"أوبك" والحوار المقترح

"أوبك" والحوار المقترح

ارتفاع أسعار النفط الحالي هو ردة فعل على السعر المتدني جدا الذي ساد في السنوات السابقة، حيث ساعدت تلك الأسعار المنخفضة لبرميل النفط، التي لم تزدد بنفس زيادة أسعار السلع المنتجة في الغرب ولو بنسبة تعادل نسبة التضخم في الغرب التي ارتفعت فيها أسعار المنتجات الصناعية والخدمات إلى مستويات عالية جعلت من سعر برميل النفط والقوة الشرائية لذلك السعر أو ما يسمى بأدبيات البنك الدولي، Purchasing Power Parity، منخفضة جدا وأصبحت تلك القيمة لا تشكل حافزا للمستهلكين لترشيد استهلاكهم منه أو التنقيب عن مزيد منه أو استبدال أرخص منه به، وشاع في الولايات المتحدة "أكبر المستهلكين" عادة اقتناء السيارات الكبيرة أو ما يسمونها SUV، أي السيارات الرياضية "نسميها عندنا الهمر أو الجيوب"، وهي تستهلك أضعاف غيرها من النفط.
إن الدعوة الخيّرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين للمستهلكين والمنتجين للنفط للاجتماع ومناقشة المشكلة تأتي في وقت مناسب ليعرف العالم أننا نبذل جهودا جبارة لزيادة المتوافر من البترول ونتحمل تكاليف باهظة للتنقيب والتطوير دون ضمانات أن ما ينتج غدا سيجد سوقا مضمونة، وأيضا وضع الآخرين أمام مسؤولياتهم، حيث إن المملكة، بل وحتى دول "أوبك" مجتمعة ليست أكبر المنتجين، ولأن دول الـ "أوبك" لا تسهم إلا بنسبة 33 في المائة فقط لسد الطلب العالمي، بينما يسهم الإنتاج من خارج دول الـ "أوبك" في سد النسبة المتبقية من الطلب الذي يقارب 86 مليون برميل يوميا، كما بقي ذلك الإنتاج من خارج "أوبك" دون زيادة.
إن الأسعار العالية حاليا، كما ذكرت، هي ارتداد وردة فعل طبيعية للأسعار المتدنية سابقا، وانعكاس لزيادة الطلب العالمي الذي لم يقابلها زيادة في الإنتاج من الدول خارج "أوبك" لعدم رغبتها في الاستثمار بمبالغ طائلة في تطوير إنتاجها والمحافظة على نموه، ومع أن إنتاج دول "أوبك" الذي كان يبلغ 21.7 مليون برميل عام 2002 ارتفع إلى أكثر من 27 مليون برميل معلن حاليا والإنتاج الفعلي أكبر من ذلك، إلا أن إنتاج الدول خارج "أوبك" للسنوات العشر السابقة يتراوح بين 49 مليون برميل يوميا إلى 50 مليون برميل يوميا، وذلك لنقص الاستثمار في التقنية والأنظمة والقوانين غير المشجعة والضرائب الباهظة والحد من التنقيب في المحميات الطبيعية.
إن الاكتفاء بلوم منظمة أوبك وإظهارها أمام الشعوب في العالم بمظهر المحتكر والجشع ليس عادلا ولا واقعيا، ولا تساعد على إيجاد الحلول، وأن الحملات الصحافية والإعلامية التي تشنها صحافة الغرب مدفوعة بجماعات الضغط المعروفة يجب ألا تعمي أعين العالم عن الحقائق التي نأمل أن يركز عليها الحوار المقبل.
كما أننا يجب أن نلاحظ ونحذر مما تفعله منظمة أوبك في هذا المجال، ممثلة في الوزراء واجتماعاتهم الصاخبة والمتكررة، التي تستفز العالم وتظهرنا أمامهم كمن يمتلك كل الأوراق في هذه اللعبة، وهذه الاجتماعات أو المهرجانات يتفنن الوسط الإعلامي الغربي في إبرازها للعالم كأنها مؤامرات ويستدرج الوزراء لمقابلات مدروسة لتبيان دورهم الذي يضخم عمدا ويتبارى الوزراء بحسن نية في الدفاع عن مواقفهم، ولكن الإعلام يركز على دول التشدد التي تهدد وتتوعد ويتجاهل مواقف دول الاعتدال وتتكرر الصورة مع كل اجتماع لدول "أوبك" في فيينا أو غيرها.
إنني لا أطالب بحمل منظمة أوبك التي قامت بدور كبير منذ إنشائها عام 1961. عندما كانت شركات البترول أو ما يسمى الأخوات السبع هي التي تتحكم بإنتاج وتسعير وبيع البترول، وكانت تضرب دولة بدولة للحصول على أرخص الأسعار، أما الآن فمعظم دول "أوبك" هي التي تملك البترول وتنتجه وتبيعه شركاتها الوطنية، ويجب أن تبقى منظمة أوبك كناد تشاوري، وأن تتفق عبر القنوات الطبيعية، ولا داعي للذهاب إلى فيينا ونشر الغسيل هناك، خصوصا أن القرارات معروفة ولن تتخذ دون مشاورات واتفاقات وليست وليدة اللحظة.
إن تصويرنا أمام العالم كأننا المسؤولون عن معاناته واستفزاز الشعوب خلال هذه الاجتماعات يجب أن يتوقف، كما أن الإعلام يجب أن يوظف من خلال المؤتمرات مثل قمة الـ "أوبك" السابقة في الرياض، ومثل هذا الاجتماع القادم في جدة وندوات وحملات مستمرة لتبيان الحقائق المعروفة، وهي أن العرض والطلب هما أساس السعر في الاقتصاد الحر وليس تكرار مقولات غير معقولة أن السعر ليس نتاج زيادة الطب القوي، لأنه غير صحيح، فحتى المستثمرين الذين يضاربون على أسعار النفط ليسوا أغبياء وهم يغامرون بأموالهم ويزيدون الطلب، لأنهم يعرفون أن الطلب يتنامى بقوة مع انفتاح العالم وقيام منظمة التجارة العالمية، والزيادة الهائلة في استهلاك البترول في الدول الصاعدة مثل الصين، الهند، والشرق الأوسط نتيجة النمو الاقتصادي القوي، كما أنهم يعرفون جيدا أن هذه السلعة محددة وما يستهلك منها اليوم لن يعاد للمخزونات التي تتناقص، وبعضها مبالغ جدا في تقديره، وما يفعله المضاربون هو طلب سواء كان حقيقيا أو مفتعلا ولا يجب ترديد مقولات غير اقتصادية.
لقد كتبت عدة مقالات عن الموضوع وأشرت إلى عوامل ارتفاع أسعار البترول، وأنها مستمرة، وأن الأسعار ستصل إلى 85 دولارا كسعر عادل (جريدة "الرياض" الجمعة 21/9/1421هـ، وفي جريدة "الرياض" أيضا 1/9/1426هـ)، وكان السعر نحو 20 دولارا فقط.
ومن وجهة نظري، فإن المطلوب التركيز عليه في الحوار الخيّر القادم لحل المشكلة هو الحذر من الوقوع في موقف الدفاع، وإنما السعي للهجوم على مواقف الدول المنتجة الأخرى، وسياساتها التي تعوق التنقيب والتركيز على التالي:
1 – أهمية أن توقف الولايات المتحدة سياسة الدولار الضعيف لمساعدة صادراتها والبحث عن أسلوب آخر للترابط القوي بين تدني سعر الدولار وارتفاع سعر النفط، سواء في المضاربات المالية أو الطلب الفعلي من الدول التي ترتفع عملاتها أمام الدولار.
2 – أن تسمح الدول الغربية مثل كندا والولايات المتحدة بالتنقيب عن النفط في دولها، خصوصا المكامن التي ثبت وجود النفط فيها، وتعد محميات يمنع التنقيب فيها.
3 – أن تسن التشريعات التي تحد من المضاربات وتقلل من الهامش للمضاربين في السوق النفطية.
4 – إيجاد آلية، لأن يواكب سعر النفط أسعار المنتجات الصناعية التي ترتفع دون سبب أحيانا، وتتحكم بها شركات الدول الصناعية.
5 – توضيح الحقائق لشعوب الدول الصناعية والنامية عن دور منظمة ودول "أوبك" في إنتاج النفط وتسعيره والحد أو عدم تشجيع الحملات الإعلامية ضد الدول المنتجة للبترول التي جعلت معظم المواطنين في الدول الأخرى، وكثيرا من المسؤولين يعتقد أن "أوبك" هي المنتج والمصدر الوحيد للنفط، حتى أنه أثناء زيارة أحد الوفود الأمريكية المهمة للمملكة دهشوا عند الحديث عن البترول عندما أوضحنا لهم أن تصدير السعودية للولايات المتحدة لا يتعدى 15 – 16 في المائة من السوق الأمريكية، بينما يعتقد كثير من أولئك المسؤولين أنها المصدر الرئيسي لبلادهم بسبب الإعلام المغرض.
هذه بعض الأفكار التي خطرت ببالي، وأن أتابع الدعوة الخيّرة للحوار التي تنسجم مع طبيعة الملك عبد الله الخيّرة، وضمن مبادراته السابقة التي تعكس نظرة استراتيجية واعية، لأن هذا اللقاء الخيّر يجب أن يستمر الحوار حوله ويؤطر وتصاحبه وتعقبه حملات إعلامية للتوعية ونشر الحقائق عن دولنا لمكافحة اغتيال شخصيتنا وثرواتنا.
والله الموفق.

الأكثر قراءة