دراسة: علاقة المتصل بالجمهور في الإعلام السعودي "ضعيفة"!

دراسة: علاقة المتصل بالجمهور في الإعلام السعودي "ضعيفة"!

كشفت دراسة إعلامية أن العلاقة الوظيفية بين القائم بالاتصال بوسائل الإعلام السعودية المحلية والجمهور السعودي "ضعيفةٌ"، وغير متوافقة، وأن القائم بالاتصال قد لا يسعى إلى دعم تصوراته عن الجمهور وحاجاتهم بصورة موضوعية تفيد من القنوات الاتصالية المتاحة بصورة فاعلة.
وجاء في الدراسة التي أعدها محمد بن سليمان الصبيحي كرسالة للدكتوراه ونوقشت أخيراً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن القائم بالاتصال يعتمد في تحديد الوظائف الإعلامية على مصادر ذات مصالح قد تتعارض مع حاجات الجمهور، أو تفتقد الموضوعية والواقعية في تفسير حاجاتهم.
وذكرت الدراسة أن "السياسة الإعلامية للوسيلة التي يعمل فيها القائم بالاتصال قد تفرض عليه وظائف إعلاميةً لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الجمهور، وهذا يعني وجود خلل وظيفي في الأداء الإعلامي بين أهم عنصرين في العملية الاتصالية، وهو ما يعني تراجع قيمة التعبير عن مشكلات الجمهور، ودوافعه، وحاجاته لدى القائم بالاتصال، وإعلاء قيمة المضامين التسويقية، وانشغال القائم بالاتصال بتحسين أوضاعه المادية والمهنية، وهو مبررٌ لوجود خلل وظيفي في العلاقة الوظيفية بين القائم بالاتصال والجمهور، وتراجع إسهام وسائل الإعلام المحلية في عملية التنمية التي هي في الأساس تشخيصٌ لمشكلات الجمهور، لحفزه على المشاركة في حلها".
وكان موضوع خلق التوازن بين البيئة المحلية وبين النظرية البنائية الوظيفية في العلاقة بين القائم بالاتصال والجمهور في وسائل الإعلام السعودية المحلية قد شكل الخيط الرفيع في الدراسة التي أعدها الصبيحي كرسالة للدكتوراة ومنحت شهادة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى. وهدفت الدراسة إلى التعرف على مدى سعي القائم بالاتصال لتأسيس علاقة وظيفية مع الجمهور سعيا لتقديم أداء إعلامي يتسق مع معايير الأداء المهني من جهة، ويلبي حاجات الجمهور من جهة أخرى، في ضوء التطورات التي تشهدها البيئة الاتصالية الحديثة في المملكة.
واستندت الدراسة في وصف الظاهرة "محل الدراسة" وتفسير نتائجها، إلى النظرية البنائية الوظيفية بوصفها إطاراً علميا يمد الباحث بالسياق المعرفي الذي يمكن من تفسير نتائج الدراسة في سياقها الطبيعي. وزاوجت الدراسة في معالجتها لموضوعها بين المنهجين الكيفي والكمي لبلورة المفاهيم النظرية المرتبطة بالدراسة من جهة، والمعلومات الميدانية كواقع "تطبيقي" من جهة أخرى.
ففي الجانب الميداني استطلعت "الدراسة" آراء القائمين بالاتصال في 16 وسيلةً إعلاميةً محليةً، مثلتها 438 مفردة، وآراء الجمهور السعودي في مدينة الرياض في عينة قوامها 1020 مفردة، وباستخدام أداة الاستبانة لكل منهما.
وتوصلت الدراسة إلى نتائج نظرية وميدانية عدة، أهمها: في ضوء المراجعة التقويمية للتراكم النظري في الحقل الإعلامي، مثلت النظرية البنائية الوظيفية، بوصفها إطاراً نظرياً تستند إليه الدراسات الاتصالية في تفسير الظاهرة الاتصالية، اتجاهاً بحثياً آخذاً في التصاعد؛ نتيجةً لاتساقه مع مقتضيات العملية الاتصالية، والقوى المؤثرة عليها، والتغيرات التي تشهدها البيئة الاتصالية الحديثة. ويظهر ذلك من خلال الرؤية الجديدة للنظرية البنائية الوظيفية التي تؤكد على البيئة الثقافية للفعل الاجتماعي، الذي يمد الدراسات الاتصالية بالأبعاد المهمة لدراسة الفعل الاتصالي داخل بيئة ثقافية محددة، ويكتشف حركة التفاعل التبادلي بين الثقافة والفعل، باعتبار الأداء والممارسة الاتصالية للأفراد والمؤسسات الإعلامية لا يمكن أن يتم فصلهما بحال عن البيئة الثقافية، وهو ما يعني إعادة تمكين النظرية البنائية الوظيفية برؤية تكاملية، توازن بين مستويات التحليل المختلفة لتحتل مكان الصدارة في الدراسات الاتصالية الحديثة.
وأظهر الاستقراء العلمي للأداء الوظيفي للقائم بالاتصال الحاجة الماسة إلى وجود معايير لقياس فاعليته تمكن من الحفاظ على علاقة وظيفية متوازنة دون أن تخضع للاستقطاب والانحياز للقوى الاجتماعية التي ترتبط بها، وهي: العملاء والمستهلكون، والرأي العام، والملاك، والمصادر، والجهات التنظيمية، والمراقبون، وجماعات الضغط والمصالح، والجمهور، والمؤسسات الاجتماعية. هذه الرؤية تحدد طبيعة الاستقلال المفترض لوسائل الاتصال ومستوى نجاحها من عدمه، فالحفاظ على العملاء كالمعلنين يتطلب وجود نسب توزيع عالية، وهي تنتج عن ثقة الرأي العام بالمحتوى والشكل، الذي ينتج عن علاقة قوية بالمصادر، والالتزام المهني أمام الجهات التنظيمية والمراقبين، بما يمكنها من تقديم خدمات غير ربحية للجمهور، بحيث يزيد معدل أدائها للأدوار الاجتماعية، بما يعود على الملاك بالربح، ويحررهم من الخضوع لجماعات الضغط. ولا شك أن اعتماد مثل هذه المعايير وتطبيقها في بيئة العمل الإعلامي يفضيان إلى التقليل من الاختلالات الوظيفية المتوقعة، ويسهمان في الوقت نفسه في بناء علاقة وظيفية قوية بين أفراد المجتمع ومؤسسات الإعلام.
ويعد التعرض المظهر الوحيد الدال على استهلاك المضمون الاتصالي من قبل الجمهور، وهذا التعرض يتأثر بالفروق الفردية بينهم، ومن ثم ينتج عنه اختلافٌ في طبيعة التأثير الناجم عنه، وهذا التعرض قد يكون مقصوداً أو غير مقصود، وقد يتحول من الاستكشاف إلى الاعتياد ثم الاعتماد؛ ليؤسس علاقةً ما بالوسيلة الاتصالية، حيث تتدخل في هذه العلاقة طبيعة الحدث الاتصالي وأهميته، إضافةً إلى مستوى الخيارات الممنوحة للفرد في تعرضه، والخبرة الذاتية الناجمة عن تجارب التعرض السابقة؛ ما يسفر عن تقديره لأبعاد، مثل: الصدقية، والدقة، وغير ذلك. ففي الوقت الذي يتسم فيه الجمهور بطابع الجماعة فإنه لا يمكن أن ينفصل عن وضعيته كمجموعة من أفراد، كل فرد يحمل ثقافته الذاتية وقناعاته الشخصية، ويتسم بوجود قدر كبير من الفروق الفردية تميزه عن غيره، وهو ما يعني أن الوسيلة الاتصالية صارت مجبرةً على الاتجاه إلى الجمهور كأفراد وجماعات في الوقت ذاته، وفي معرض ممارسة الوظيفة ذاتها، وأداء الرسالة نفسها.
أما العلاقة الوظيفية فتعني تلك العلاقة التي تنشأ بين القائم بالاتصال والجمهور سعياً وراء تحقيق وظيفة محددة متفق عليها بين الطرفين، وتختلف العلاقة الوظيفية عن غيرها من العلاقات التي قد تنشأ بين القائم بالاتصال والجمهور، حيث تركز العلاقة الوظيفية على استهداف كل منهما للوظيفة ذاتها عند إنتاج واستهلاك المضمون الاتصالي. ويرى الباحث أن الأنموذج الذي يمكن أن يفسر العلاقة الوظيفية في صورة تتجلى فيها العلاقة التفاعلية والتبادلية بين القائم بالاتصال والجمهور بشكل واضح هو النموذج الوظيفي، والتشارك في بناء المضمون القائم على المنفعة المتبادلة؛ حيث يشترك الطرفان في تحديد الوظيفة وفي أساليب تطبيقها، فالتنافس الإعلامي الكبير على جذب أكبر عدد من الجمهور زاد من اهتمام القائم بالاتصال بمعرفة الوظائف التي يريدها الجمهور، ليقوم بتلبيتها بما يضمن له زيادة أعداد المتعرضين لرسالته، وهو ما يحقق له عائدات ربحيةً عاليةً بينما يسعى الجمهور إلى انتقاء الرسائل الاتصالية التي تلبي حاجاته، وتحقق الوظائف التي يسعى للحصول عليها، لكن هذه العلاقة التبادلية بين القائم بالاتصال والجمهور ليست بمعزل عن البيئتين الثقافيتين والاجتماعيتين اللتين تتم فيهما الممارسة الاتصالية، ذلك أن قيم المجتمع وثقافته السائدة تقود هذه العلاقة وتوجهها.

الأكثر قراءة