مطلوب من اجتماع جدة: البحث في ضرائب النفط وضعف الدولار والمضاربين في أسواق السلع
تتميز أسواق البترول بالتذبذب، ويشغل ذلك أهم المخاطر على المدى الطويل للدول المستهلكة والدول المنتجة. واستقرار أسواق البترول عالميا هدف استراتيجي لدولة رئيسية في الإنتاج مثل المملكة إلى جانب تحقيق عوائد مجزية لبيع هذه السلعة الناضبة.
النعمة الفريدة لموقع أو لقوة أو لملكية مورد مقرون دائما بمسؤولية. فالمملكة أنعم الله عليها بالثروة البترولية، والمراقب يلاحظ منهج المملكة المتمثل بسياسة الدور المسؤول، وشواهد ذلك عندما دعت إلى مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب وكذلك عندما سخرت جزءا من قدراتها لحل أزمة الديون العالمية في الثمانينيات. واليوم يمر العالم بأزمة ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات وليس فقط البترول. ولكن في ظل سياسة الدور المسؤول لم تكن مبادرة المملكة مفاجأة في الدعوة لمؤتمر عالمي في جدة لمنتجي ومستهلكي البترول. ونجاح هذا المؤتمر يتطلب تحليل ظروف وتطورات أسواق البترول العالمية.
بدأت الطفرة الاقتصادية في الأسواق العالمية منذ التسعينيات نتيجة تحول كير من الدول لاقتصاد السوق وتحرير التجارة العالمية مع ولادة منظمة التجارة العالمية في منتصف التسعينيات، وزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية. وأدى ذلك إلى زيادة معدلات النمو والطلب العالمي، حتى تضاعف حجم الاقتصاد العالمي خلال هذه الفترة. وأخذ الطلب العالمي الكلي يتجاوز معدلات النمو في الإنتاج. وانعكس ذلك في ظواهر الضغوط التضخمية وارتفاع الأسعار بل دخلت بعض السلع مراحل شح المعروض فيها في الفترة الأخيرة. ولاحظنا مع هذه التطورات مسلكيات جديدة في السياسات التجارية ومنها اتخاذ إجراءات للحد من التصدير بعدما كان السلوك المتعارف عليه هو عكس ذلك وهو السلوك الحمائي للحد من الاستيراد، ولكن البترول على خلاف السلع الأخرى خضع لإجراءات تمييزية حدت من زيادة المعروض منه. حيث أدى التحرر في الاقتصاد والتجارة العالمية إلى زيادة الإنتاج من السلع والخدمات. ولكن في المقابل كانت أسواق استهلاك البترول خاصة في الدول الصناعية تخضع لإجراءات تمييزية غير مواتية تتمثل في فرض ضرائب استهلاك مفرطة. وعلى مدى عقود تركت مثل هذه السياسة تشوهات هيكلية أضعفت القدرة الكلية على زيادة الإنتاج واستكشاف حقول بترول جديدة. ولتوضيح هذا الأثر فإن فرض الدول الصناعية ضرائب على استهلاك البترول عند مستويات مفرطة أتاح لها بطريقة غير مباشرة الاستحواذ على جزء مهم من عوائد بيع البترول، وأصبح هناك هامش بين السعر الفعلي والسعر المفترض أن يكون للبترول. وهذا الهامش هو حجم ضرائب الاستهلاك، ويذهب هذا الهامش لخزائن تلك الدول، بدلاً من أن يتجه كعوائد للمنتجين، وأي عائد لا يذهب للمنتج لأي سلعة يحدث خللا لأنه لم يوجه للاستثمار في زيادة الإنتاج لكي تعمل آليات السوق بشكل طبيعي وتحافظ على التوازن.
وبمعنى آخر يمكن أن تكون أسواق البترول العالمية دون هذه الضرائب عند مستوى طلب أعلى وأسعار أعلى وعوائد أعلى للمنتجين، وبالتالي توظيف استثمارات أكبر خلال العقود الماضية لزيادة الإنتاج والاستكشاف وعرض أكبر للبترول، والنتيجة أن السوق كان يمكن أن يكون أكثر استقرارا. إذاً بسبب الضرائب التمييزية للمستهلك الرئيسي وهو الدول الصناعية لم يمكن المنتجين للبترول من تحقيق العوائد الممكنة وإعادة توظيفها لزيادة الإنتاج.
وهذا مقيد أساسي في توسع العرض الكلي للبترول على المدى الطويل. وفي الفترة نفسها شهد النمو والطلب العالمي ارتفاعا لمستويات غير مسبوقة. وأصبحت صورة الخلل وعدم التوازن في ميزان الطلب المتزايد، والعرض الذي خضع لظروف مقيدة. والآن سوف يستجيب العرض ولكن يحتاج إلى بعض الوقت وحتى ذلك الحين لا بد من الاستعداد لوضع أسعار عالية. لأن الأسعار تتسارع عند مستويات معينة وهذا ما نشاهده اليوم والدول عامة تتحمل جزءا من الحل في الظروف المماثلة عندما تقدم إعانات استهلاك أو التحرك بضخ أموال جديدة كما هو الحال في أزمة العقار الأخيرة في الدول الصناعية.
وفي مسار مواز برز أخيرا على رأس قائمة المؤثرين سلبا في استقرار أسواق البترول العالمية لاعب جديد هو صناديق السلع التي تحقق أرباحها على حساب رفاهية المستهلكين، فاليوم يبلغ حجم الاستثمارات في صناديق السلع 260 مليار دولار وهذا الرقم يمثل عشرين ضعفا لمستويات عام 2003م. وحتما هذه الأموال الساخنة تشعل الطلب على البترول وهذا خطأ لا بد من تعاون المجتمع الدولي لتصحيحه.
هذه الصور مجتمعة تأتي في وقت يخضع المستهلكون في العالم لضغوط المواد الغذائية بمكلفة وانخفاض أسعار الأصول، وضعف الدولار الذي يمول ثلثي التجارة العالمية.
وبالتالي فإن نجاح المؤتمر يتطلب مراجعة صريحة لهذه التأثيرات، والنتائج لا بد أن تتعاطى مع المحاور الأساسية ومنها.
1. الحد من الضرائب على البترول.
2. اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقوية الدولار.
3. تعزيز حوكمة المضاربين في أسواق السلع والحد من تأثيرهم السلبي.
4. تخفيف حدة التوتر في مناطق إنتاج البترول في العالم.
5. تسهيل انتقال التقنية للطاقة البديلة وزيادة الأبحاث في هذا المجال.
صالح الحصيني
عضو مجلس الشورى
رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة