"صنع في آسيا" .. ميزة وعيب لمنتجي سلع راقية

"صنع في آسيا" .. ميزة وعيب لمنتجي سلع راقية

قبل سنوات حين افتتحت أول متاجر لأرماني في الصين دخل عميل غاضب يلوح مهددا بقميصين من القطن من إنتاج أرماني. وأراد العميل أن يعرف لماذا يحمل أحدهما وهو القميص الذي اشتراه من المتجر علامة "صنع في الصين" في حين يحمل الثاني الأرخص ثمنا علامة "صنع في إيطاليا". وكان القميص الثاني غير أصلي وكذلك زعم "صنع في إيطاليا" لأن قمصان أرماني القطنية لم تعد تنتج هناك. وهذه الأيام لا يزال هواة أحدث صيحات الأزياء في حيرة بشأن ما هو أصلي وما هو غير أصلي وما إذا كان اسم البلد الذي صنع فيه المنتج مؤشرا للجودة. وحتى علامة "صنع في إيطاليا" لم تعد ضمانا بأن حقيبة أو زوجا من الأحذية صنع بأيدي صناع مهرة في ورشة في منطقة توسكانيا. عوضا عن ذلك ربما تكون عمالة غير قانونية قامت بخياطة الحقيبة في مصنع إيطالي سري وربما جمع الحذاء من نعال من البلاستيك وجلود مستوردة من الصين. ويزال التصنيع في آسيا من المحظورات في قطاع السلع الباهظة الذي يعد الصورة أهم شيء.
وفي مواجهة مخاوف العملاء بشأن جودة المنتج والمعايير البيئية وظروف العمل في آسيا يقسم بعض منتجي السلع الباهظة الفخمة في أوروبا بأن تبقى مصانعهم قريبة من أوطانهم. لكن البعض اتخذ موقفا هجوميا ويرى أن أماكن الإنتاج الجديدة يمكنها بالفعل أن تعزز الجودة والابتكار.
ويقول جون هوكس نائب العضو المنتدب في جورجيو أرماني "في النهاية نحن نتحدث عن الإدراك. ليس هناك سبب يمنع إنتاج سلع جيدة في أي مكان في العالم طالما هناك صناع مهرة واهتمام بالجودة". وهوكس متحمس للفرص التي تتيحها قاعدة إنتاج عالمية.
ويقول إن تكلفة العمالة الأقل في آسيا تسمح للمصممين بزيادة ما ينفقونه على أقمشة غالية وأساليب إجادة أكثر مما يفعلون في أوروبا لذا فان المنتج النهائي يكون أكثر اتقانا مما ينتج في دول ترتفع فيها الأجور.
وأضاف لـ "رويترز" إذا استحوذت علينا فكرة صنع في ايطاليا وصنع في فرنسا فإن أحد الآثار السلبية لذلك تقليص كل ما نحصل عليه لنكتفي بالضروريات. نصل لمرحلة لا يمكننا فيها التمسك بهذا الإجلال التقليدي لعبارة "صنع في إيطاليا" دون أن تنتج سلعا باهظة جدا.
كما أشار إلى أن الإنتاج في آسيا أو إفريقيا إذا وضع في إطاره الصحيح يكون ميزة وضرب مثالا على ذلك أن أرماني تدرس إنتاج سلع معينة في بعض الدول في إفريقيا في إطار حملة لتمويل علاج مرضى الإيدز. وفي ضوء تراثها الحضاري الغني وتاريخها الطويل في إنتاج الحرير والمنسوجات المطرزة ينبغي أن تكون الصين والهند ودول آسيوية أخرى مؤهلة من الناحية النظرية لإنتاج أقمشة وإكسسوارات غالية.
واليابان على سبيل المثال تتفوق على أوروبا كمنتج لإكسسوارات وأقمشة معينة. وتمتلك شركة لوكسوتيكا لصناعة النظارات التي تنتج نظارات برادا وشانيل الشمسية مصنعا في اليابان ينتج حصريا نظارات شمسية من الذهب للسوق اليابانية التي تهتم كثيرا بالانتقاء. غير أن كثيرين من العملاء لا يريدون اكتشاف علامة "صنع في الصين" على فستان سعره ألف دولار.
ويهتم المشترون في آسيا بصفة خاصة بمصدر السلعة لأن السلع الفخمة المصنعة في فرنسا أو إيطاليا رمز مهم للمكانة في المنطقة التي تحقق لها الثراء في الآونة الأخيرة. وبدأت مواقف المشترين في آسيا تكتسب أهمية أكبر مع تباطؤ النمو في أسواق أكثر نضجا.
ويقول باتريسيو دي ماركو الرئيس والمدير التنفيذي لـ "بوتيجا فينيتا" على هامش مؤتمر للسلع الراقية في طوكيو "في آسيا لا يمكنك أن تقدم سلعا مصنوعة في الصين أو مصنوعة في آسيا لقطاع معين". ويضيف "إنهم مدركون تماما لمكان صنع المنتج وسواء صنع في إيطاليا أو صنع في فرنسا". ويقول خبراء الصناعة إن القلق بشأن مصدر السلع يختلف كثيرا بين الدول وإن العملاء في الولايات المتحدة على سبيل المثال أكثر تسامحا مع الملابس المصنوعة في آسيا. وكلما ارتفع سعر المنتج كان العميل أكثر انتقاء. وتباع حقائب "بوتيجا فينيتا" الجلدية بنحو 200 ألف ين (1857 دولارا) في طوكيو وهي تصنع يدويا في شمال إيطاليا. وتباع سلع "أرماني" باهظة جدا تحت العلامة التجارية جيورجيو أرماني وتصنع فقط في إيطاليا. وحين يتعلق الأمر بعلامات تجارية لتصميمات أقل سعرا ربما يقل انحياز المستهلكين عما يعتقده بعض المنتجين. ففي متجر خلف متجر "بوتيجا فينيتا" في وسط طوكيو تجرب بضع نساء أثوابا حريرية من تصميم ديان فون فورستنبرج ويبلغ سعر الثوب الواحد نحو 60 ألف ين (557 دولارا). ولا يبدو أن أيا منهن تبالي بعلامة صنع في الصين الموجودة على الفستان. كما أن العملاء أكثر إدراكا لأن عملية الإنتاج أكثر تعقيدا مما تشير إليه العلامة البيضاء الصغيرة. وتقع بلدة براتو الإيطالية التي ترجع للعصور الوسطي في منطقة توسكانيا وهي قلب صناعة الأزياء في أوروبا ووسط جبال توسكانيا يتزاحم صناع مهرة يحصلون على أجور مرتفعة وعمالة مهاجرة منخفضة الأجر وباعة حقائب يد غير أصلية. ففي عام 2007 صادرت شرطة الضرائب أكثر من ثمانية ملايين منتج غير أصلي مصنع في آسيا أو مصانع سرية في إيطاليا. ولم يقتصر الأمر على ذلك. ففي شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي أذاعت محطة رأي تري التلفزيونية الايطالية فيلما وثائقيا عن مصانع متعاقدة من الباطن مع بعض بيوت الأزياء الكبرى وعرضت صورا لمصانع في منطقة توسكانيا حيث ينام ويأكل عمال صينيون ويخيطون ملابس وحقائب بأجور زهيدة. ويقول منتجو السلع الباهظة إنهم يتفقدون مصانع مورديهم بشكل دوري ويقطعون العلاقات مع أي مورد ينتهك قوانين العمل. غير أن متابعة الموردين ليس بالأمر الهين دائما.
وقال الكابتن إدواردو مارزوتشي من شرطة الضرائب في براتو لـ "رويترز" "سلسلة التوريدات طويلة وغالبا لا يعرف المقر الرئيسي من ينتج فعليا جزءا صغيرا من المنتج نظرا لأنه لا تربطه أي علاقة بالمصنع الأخير على القائمة".

الأكثر قراءة