الخطاب الملكي.. لا يصح إلا الصحيح
جاء العالم المستهلك للطاقة دولا ومنظمات ليجاور تحت سقف واحد في مدينة جدة السعودية، العالم المنتج لها بدعوة مبادرة وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, للاجتماع معا بهدف البحث فيما تشهده سوق النفط من ارتفاع في الأسعار وأزمة في التسويق.
كان الجميع أمس في حضرة القائد المضيف صاحب الدعوة بالأساس، وكانوا بكل تأكيد معنيين بالدرجة الأولى بما سيقوله هذا العاهل الذي ما عهدوه إلا ناشدا الحكمة والسداد ميالا للإنصاف والعدل والاتزان في معالجة شؤون السياسة الدولية وما قد يعترضها من إشكالات اقتصادية أو أمنية أو إنسانية أو بيئية، وهذا ما أكدته الكلمات الأولى لكلمة خادم الحرمين, وقد حرص فيها على الإشارة إلى ذلك البعد التاريخي الذي سارت عليه سياسة السعودية النفطية، وتوضيحه أن هذه الدعوة لم تأت من فراغ ولم تنبع من العدم فقد كانت قائمة منذ قيام منظمة "أوبك" على تبني سعر عادل للبترول لا يضير المنتجين ولا المستهلكين, وأنها كانت حريصة على مصالح العالم كله قدر حرصها على مصالحها الوطنية.
هذا الاستهلال كان بمثابة تأكيد من خادم الحرمين على أن ما قد كان هو كائن وسيظل كذلك منهجا للبلاد في إدارتها لموارد الطاقة ولعلاقاتها بين الأمم أيضا، ما يعني تعميقا للثقة والطمأنينة من قبل القيادة السعودية للعالم وحرصا منها في الوقت نفسه على دعم دائم للإسهام في استقرار الاقتصاد العالمي والعمل على تجنيب الطاقة المخاطر من أي مصدر كان.
من هذا المنطلق.. وقف خادم الحرمين بصراحته المعهودة ليضع الجميع أمام مسؤولية ما حدث ويحدث من لغط وتجن إزاء دول "أوبك" في تحميلها مغبة ارتفاع غير مبرر لأسعار البترول والإعراض عن مواجهة الأسباب الحقيقية لذلك، مثل: عبث المضاربين في السوق في سبيل مصالح أنانية، زيادة الاستهلاك في الاقتصادات الصناعية، الضرائب المتزايدة على البترول مع أن "أوبك" لم تصدر قرارا بالتسعير منذ عقود طويلة وظلت تلبي الاحتياجات المتزايدة.. لذلك لم يتردد خادم الحرمين عن تحميل المشاركين مسؤولية كشف اللثام عن وجه الحقيقة واستبعاد الأقاويل والشائعات المغرضة والوصول إلى الأسباب الحقيقية بوضوح وشفافية وعرض النتائج على شعوب الدنيا لكيلا يؤخذ البريء بجريرة المسيء وبحيث لا يصح إلا الصحيح.
من ناحية أخرى.. عبّر خادم الحرمين الشريفين في هذا الملتقى عن مواقف السعودية المشرفة في صيانة التنمية العالمية في إشارة مكثفة إلى دور الطاقة السعودية، حيث إن السعودية قامت ولا تزال بتخصيص جزء كبير من دخلها للمساعدات التنموية, كما أنها قامت خلال الأشهر الماضية برفع إنتاجها إلى تسعة ملايين و700 ألف برميل لتلبية الاحتياجات مع استعدادات لتلبية احتياجات إضافية، بل أكثر من هذا فقد دعا إلى إطلاق مبادرة (الطاقة من أجل الفقراء) كبرنامج لتمكين الدول النامية من مواجهة تكاليف الطاقة المتزايدة وأن يتولى البنك الدولي تنظيم اجتماع للدول المانحة، وأبدى استعداد السعودية للمساهمة فيه، كما دعا المجلس الوزاري لصندوق "أوبك" للتنمية الدولية, إلى إقرار برنامج آخر بمليار دولار أمريكي للسعودية إسهامها فيه أيضا، إضافة إلى إعلانه تخصيص مبلغ 500 مليون دولار أمريكي لقروض ميسرة عن طريق الصندوق السعودي للتنمية لتمويل مشاريع للدول النامية تساعدها على الحصول على الطاقة وتمويل مشاريعها الأخرى.
ولكي تنتهي مهمة هذا المؤتمر إلى أعمال إجرائية وإنجازات ملموسة، طلب خادم الحرمين تكوين مجموعة عمل من الدول والمنظمات التي شاركت فيه تحت مظلة الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي لمتابعة التوصيات التي ستصدر عن هذا الاجتماع وتنفيذها ومراقبة التطورات في سوق البترول, مؤكدا استعداد السعودية لدعم مجموعته هذه بجميع الإمكانات البشرية والمادية.
لقد كانت كلمة خادم الحرمين أمام مؤتمر الطاقة في جدة شفافة في مستوياتها المحلية، الإقليمية والدولية، سواء في الإشارة إلى ذلك الرصيد السياسي الاقتصادي للطاقة النفطية السعودية التي كانت دائما محل الإحساس بالمسؤولية تجاه هذا المورد والاحتياج العالمي لاستهلاكه وكيف أقامت السعودية روابطها مع الدول على التوازن والاحترام المتبادل ورعاية المصالح المشتركة انطلاقا من موقفها السيادي ومن خلال حركتها ضمن مجموعة دول "أوبك".
كما أن هذا السداد في التعامل مع هذا المورد الاستراتيجي كان أيضا يقف خلف حرص السعودية على عدم تعريض طرفي المعادلة من منتجين ومستهلكين لأضرار ناجمة عن المغالاة في الأسعار أو الشح في الإنتاج، مثلما أن السعودية في الوقت نفسه، ومن منطلق إنساني يستلهم روح الإسلام ظلت تخصص جزءا من عوائد هذه الطاقة مساعدات للدول النامية أو الفقيرة أو تلك التي تحيق بها كوارث من أي نوع كان. وسجل السعودية ناصع باهر مشرق في هذا المجال وتؤكده هذه اللفتة الإنسانية الرائعة من خادم الحرمين الداعية إلى مبادرة (الطاقة من أجل الفقراء)، و(برنامج صندوق أوبك للتنمية) وكذلك (تخصيص 500 دولار أمريكي قروض ميسرة للدول النامية) ما يجعل المراقب المغرض فما بالنا بالمحايد غير قادر على أن يجد سبيله للنيل من المواقف الشاهقة للسعودية وقيادتها في وقوفها إلى جانب الخير والعدل والسلام.