجع، فتزداد الفجوة بين العرض والطلب اتساعاً لصالح الاستهلاك، وتكون النتيجة استمرار ارتفاع سعر البرميل إلى مستويات قياسية، ربما تتعدى 200 دولار للبرميل خلال فترة قصيرة من عمر الزمن. وكل ما كان يقال خلال السنوات الثلاث الماضية من جانب بعض الاقتصاديين، من أن الأسعار سوف تميل إلى الانخفاض إلى مستويات متدنية، لم يكن مبنيا على أسس علمية سليمة. بل كانوا في الغالب، يقارنون وضع سوق النفط في السبعينيات الميلادية مع الوضع الحاضر. وهناك، بطبيعة الحال، فارق كبير بين المعطيات خلال الزمنيْن، الماضي والحاضر. فمنذ اكتشاف النفط وإلى عهد قريب، كانت السوق مُتخَمةً بفائض النفط، حيث كان كلُّ منتِج خلال تلك الفترة يحاول أن يضخ قدر استطاعته، حتى ولو كان ذلك يؤدي إلى خفض الأسعار إلى أدنى مستوى، وهو ما كان يحدث فعلا. وكنا آنذاك نتألم ونحن نرى برميل النفط، وهو سلعة ثمينة ونادرة وقابلة للنضوب، يباع خلال عقود عديدة بقيمة كوبيْن من العصير! والذين يتبرمون اليوم من ارتفاع الأسعار، ربما لا يتذكرون أن حكوماتهم تضع ضرائب كبيرة على كل لتر من المنتوجات النفطية، وأن دخل بعض الحكومات من ضرائب النفط المستورد قد يزيد أحيانا عن دخل الدول المنتجة.
وإذا لم تُكثِّفُ الدول الصناعية الكبرى جهودها العلمية من أجل إيجاد بدائل لمصادر الطاقة، تستخدم جنبا إلى جنب مع مصادر الطاقة النفطية القابلة للنضوب، فإن العالم سوف لا محالة يشهد أزمة اقتصادية غير مأمونة العواقب، وربما نواجه توقُّفا تدريجيا في جوانبٍ مهمة من أمور الحياة، كوسائل النقل وصناعة الغذاء، وما يترتب على ذلك من خطورة اندلاع منازعات إقليمية ودولية من أجل البقاء.
ولعله من المناسب أنْ نذكر أنَّه لا يزال الكثيرون ممن يملكون ثروات نفطية كبيرة لا يحبذون الوصول في الوقت الحاضر إلى إيجاد بدائل جديدة لمصادر الطاقة، خوفاً من أنَّ ذلك ربما يؤدي إلى الاستغناء عن النفط، وهو تخوف ليس له اليوم ما يبرره، ليس فقط لأن أي بديل للمواد الهيدروكربونية كمصدر رئيسي للطاقة، سوف يستغرق عشرات السنين لتطويره وتهيئته ليكون مصدرا آمنا ومناسبا للاستخدام المباشر وإنشاء بنيته التحتية المكلفة، بل لأن لمشتقات المواد الهيدروكربونية أيضا استخدامات أخرى ضمن الصناعات البتروكيماوية التي لها أهميتها في حياة البشر، ولربما أنها سوف تدر علينا دخلا أكبر ولمدة أطول. فهناك الكثير من المواد الاستهلاكية التي لا حصر لها يجري تصنيعها من المواد الهيدروكربونية. فلماذا إذاً القلق على مستقبل النفط؟
ثم إن الحال اليوم على غير ما كانت عليه قبل 20 سنة. فمنذ بداية عهدنا بالنفط في الأربعينيات الميلادية وإلى نهاية مدة خمسة عقود، كان يهمنا أن يظل النفط المصْدر الرئيسي للطاقة. أما اليوم، فمن مصلحتنا ومصلحة أجيالنا ألا نضطر إلى رفع كمية الإنتاج إلى مستويات تفوق سد حاجتنا من الدخل، على حساب مخزوننا النفطي القابل للنضوب، وهو ما يلاحظه المرء في الوقت الحاضر في غياب بدائل مناسبة لمصادر الطاقة، خصوصا بعد بلوغ سعر البرميل هذا المستوى من الارتفاع. ونحن كمنتجين نريد نُمُوًّا متوازنا للطاقة النفطية، يفي بحاجة العالم، وفي الوقت نفسه، لا يرهق حقول نفطنا. وهذا بالطبع يتطلب وجود مصدر بديل للطاقة يخفف من الضغط على النفط.
أما إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، من استنزاف كبير لمخزونات النفط، ورفع كمية الإنتاج مع كل زيادة في الطلب العالمي، فإن المحصِّلة النهائية سوف تكون بلا أدنى شك نضوب مبكر للثروة النفطية، قبل أن يتمكن العالم من تأمين مصدر ثابت يحل مكانه، ونكون نحن أكثر المتضررين نظرا لافتقار بلادنا لأدنى مقومات الحياة.
ونود أن نطرح سؤالاً مهماً: فأيهما أفضل لأجيال هذه الصحراء القاحلة، استنزاف الثروة النفطية تحت ذريعة الحيلولة دون إيجاد بدائل جديدة؟ وماذا سوف يكون عليه وضع الأجيال القادمة في حالة نضوب النفط وليس لديهم مصدر آخر للمعيشة؟ أو أن نقبل من الآن بوجود بدائل للنفط حتى ولو أدى ذلك إلى الاستغناء النسبي عن النفط كمصدر رئيسي للطاقة؟ وهذا يعني أن النفط المتبقي سوف يظل مصدراً من مصادر الدخل؟ لا شك أن الاختيار الأخير هو الأفضل بالنسبة للأجيال القادمة، لأن للنفط قيمة ثمينة مهما تقدم به الزمن، ووجوده تحت الأرض أكثر أمناً لمستقبل الأجيال.
ونحن لا يمكن أن نقبل بالنظريات أو المقولات التي يرددها البعض، من أن ارتفاع الأسعار سوف يؤدي إلى الاستغناء عن النفط قبل نضوبه، كما تمَّ استغناء إنسان العصر الحجري عن الحجر وهو لا يزال موجودا بكثرة، فهذه مقارنة لا تتناسب مع المنطق السليم.
وقد يتساءل المرء عن سبب عدم اهتمام الدول المستهلكة الرئيسية للطاقة والمتقدمة تكنولوجيا بالبحث عن مصادر بديلة، واستمرارها في الاعتماد شبه الكلي على مصادر قابلة للنضوب ! في الواقع أن هناك عوامل كثيرة، كل منها يلعب دورا في صرف الرغبة عن جعل تلك المهمة من الأولويات لديهم، على الرغم من أهمية الموضوع.
فأوَّلاً: هم يدركون أن البحوث والتجارب التي يحتاجون إليها من أجل التوصل إلى إيجاد مصادر جديدة للطاقة ذات كفاءة عالية وصديقة للبيئة ومتيسرة التكاليف، وتكون في متناول الجميع، يحتاج إلى أموال طائلة وإلى جهود بحثية كبيرة لا يتحملها طرف واحد، ولذلك فهم يحاولون دفع هذا الأمر حتى يصبح أكثر من ضرورة مُلِحَّة، وهذه سياسة ذات حدَّين. فإذا لم يتيسر إيجاد البديل خلال زمن مناسب، مع الاستمرار في استنزاف مصدر الطاقة الرئيسي الحالي القابل للنضوب، فسيواجه العالم أزمة اقتصادية حادة لا يعلم نتائجها إلا الله.
ثانيا: من أهم عوامل عدم التوصل إلى حلٍّ لأزمة مصادر الطاقة غياب العمل الجماعي والتعاون بين القادرين من الدول في حمل الجهد المطلوب والتعاضد في تحمُّل التكاليف الضخمة التي تتطلبها البحوث والتجارب العلمية المعقدة.
ثالثا: لا يُستبْعَد أن يكون العامل الأكثر تأثيرا في مواقف الدول الصناعية وغياب الجدية في البحث عن مصادر جديدة للطاقة، ما يتردد في الأوساط النفطية من أن هناك كميات هائلة من المواد الهيدروكربونية التي لم يُعلَن عن وجودها ولم تكن مضافة إلى المخزون النفطي العالمي الذي نعرفه، مما يكون قد تسبَّب في إضعاف عزم واهِتمام تلك الدول، وجعلها تتراخى عن القيام ببذل مجهود أكبر. وكثيراً ما نسمع من المصادر ذاتها عن إمكانية اكتشاف كميات إضافية جديدة من المخزون النفطي، ستضاعف الكميات الثابت وجودها الآن، مما يساعد على امتداد عمر النفط إلى الضعف.
وكل تلك التكهنات لا تعدو كونها استنتاجا مبنيا على تفاؤل أكثر منه على حقائق علمية. فلا يصح أن نمنِّي المستهلكين بشيء لم نتأكد من وجوده. وماذا سوف تكون النتيجة إذا لم يُعثر على الكميات الموعودة بعد فوات الأوان؟ ستكون، بدون أدنى شك، مفاجأة غير سارة للجميع، وسيترتب على ذلك حدوث خلل خطير في التعامل مع مصادر الطاقة المحدودة. وإذا فرضنا احتمال وجود مخزونات نفطية كبيرة لم تُكتشف بعد في أماكن مثل مَحْميات الغرب الأمريكي وبحر الصين كما يشاع، فلماذا لا نرى جهودا تبذل من أجل إثبات وجودها من عدمه؟ وهل نصدق ما يردده البعض من أنهم يريدون استنزاف ما لدينا أوَّلا ثم يعودون إلى إنتاج النفط من تلك المناطق؟ لا نعتقد ذلك، ومن السذاجة أن نأخذ هذا الكلام مأخذ الجد.
ومن الأمور التي تلفت النظر بالنسبة لنا كمنتجين، كون العالم المستهلِك للطاقة، وعلى وجه الخصوص، الشعوب الغربية، ينظرون إلى الثروة النفطية التي نملكها وبين أيدينا، كما أنهم هم أيضا يملكون قمحهم ومنتوجاتهم، على أنه من حقهم أنهم يُمْلون علينا كيف نتصرف بها. فهم يريدون منا أن نلبي حاجتهم من النفط مهما بلغ مقدار الطلب، ما دام أن هناك إمكانية لزيادة الإنتاج، ومهما كلفنا ذلك مادياًّ وتسبب في إنهاك حقولنا، التي نأمل أن يكون لأجيالنا اللاحقة نصيب ولو يسير منها. وهناك مَنْ يحرِّضون على التدخل شبه المباشر في شؤون الدول المنتجة عن طريق الدعوة إلى قبول إشراك شركات النفط العالمية من أجل زيادة الاستثمار في عمليات الاستكشاف والإنتاج، حتى يضمنوا أكبر قدر ممكن من الإنتاج، الذي حتماً سوف يؤدي إلى تدهور الأسعار وإلى تقليص عمر النفط.
وإذا كانت إرادة العالم تريد منا أن نقدم لهم نفطنا على طبق من ذهب، وبالكميات التي يحتاجون إليها، فليقدموا لنا ضمانات دولية بإمدادنا بمساعدات اقتصادية وتكنولوجية في المستقبل لصالح أجيالنا، مقابل تضحيتنا بما نملك من الثروة النفطية، وهي المصدر الرئيسي الوحيد لمعيشتنا. نقول ذلك ونحن نعلم علم اليقين أن تلك الدول التي تريد منا دائما أن نلبي طلب السوق النفطية مهما كان ذلك مرهقا لثروتنا ومؤثرا في مستقبلنا، لن يهمهم حال أجيالنا وما سوف يؤول إليه مصيرهم. وإذاً فعلى أرض الواقع، لا نتوقع أن أحدا في المستقبل سوف يقدم لنا أي نوع من الضمانات أو المساعدات الاقتصادية من أجل ضمان حياة مطمئنة لأجيالنا.
والشيء غير المريح بالنسبة لنا، ما يتردد في الإعلام الخارجي حول اتهامنا من قبل جهات معينة، بأننا وراء ارتفاع أسعار النفط، على الرغم من جهودنا المستمرة في رفع كمية الإنتاج لمقابلة الطلب العالمي المتزايد، ومحاولة كبح جماح الأسعار من أجل الصالح العام. فقد وصل الأمر بالمشرِّعين في بعض الدول إلى محاولة معاقبتنا نحن المنتجين، عن طريق سنّ قوانين لمقاضاتنا وإلحاق الضرر بمصالحنا القومية، وهو تصرف ينم عن عدم التقدير لجهودنا، وعن جهل من جانبهم بطبيعة العلاقات الدولية. وربما أن ذلك محاولة من البعض لتغطية فشلهم أمام شعوبهم. وكان الأولى والأفضل أن يحثوا حكوماتهم على العمل على إيجاد حلول عملية لمستقبل الطاقة بوجه عام. والحل الأمثل لضمان توافُّرُ مصادر الطاقة للعالم أجمع، هو مضاعفة الجهد للبحث عن بدائل جديدة، بدلا من التراخي والانتظار حتى يداهمنا الزمن، ولا نعِيَ إلا والعالم يتخبط بحثا عن مخرج قد لا يكون متيسرًا.
والمراقِبُ لما يحدث اليوم في أنحاء المعمورة، بعد استمرار صعود سعر برميل النفط بلا توقف، من سبعين إلى أكثر من 140 دولاراً، خلال أشهر قليلة، لا يفوته لمحَة الذعر الشديد الذي ينتاب كثيرا من المستهلكين، مما يُظهر أن لا أحد كان يلقي بالاً لبوادر أزمة الطاقة التي بدأت معالمها واضحة منذ عدة سنوات.
ومما يثير الاستغراب، أننا نشاهد اليوم القوم وهم يبحثون عن كبش فداء يضعون عليه مسؤولية ارتفاع الأسعار. فتارة يتهمون شركات البترول بوجه عام، وفريق يخص منظمة الأوبك بالمسؤولية. ومهما يكن من الأمر، فالأسعار ستستمر في الارتفاع، غير عابئة لا بالاحتجاجات ولا بالاتهامات، إلا في حالة نزول الطلب على مصادر الطاقة، ربما نتيجة لركود اقتصادي مخيف، أو بالتوصل إلى إيجاد روافد جديدة من مصادر الطاقة تغطِّي جزءا من حاجة البشر، إلى جانب المصادر الهيدروكربونية الحالية التي سوف تتناقص مع مرور الوقت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي