المصرفية الإسلامية.. وأزمة الحوار

المصرفية الإسلامية.. وأزمة الحوار

E-mail: [email protected]

المصرفية الإسلامية اليوم تعد واحدة من أهم المتغيرات التي أخذت مساحة واسعة في الأوساط الاقتصادية والمالية مطلع هذا القرن، فرغم أن لها ما يزيد على 40 عاما إلا أنها اليوم تتمتع باهتمام كبير لدى المختصين والمهتمين بالمصرفية حول العالم، حيث حقق هذا القطاع أصولا تصل إلى 500 مليار دولار، ونموا ربما يتجاوز 15 في المائة سنويا، وأصبحت كبريات الشركات في القطاع المصرفي والمالي تهتم كثيرا بالمصرفية الإسلامية, حيث إن لديها فروعا ومنافذ وأدوات ومنتجات كلها تعرضها على أساس أنها متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وذلك بهدف إرضاء شريحة كبيرة من عملائها الذين يفضلون, بل قد لا يقبلون, إلا بهذه الحلول بدلا من المنتجات والأدوات التقليدية.
بطبيعة الحال إن مثل هذا الاهتمام أسهم بشكل كبير في الاهتمام بالدراسات والبحوث والآراء التي تتعلق بالمصرفية الإسلامية, ولذلك نجد أنه وبشكل دوري تعقد المؤتمرات والندوات والمحاضرات وورش العمل لتناول هذه القضية وعرض المستجدات فيها، وهذه الأنشطة أصبحت تقام على مستوى عريض وفي كثير من الدول الإسلامية وغير الإسلامية.
هذا الاهتمام الكبير بهذه الصناعة اصطدم بعدد من العقبات، لعل من أهمها الخلاف الكبير بين العلماء فيما يتعلق بالمعاملات التي تطرحها المؤسسات المالية على أساس أنها متوافقة مع الشريعة، حيث إننا نجد أن كثيرا من الباحثين والعلماء لا يقبل تماما بالنماذج الموجودة للمصرفية الإسلامية، في حين أننا نجد في الطرف الآخر من يقول إن أخذ الفائدة من البنوك التي تتعامل بالفائدة غير محرم, ويرى أن هذه الفائدة في الأصل ليست بربا, وبالتالي يجوز التعامل بها وليس هناك داع لإيجاد نماذج من المصارف لا تتعامل بالفائدة كما هي في المصارف التقليدية ما دام التعامل بها جائز.
ومن خلال وجهة نظر متواضعة نجد أن كلا طرفي قصد الأمور ذميم، ولا أظن أن مثل هذه الآراء قد تقف سدا في طريق المصرفية الإسلامية اليوم في ظل أن معظم من العلماء على خلاف هذين الرأيين.
ولكن يبقى أنه في أوساط العلماء والباحثين في المصرفية الإسلامية خلاف كبير فيما يتعلق بالأدوات الموجودة اليوم، التي من الممكن أن نقول إنها تأخذ نصيب الأسد من حجم المعاملات اليومية للمصارف، وذلك مثل الخلاف الكبير بين العلماء في التورق المصرفي، والصكوك التي تنبني على عقد الإجارة، وبعض أشكال البطاقات الائتمانية وغيرها من المعاملات، وهذه تأخذ نصيبا كبيرا من حجم التعاملات المالية المتوافقة مع الشريعة، وهذا الخلاف الكبير بين العلماء جعل كثيرا من المؤسسات المالية والاستشارية تقف كالمراقب وتخشى من الدخول في هذا القطاع لهذا السبب، ومن خلال بعض اللقاءات بممثلين من بعض المؤسسات المالية والاستشارية نجد أنه كثيرا ما يرد هذا التساؤل، مع العلم أن تلك المؤسسات لا ترى إشكالا في التعامل بأي شكل من أشكال المعاملات والأدوات ما دام يحقق لها عائدا مجزيا، ولكن ترغب في الوصول إلى منتجات متفق عليها في الغالب بين العلماء لأنها ستضخ كثيرا من الأموال للعمل بهذا المنتج وتطويره وتخشى أنها في أي يوم ستطالب بإيقافه نظرا لتغير وجهة نظر العلماء فيه.
كما نعلم أن الفقه الإسلامي لا يقبل بالحجر على أي عالم كفء لإبداء رأيه بناء على الأصول المعتبرة في الشريعة الإسلامية، وهذا كان له الأثر الكبير في إثراء المكتبة الإسلامية، والاهتمام الكبير الذي يشهده هذا العلم من قبل علماء المسلمين، ولكن يبقى أنه بالإمكان أن تكون هناك اجتماعات بين علماء الشريعة المهتمين بهذا القطاع على طاولة واحدة ليبدي كل عالم رأيه والأدلة التي بني عليها هذا الرأي ويجيب عن تساؤلات غيره من المختصين، وذلك للوصول إلى قواسم مشتركة ومعايير متفق عليها بين هؤلاء العلماء، ونحن لا ننكر الجهود التي تقوم بها المجامع الفقهية، والمجلات العلمية المحكمة، وجهود عدد من المؤسسات لاستخراج معايير لهذه الصناعة، إلا أننا نجد أنه ما زالت هناك حواجز بين الآراء المتقابلة، وهذا ربما يتسبب في تعثر نمو هذا القطاع.

متخصص في التمويل الإسلامي
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

الأكثر قراءة