خسائر شركات التأمين.. لماذا؟
طالعتنا الصحف قبل يومين بأنباء مفادها بأن إحدى شركات التأمين تعرضت لخسائر جسيمة اقتربت من نصف رأسمالها مما قد يترتب عليه إيقاف أسهمها عن التداول أو حتى سحبها كليا من هيئة سوق المال.
وعلى الرغم من أن هذا الخبر يعد محزنا بالنسبة لي فإنني لا أستغرب من هذه النتيجة المأساوية التي آل إليها وضع هذه الشركة بالنظر إلى استقرائي كمراقب لسوق التأمين لبعض العوامل السلبية التي يمكن أن تعطي مؤشرا تقريبياً يمكن من خلاله التعرف على الإشكالات التي يمكن أن تعترض شركات التأمين في السوق السعودية.
ولعلي أسرد بعضا من أهم هذه العوامل حتى يعرف القارئ الكريم الأسباب التي قد تدفع بشركات التأمين إلى تحقيق خسائر متراكمة في السوق رغم حداثة عهدها بالتأمين ورغم حداثة الترخيص لها أيضاً.
بداية يجب أن يعرف القارئ الكريم أن شركات التأمين هي من الشركات التي يكون فيها عنصر المخاطرة متدنيا بشكل كبير ومعدل الخسائر في ممارسة نشاط التأمين هو من أقل المعدلات مقارنة بالنشاطات التجارية التي تمارسها الشركات والمؤسسات الأخرى، فشركات التأمين هي أقرب ما تكون للبنوك وهي تتساوى مع البنوك باعتبارها شركات أموال ولذلك فغالبية الأنظمة وفي مختلف الدول ومنها النظام السعودي تشترط بأن تكون شركات التأمين هي شركات مساهمة وليست شركات أشخاص. ومعدل الربحية العالي هي السمة التي تتميز بها شركات التأمين ويعرف المستثمرون بأن شركات التأمين هي شركات ناجحة وتحق عوائد مالية عالية المستوى طالما أنها وجدت البيئة المهنية المناسبة للعمل.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن معرفة الأسباب التي تجعل من شركات التأمين تحقق معدلات خسائر عالية مثل ما حدث للشركة التي تضمنها الخبر الذي أشرت إليه في مستهل مقالتي هذه؟!
أعتقد أن أهم سبب هو نقص المعرفة والخبرة في ممارسة التأمين بشكل مهني، فالمستثمرون يلجأون إلى إنشاء شركات تأمين دون أن يدور بخلدهم أن نجاح هذه الشركة يتوقف على وجود أشخاص مؤهلين يديرون أعمالها بكل كفاءة ومهنية بالنظر إلى خصوصية التأمين وفنياته وحساباته الاكتوارية، فبعض شركات التأمين تقوم بالتأمين على بعض المخاطر دون إدراك لحجم الخطر أو ماهيته بشكل كامل فتفاجأ بحجم تعويضات كبير لم يكن بمقدورها أن تتحمله، ويزيد من خطورة المشكلة عدم قيام شركة التأمين بعملية إعادة التأمين أي لا تقوم بالتأمين على نفسها لدى شركة إعادة تأمين إما بسبب عدم قدرتها على ذلك أو بسبب تهاونها ومغامرتها بقبول التأمين على هذا الخطر دون إعادة التأمين عليه.
ولعلي أذكر قصة تؤكد هذا الأمر وهو أن إحدى شركات التأمين العاملة في السعودية قامت بالتأمين على إحدى الشركات التي تعمل كوكيلة لإحدى ماركات أجهزة الجوال وقامت بضمان كافة المخاطر التي يتعرض لها مستخدمي هذا النوع من الجوال باستثناء مخاطر معينة ولكن دون معرفة منها بحجم المخاطر التي قامت بالتأمين عليها أو حتى معرفة نوعيتها بشكل كامل ودون أن تتوافر لها الإمكانات الفنية لفحص هذه الأجهزة وتحديد المخاطر التي ضمنتها، وفوجئت بعد ذلك بكم هائل من طلبات التعويض تجاوزت عشرات الملايين من الريالات.
السبب الثاني لخسائر شركات التأمين هو نقص الإمكانات البشرية المؤهلة مع وجود نقص واستهلاك مستمر لرأس المال دون أن يكون هناك عائد مادي يعوض هذا النقص وذلك نتيجة عدم وجود منتجات تأمينية لها رائجة في السوق وهذا يتأتى في الغالب نتيجة عدم نجاح الشركة في طرح منتجات قادرة على منافسة منتجات شركات التأمين الأخرى بسبب نقص الإمكانات البشرية والمادية وعدم وجود إدارة فنية ناجحة وعدم وجود إدارة تسويق ناجحة للشركة كذلك أو أن الشركة تباطأت في العمل بعد حصولها على الترخيص اللازم لممارسة نشاط التأمين ولم تستطع جذب زبائن لها وأدى ذلك إلى استهلاكها المستمر لرأس مالها.
والسبب الذي أراه مؤثرا في تحقيق مثل هذه الخسائر أيضاً هو عمليات التحايل التي تتعرض لها الشركة من بعض عملائها مما يجعلها تتكبد دفع تعويضات كبيرة وهذا السبب له تأثير بالغ لاسيما مع نقص خبرة شركة التأمين في اختيار عملائها الملائمين وكذلك نقص خبرتها في التعامل مع قضايا التحايل في التأمين وعدم وجود إدارة لها فاعلة في هذا المجال.
أكاديمي وباحث متخصص في التأمين