حفل الزواج الجماعي خطوة على درب العفاف والإحصان

حفل الزواج الجماعي خطوة على درب العفاف والإحصان

[email protected]

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فلا يخفى أن الزواج من سنن المرسلين، وأن الرغبة فيه فطرة فطر الله عليها الناس أجمعين، لما فيه من الحكم العظيمة والمصالح العديدة، قال الله تعالى: (ومِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَ لكم مِنْ أنفسِكم أزواجاً لتسكُنُوا إليها وجَعَلَ بينكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون( [الروم: 21]، وقال الله جلَّ شأنه حاثاً على تكثير الزواج في الأمة: (وأَنْكِحُوا الأيَامَى منكم والصالحين مِنْ عبادِكم وإمائِكم إنْ يكونوا فُقَرَاءَ يُغْنِهُم الله مِنْ فَضْلِهِ والله واسعٌ عليم(
[النور: 32].
المبادرة إلى الزواج هي وصية المصطفى، صلى الله عليه وسلم، للشباب من الذكور والإناث، فقد قال، عليه الصلاة والسلام: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج .." الحديث رواه البخاري ومسلم.
وقد جاءت النصوص مرغبةً في السعي إلى تذليل العقبات التي تعترض الراغبين في الزواج، التي من أبرزها غلاء المهور وتوابعها، فنبهت الشريعة إلى أن أهم ما ينبغي أن يلتفت إليه فيمن أراد الزواج هو خُلُقه ودينه.
ومن أدلة ذلك قوله، عليه الصلاة والسلام: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي وابن ماجة، وغيرهما، وحسنه العلامة الألباني ـ رحمه الله.
والفتنة والفساد اللذان يترتبان على رد الخاطب مع كونه مرضياً في دينه وخلقه يكونان من جهة أن الناس إذا تطلعوا لغيرهما من المقاييس كالجاه والمال أو غيرهما فإن كثيراً من النساء والرجال سيبقون بلا زواج أو يتأخر زواجهم، وهذا إيذان بتعرضهم للفتن التي لا يمكنهم التوقي من كثير منها؛ بداعي الغريزة التي في نفوس البشر، وهذا يستتبع أنواعاً أخرى من الفتنة والفساد على الأسرة والمجتمع وعموم الأمة، علاوة على ما يلحق الشباب والفتيات من الأذى النفسي جراء ذلك.
وكذلك عند اختيار المرأة ينبغي أن يكون المطلوب في أول درجة هو ما عندها من الدين والاستقامة عليه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك".
وقد أنكر المصطفى، صلى الله عليه وسلم، على أحد الشباب في زمانه مغالاته في مهره مع أنه كان قليلاً بمقاييسنا اليوم، يوضح هذا ما ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: "هل نظرت إليها؛ فإن في عيون الأنصار شيئاً"! قال: قد نظرت إليها، قال: "على كم تزوجتها؟" قال: على أربع أواق، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: "على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عُرْض هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه. قال: فبعث بعثاً إلى بني عبس، فبعث ذلك الرجل فيهم.
وبالجملة فإن الشريعة قد جاءت مرغبة في الزواج وتيسير أموره، ولك أن تعلم كم كان صداق سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، لتدرك كم من المخالفة عند الناس اليوم والمبالغة الشديدة، ففي صحيح مسلم قالت عائشة أم المؤمنين: كان صداقه، صلى الله عليه وسلم، لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشَّاً. قالت للذي سألها: أتدري ما النش؟ قال: لا. قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه. وبنحو هذا القدر كان مهر بناته، عليه الصلاة والسلام.
وقد أحصى بعض الباحثين هذا القدر بمتوسط سعر الصرف في أيامنا هذه فوجده يبلغ 896 ريالاً سعودياً تقريباً، فمن دعته نفسه للمفاخرة بالمهور وذهب يزيد على مهر أفضل النساء أمهات المؤمنين وبنات رسول رب العالمين فإنما ذلك لما عنده من الخطأ أو الجهل.
في هذا السياق فإن مما يذكر ويشكر مشاريع الزواج الجماعي التي درج عدد من الفضلاء والوجهاء على ترتيبها وتشجيعها، فإنها خطوة مشكورة على طريق نشر الفضيلة وتعزيز جانبها في المجتمع، لما يتحقق من خلالها من تكثير الزواج في المجتمع وإعفاف شبابه وفتياته مع تقليل التكاليف.
آخر ذلك الزواج الجماعي الذي رعاه أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز مساء الثلاثاء 20/6/1429هـ في حفل الزواج الجماعي الأول، الذي يقيمه مشروع ابن باز الخيري لمساعدة الشباب على الزواج في مدينة الرياض، حيث شهد زفاف 1636 شابا وفتاة في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض.
وحتى يزداد الإقبال على هذه الحفلات، فإني أقترح أن يكون من جملة من يتم زواجهم بعض أبناء الوجهاء كأبناء بعض الأمراء وأبناء العلماء ورجال الأعمال وكبار المسؤولين، فإن حضورهم تشريف لهذه الحفلات وتعزيز لنفسيات المشاركين فيها.
ولا ريب أن المقصود من إعلان النكاح متحقق بذلك الحفل الكريم، الذي يتقدمه وجهاء المجتمع من الأمراء النبلاء والعلماء الفضلاء وغيرهم من كرام الناس وفضلائهم، كما أنه يحقق الاقتصاد في النفقات التي ترهق كواهل الشباب وأهليهم، ذلك أن نفقات الزواج الباهظة والمبالغ فيها تتسبب في تأخر زواج الشباب والفتيات، وترهقهم بتحمل الديون والسعي في سدادها بما يؤثر في المستقبل على معيشة الزوجين وحياتهم النفسية والزوجية.
وبالنظر إلى المصالح العديدة والمقاصد الشريفة من وراء الزواج الجماعي فإن من الجدير بأهل الحل والعقد وأصحاب الوجاهة والرأي أن يُرَغِّبوا فيه ويشجعوه ويدعموه، خاصة الأغنياء ورجال الأعمال، ينبغي أن يكون لهم حضورهم في هذه الزيجات حضوراً مادياً ومعنوياً.
من خلال هذه الأسطر فإني أتوجه بدعوة للنبلاء من تجار هذه البلدة الطيبة والأغنياء منهم لأن يكون لهم إسهامهم في تكوين الأسر المسلمة الناشئة ودعمها، فكم هو جميلٌ أن يسمع الحضور وغيرهم من الناس أن رجل أعمال فاضل أعلن تبرعه لكل عروسين من المتزوجين في الزواج الجماعي بمبلغ محدد من المال ولو كان قليلاً، أو أن يعلن تبرعه بشيء من الأجهزة والمعدات والأثاث لكل عروسين في تلك الليلة، أو بما ييسره الله.
إن هذا الإعلان مما يحبه الله ويرضاه، وهو في هذا المقام خير وأفضل وأعظم أجراً من التبرع في السر، لأنه يشجع ويفتح الباب لمن أراد أن يسهم من الآخرين، وإني لعلى أمل كبير في تحقق شيء من ذلك، لما أعلمه عن كثير من رجال الأعمال والتجار في هذه البلاد المباركة من حب للخير والإحسان.
أسأل الله التوفيق لي ولعموم إخواني المسلمين، إنه سبحانه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأكثر قراءة