صندوق النقد الدولي يقر بوجود أسباب أخرى لارتفاع أسعار النفط

صندوق النقد الدولي يقر بوجود أسباب أخرى لارتفاع أسعار النفط

قبيل أيام من انعقاد اجتماع وزراء الطاقة للدول المنتجة والمستهلكة للبترول في المملكة العربية السعودية، وبعد تلميحات قوية بقرب بلوغ أسعار النفط الخام حافة الـ 150 دولار للبرميل، ووسط جدل محتدم حول أسباب هذه الارتفاع الجنوني على الرغم من موجة الركود الاقتصادي التي تضرب الولايات المتحدة وبقية الدول الصناعية، وتأكيدات دول الأوبك على كفاية المعروض من النفط، قال صندوق النقد الدولي في بيان صدر له يوم أمس أنه يعتزم دراسة أسباب الطفرة في أسعار النفط بناء على تكليف قمة الدول الصناعية الثمانية التي سوف تعقد في اليابان خلال الفترة 7-9 تموز (يوليو) المقبل، والتي يتوقع أن يكون موضوع ارتفاع الوقود والأزمة الغذائية على رأس جدول أعمالها.
ولاحظ المراقبون أن بيان صندوق النقد الدولي أشار صراحة إلى وجود أسباب أخرى تكمن وراء ارتفاع أسعار النفط، وخاصة المضاربات حيث قال البيان "إن الصندوق سوف ينظر في إمكانية أن تكون المضاربة في الأسواق المالية قد أسهمت بدور في الارتفاعات الحادة التي شهدتها أسعار النفط أخيرا".
وكان المهندس علي بن إبراهيم النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية قد أكد أن دعوة خادم الحرمين الشريفين لعقد اجتماع لوزراء الطاقة للدول المنتجة والمستهلكة (اجتماع جدة للطاقة) وجدت تفاعلا دوليا واسعا، حيث بين أن نحو 35 دولة ستشارك في الاجتماع من خلال رؤساء حكومات ووزراء النفط وكبار المسؤولين، إلى جانب حضور ممثلين عن أكثر من 25 شركة بترولية عالمية، وسبع منظمات دولية من بينها الأمانة العامة لمنتدى الطاقة، ومنظمة "أوبك"، ووكالة الطاقة الدولية، والمفوضية الأوروبية للطاقة وصندوق النقد الدولي. وأضاف النعيمي أن الاجتماع الذي سيعقد يوم الأحد 22 حزيران (يونيو) الجاري سيتناول أوضاع السوق البترولية الحالية، وسيناقش الارتفاع الحالي لأسعار النفط، وسيطرح المشاركين خلال الاجتماع، الحلول المناسبة على المديين القصير والبعيد لمواجهة هذه التحديات. ولفت الوزير النعيمي إلى أن هذا الاجتماع يأتي انطلاقا من حرص السعودية على استقرار السوق النفطية العالمية، وبأمل الخروج بنتائج إيجابية تضمن استقرار الاقتصاد العالمي، وبالذات اقتصادات الدول النامية.
بينما صرح دومينيك ستراوس - كان المدير العام لصندوق النقد الدولي أنه يتوقع أن يكون لموجة الركود الاقتصادي العالمي دور في كبح ارتفاع أسعار النفط التي بلغت مستويات غير مسبوقة. إلا أن أسعار النفط بمقدار خمسة دولارات يوم أمس لم يكن لهذا السبب، بل نتيجة قيام الصين برفع أسعار الوقود محليا مما يتوقع معه انخفاض الطلب المحلي على النفط.
وعلى خلفية هذه التجاذبات، يرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن أسعار النفط وبعد هبوطها إلى ما دون 50 دولارا للبرميل في بدايات شتاء عام 2007، شهدت ارتفاعا قياسيا في نهاية صيف 2007 وصل في النصف الثاني من شهر تشرين الأول (أكتوبر) إلى ما يزيد على تسعين دولارا للبرميل. ثم تتالى هذا الارتفاع على مدار أشهر عام 2008.
ومع تزايد سعر النفط، تأثر المستوى المعيشي للمواطنين سلبا في الدول غير المنتجة للنفط، خاصة في الدول النامية أو الفقيرة، وازدادت تكلفة المواصلات والإنتاج الصناعي في الدول الصناعية، مما قلل هامش الربح للشركات غير النفطية، وحول جزءا غير يسير من عوائد النمو الاقتصادي العالمي للدول المنتجة للنفط. وقد أدى هذا لزيادة القلق على استقرار الاقتصاد العالمي وقدرته على الاستمرار في النمو، إن خرجت الزيادة في أسعار النفط عن السيطرة، وفقد الاقتصاد العالمي قدرته على إنتاج الوظائف والدخل والأرباح فيما تتصاعد أرباح الشركات النفطية في الغرب بشكل خيالي.

والسؤال الذي يطرح نفسه: من المسؤول عن ارتفاع الأسعار؟
حول هذا الموضوع يعلق الخبير الاقتصادي إبراهيم علوش بأن الدول الأعضاء في (أوبك) لا يصلها إلا 13.38 في المائة في أحسن الحالات من السعر النهائي للبنزين في الدول المستوردة للنفط، أما الباقي فيذهب لغير الدول المنتجة للنفط، ومكاسب تجنيها مصانع التكرير (في دول الغرب غالبا) وشركات النقل وتجار الجملة والتجزئة، أي أن معظم الزيادة في سعر البنزين مثلا تذهب لغير الدول المنتجة للنفط.
وتجد الكتاب ومراكز الدراسات والأبحاث في الدول الغربية يفسرون ارتفاع سعر النفط على المدى الطويل بالبنية الاحتكارية للسوق (أي بوجود أوبك)، ويفسرون تذبذبات المدى القصير بالعوامل العرضية الطبيعية أو السياسية، مثل الأعاصير التي تضرب السواحل في مناطق إنتاج النفط، أو ارتفاع درجة الحرارة نسبيا في شتاء عام 2007، ما قلل الطلب على النفط وبالتالي قلل من سعره، أو مثل التوتر مع إيران في أماكن مختلفة من العالم مما صنع توقعات حول إمكانية انقطاع إمدادات النفط وأدى بالتالي إلى ارتفاع سعره حاليا وفي العقود الآجلة.
والحقيقة أن دول "أوبك" تقف على 75 في المائة من احتياطي النفط العالمي المعروف، ولكنها تنتج فقط 40 في المائة من النفط العالمي، أي أنها تنتج أقل من طاقتها القصوى، وينتج الباقي دول نفطية غير أعضاء في (أوبك) مثل الولايات المتحدة نفسها وكندا والنرويج وبريطانيا والمكسيك والصين وروسيا وكزاخستان، مع العلم أن تكلفة الإنتاج لديها أعلى منها لدى دول "أوبك".
وإن كانت دول "أوبك" ذات احتكار للباعة يسيطر على نحو 40 في المائة من السوق، فإنها تقف في مواجهة احتكار آخر للمشترين - منظمة دول التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) - يباع أكثر بكثير من 40 في المائة من النفط العالمي. ولكن الولايات المتحدة، وقد كانت ثالث أكبر منتج للنفط العالمي عام 2004 مثلا، هي أكبر مستورد للنفط في العالم أيضا بسبب الكميات المهولة التي تستهلكها منه. فإنتاج النفط لا يعني بالضرورة تصديره. كما أن سوق المنتجات النفطية داخل الولايات المتحدة نفسها تسيطر عليها خمس شركات نفطية عملاقة بزرت بقوة نتيجة الاندماجات بين شركات صغرى على خلفية تخفيف قوانين مكافحة الاحتكار الأمريكية في بداية التسعينيات.
لذلك يرى هؤلاء الخبراء أن الأسباب التي تسوقها الدول الصناعية لارتفاع أسعار النفط غير واقعية، في حين أن أكثر الأسباب جوهرية يجب أن تركز على جانب نمو الطلب وليس العرض، مع تزايد الطلب العالمي على النفط بسبب النمو الاقتصادي، خاصة الطلب الصيني والهندي بسبب معدلات نموهما الاقتصادي المرتفعة جدا. لذلك، فإن السوق لا يعاني نقصا في النفط الخام، بل في النفط المكرر بسبب ضعف طاقة المصافي، إما لضعف الاستثمار فيها أو بسبب إعصار كاترينا الذي دمر المصافي على الساحل الجنوبي الشرقي للولايات المتحدة عام 2005، مما أدى لنقص منتجات النفط النهائية لا النفط الخام نفسه، وهذه مشكلة الدول المستهلكة للنفط، لا المصدرة له.
كما أن كميات هائلة من أموال صناديق التقاعد والبيوت الاستثمارية المعنية بالمضاربة تدفقت على عقود النفط الآجلة، مما أدى إلى ارتفاع سعره ليس نتيجة زيادة الطلب الاستهلاكي على النفط، بل نتيجة زيادة المضاربة المالية بالعقود النفطية. وفي شهر آب (أغسطس) 2007 مثلا انخفضت أسعار النفط قليلا نتيجة هجرة بعض أموال المضاربة من السوق النفطية إلى أسواق الأسهم.
كما أن لانخفاض قيمة الدولار وبالتالي انخفاض قوته الشرائية، دور مؤثر في ارتفاع سعر النفط لأنه مسعر بالدولار، وتبين دراسة لصندوق النقد الدولي نفسه أن ما نسبته 20 في المائة من الارتفاع في أسعار النفط عام 2007 يعود لانخفاض قيمة الدولار، حيث إن سعر برميل النفط ارتفع بنسبة 33 في المائة باليورو بينما ارتفع بنسبة 51 في المائة بالدولار الأمريكي وهذا يشير بشكل واضح إلى تأثير انخفاض قيمة الدولار على ارتفاع سعر النفط، خاصة أن انخفاض قيمة الدولار لم يؤد إلى ارتفاع قيمة النفط فحسب، بل جميع أسعار المواد الأولية من الحبوب والزيوت وزيت الصويا، علاوة على المعادن مثل النيكل والذهب.

الأكثر قراءة