شركات السيارات كيف تواجه ارتفاع أسعار الوقود عالمياً؟
الارتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار النفط في العالم خلال الشهور الماضية عزز من محاولات شركات السيارات لتوفير مركبات مزودة بمحركات تستهلك كمية أقل من الوقود مع خفض معدل انبعاثات الغازات إلى الحدود الدنيا المسموح بها في الأنظمة والقوانين الجديدة.
وأدى ارتفاع أسعار النفط الصاروخي منذ بداية العام الحالي وما قابله من ارتفاع في أسعار معظم السلع والخدمات إلى تسخير جهود جبارة من أجل توفير مصادر طاقة بديلة للسيارات على الرغم من أن هذه المحاولات كانت موجودة عند كثير من الصانعين وبعضهم بدأ بتطبيقها عملياً في بعض طرازاته.
وخلال معارض السيارات العالمية التي أقيمت منذ بداية العام وخصوصا معرضي ديترويت وجنيف لوحظ حجم العمل الذي تقوم به شركات السيارات التي عرضت مجموعة كبيرة من سياراتها التي تعمل بأنظمة الطاقة المتعددة، حتى إن مجموعات أميركية اشتهرت بسياراتها الضخمة التي تستهلك الوقود بشراهة عرضت سيارات تعمل بالتقنية الهجينة، وأبرزها مجموعة جنرال موتورز التي قدمت سيارة مخصصة للإنتاج التجاري من تاهو حملت تسمية (تاهو هايبرد)، الذي ينخفض معدل استهلاكه للوقود بمعدل 25 في المائة مقارنة بالطراز العادي من نفس السيارة.
وتهدف مجموعات السيارات الأمريكية إلى رفع حجم إنتاجها من السيارات الهجينة خلال السنوات المقبلة مع اعتماد الوقود الحيوي الذي زادت نسبة استخدامه في كثير من الطرازات المنتجة حالياً، على الرغم من المطالبات الأخيرة بضرورة عدم استخراجه من المواد الغذائية الرئيسة التي ارتفع أسعارها بشكل جنوني خلال الشهور الماضية بسبب الطلب عليها من قبل مصنعي الوقود الحيوي.
وتؤكد بعض الشركات التقنية قدرتها على إنتاج هذا الوقود من مواد مستهلكة غير ذات قيمة، ومنها على سبيل المثال شركة أميركية تسهم جنرال موتورز في رأسمالها تدعى (كوسكاتا)، وهذه الشركة تدعي القدرة على إنتاج وقود حيوي بتكلفة لا تتجاوز الدولار للبرميل الواحد. وتقول الشركة الأميركية إن باستطاعتها إنتاج (الإيثانول) من المخلفات الزراعية والصناعية والزيوت، إضافة إلى النفايات عبر تقنيات متطورة، وهو ما يسمح لها - كما تقول - إن تنتج 50 إلى 100 مليون برميل بحلول عام 2011.
وإذا كانت طموحات هذه الشركات كبيرة لجهة كميات إنتاج هذه الأنواع من الوقود، إلا أن العديد من الشركات نجحت عبر ابتكاراتها الخاصة من توسيع مبيعاتها بشكل لافت خلال السنوات الماضية، ومجموعة تويوتا اليابانية أكبر مثال على ذلك، حيث تقدم مجموعة كبيرة من طرازاتها تعمل بالتقنية الهجينة، حتى إن مبيعات طراز بريوس وكامري الهجينة تواصل تقدمها في الأسواق الأمريكية، واللافت أن حجم الطلب على هذه السيارات يزيد على حجم المعروض، وهو ما يجعل أسعار هذه السيارات مرتفعة حتى عند إعادة بيعها.
ولم تكتف تويوتا بتقديم سياراتها العادية بنسخ هجينة، بل طورت بعض طرازات فرعها المترف لكزس عبر طرح طرازي أر إكس الذي ينتمي إلى فئة سيارات (إس يو في) وطراز إل إس 600 أتش الذي بدأت مبيعاته تتقدم في بعض دول العالم.
وفيما يركز الصانعون الأمريكيون واليابانيون على السيارات ذات الطاقة الهجينة نجد أن الصانعين في أوروبا يطورون تقنيات جديدة للمحركات التقليدية تسهم بشكل كبير في خفض نسبة استهلاك الوقود، ويبرز ذلك من خلال اعتماد أنظمة بخ متطورة وأنظمة خاصة بالتحكم في توقيت عمل الصمامات وزاوية فتحها، كما يتم ابتكار محركات تعمل دون كامات تقليدية وهو ما يساعد على خفض نسبة استهلاك الوقود بنسبة تزيد على 30 في المائة في بعض الأحوال حسب بعض الصانعين.
ويبدو أن التأثير المادي لارتفاع أسعار الطاقة في العالم قد أدى إلى إحداث تأثير نفسي في المستهلكين في مختلف أنحاء العالم، ففي الولايات المتحدة باتت رؤية سيارة تعمل بوقود الديزل أكثر سهولة من السابق مع ارتفاع حجم مبيعات هذه الفئة هناك من 7 في المائة قبل عامين إلى ما يزيد على 30 في المائة مع نهاية هذا العام، حسب التوقعات.
وفيما يتعلق بالوقود الحيوي فإن بعض شركات السيارات تعمل على رفع حجم إنتاجها من السيارات العاملة بهذا الوقود، ومنها مثلاً شركة ساب السويدية التي طرحت طرازات تعمل بهذه التقنية منذ ما يقرب العامين.
الجدير ذكره أن الوقود الحيوي بدأ يثير جدلاً واسعاً في أوساط الساسة والاقتصاديين في العالم مع الاستخدام المكثف للمحاصيل الزراعية في إنتاجه، وهو ما يعمل على رفع أسعار السلع والمحاصيل بشكل كبير. وقد أقرت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي لم يكن يتوقع أن تسهم السياسة التي يتبعها في تخصيص ما نسبته 10 في المائة من وقود السيارات لذلك المستخرج من النباتات بهذه المشكلات التي تمثلت في زيادة الطلب على المحاصيل الزراعية المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي، وهو ما رفع من أسعارها بشكل كبير خلال فترة قصيرة، وأثر بالتالي في الأمن الغذائي العالمي.
وتعهد الاتحاد الأوروبي بأن يعمل خلال الفترة المقبلة على اعتماد سياسات جديدة للتعامل مع قضية الوقود الحيوي من أجل خفض أسعار المحاصيل وخفض الانبعاثات الضارة معاً.
ومن الحلول المبسطة التي يعمد إليها صانعو السيارات في العالم العمل على خفض أوزان المركبات التي ينتجونها، إذ من المعلوم أن انخفاض وزن السيارة ينعكس انخفاضاً في استهلاك الوقود، ولذلك يبرز استخدام أنواع جديدة من الفولاذ خفيف الوزن عالي الصلابة، وكذلك زيادة استخدام الألمنيوم عند بعض صانعي السيارات مثل جاكوار واودي.
أخيراً، وفي ظل الظروف الراهنة، ومع ارتفاع أسعار النفط بشكل صاروخي يتوجب على صانعي السيارات في العالم العمل على تطوير سيارات اقتصادية ذات استهلاك متدن للوقود مع التركيز على خفض الانبعاثات الضارة، حيث إن مسيرة النمو الاقتصادي العالمي على المحك، وستكون صناعة السيارات من أكبر المتضررين في حال أصاب الركود أكبر اقتصادات العالم في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث النسبة الأهم من الإنتاج العالمي تسوق في مناطقها.