أبو ظبي : دعوة إلى محاربة العامل النفسي الذي يعزز التضخم

أبو ظبي : دعوة إلى محاربة العامل النفسي الذي يعزز التضخم

أكد مجلس أبو ظبي للتطوير الاقتصادي أن العامل النفسي يلعب دوراً مهماً في إذكاء التضخم إلى جانب مجموعة متنوعة من العوامل الأساسية التي أسهمت ولا تزال في إذكاء ظاهرة ارتفاع الأسعار بما فيها تلك الناجمة عن اختلال التوازن بين العرض والطلب وزيادة السيولة النقدية وهبوط العملة الوطنية أمام عملات الدول الشريكة تجارياً وما ينجم عن ذلك من "تضخم مستورد".
وأكد المجلس في تقرير أصدره أمس تحت عنوان "عندما يقتات التضخم على نفسه" ضرورة تبني حزمة من المبادرات ذات الأثر النفسي القوي في المستهلكين وأرباب العمل والترويج لها عبر حملات إعلامية مكثفة تبين الآثار الخطيرة المحتملة للتضخم في النمو الاقتصادي والأمن الاجتماعي والتأكيد على القطاع الخاص أن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي يأتي في مقدمة الأولويات ولن يكون هناك تهاون في التعامل مع من يحاول العبث به.
وأكد المجلس أنه يتعين توجيه قدر أكبر من الاهتمام إلى العامل النفسي الذي يقف الآن باعتباره المحرك الأساسي لصعود الأسعار، ودعا في هذا الصدد إلى العمل أولاً على توفير أحدث وأدق البيانات والأرقام والإحصائيات التي تظهر حقيقة الواقع الاقتصادي، كما عليه الآن وليس كما كان قبل فترة عندما كانت الضغوط التضخمية والعوامل المسببة لها في ذروتها مؤكداً أنه يتعين فرض رقابة شديدة على أسعار السلع والخدمات الرئيسية التي تدخل في احتساب مؤشر أسعار المستهلك بحيث تتم السيطرة كلياً على النمو في المؤشر لكيلا يتجاوز بضع نقاط مئوية، وضرورة أن يتم نشر قيمة المؤشر بشكل شهري للتأكيد للعامة على أن الأسعار تحت السيطرة إذ إن التطورات التي تحدث على صعيد قيمة المؤشر تلعب الدور الرئيسي في صياغة التوقعات حيال ما سيكون عليه التضخم مستقبلاً.
وأكد المجلس في تقريره عن التضخم أنه تم تحقيق نجاحات ملموسة في مكافحة التضخم في الدولة يتعين التركيز عليها بدلاً من التركيز من جانب الإعلام والقطاع الخاص على فكرة استفحال الضغوط التضخمية بما في ذلك تصريحات مسؤولي القطاع الخاص التي ربما يكون الغرض منها في بعض الأحيان تبرير عمليات رفع الأسعار التي تقدم عليها شركاتهم.
ودعا المجلس إلى توفير أحدث وأدق البيانات والأرقام والإحصائيات التي تظهر حقيقة الواقع الاقتصادي وفرض رقابة شديدة على أسعار السلع والخدمات الرئيسية التي تدخل في احتساب مؤشر أسعار المستهلك ونشر قيمة المؤشر بشكل شهري للتأكيد للعامة على أن الأسعار تحت السيطرة وأن يلعب الإعلام دوره في التخفيف من المخاوف التضخمية عبر تناول صورة الأوضاع الاقتصادية بأكملها بدلاً من التركيز على الجوانب التي تذكي تلك المخاوف وتوعية العامة بأخطار التضخم، الاحتكار، الجشع، والاستغلال على الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
وأكد المجلس في تقريره أن التضخم لا يزال الهاجس الأكبر ليس فقط بالنسبة إلى اقتصاد الإمارات بل واقتصادات دول الخليج العربية وذلك لما يشكله بمستوياته الحالية القياسية من تقويض لجزء كبير من النمو وما يضعه من أعباء على المستهلكين والمستثمرين، ولفت إلى وجود إجماع على عدة عوامل لا تزال تسهم في إذكاء ظاهرة ارتفاع الأسعار بما فيها تلك الناجمة عن اختلال التوازن بين العرض والطلب وزيادة السيولة النقدية وهبوط العملة الوطنية أمام عملات الدول الشريكة تجاريا وما ينجم عن ذلك من تضخم مستورد.
غير أن انحسار تلك العوامل أو حتى تبددها قد لا يعني وفي الكثير من الأحيان بأن مستويات التضخم المرتفعة ستنحسر أو تتبدد خصوصاً في أوضاع يلعب فيها عامل آخر - قد لا يقل أهمية عن العوامل الأساسية لكنه نادراً ما يحظى باهتمام الاقتصاديين و هو العامل النفسي الذي يلعب دورا مهماً في إذكاء التضخم مؤكداً أن هذا العامل يكمن في الاعتقاد والتوقعات السائدة لدى أوساط المستهلكين والمستثمرين بأن التضخم حقيقة قائمة وستبقى موجودة.
واستشهد التقرير في هذا الصدد برؤية عالمية في تفسير ظاهرة التضخم رغم انتفاء العوامل الحقيقية المسببة له مشيراً إلى أن روبرت سولو الاقتصادي الأمريكي الشهير والحائز جائزة نوبل للاقتصاد ذكر في سعيه لتفسير حالة التضخم الحاد التي واجهت الاقتصاد الأمريكي في عقود القرن الماضي رغم تراجع أثر العوامل الأساسية التي قادت إليه ربما يكون التضخم السائد عائداً إلى حقيقة أننا نتوقع وجوده ونحن نتوقع وجود التضخم لأنه كان سائداً في وقت مضى.
وأوضح التقرير أن ما تعنيه مقولة سولو أن تبدد المحركات المادية هو تراجع في سعر صرف العملة المحلية أو بلوغ أثر تلك المحركات حده الأقصى لن يؤدي بالضرورة إلى تحقيق استقرار في مستويات الأسعار بل إن التضخم الذي كان حقيقة قائمة قد أصبح يقتات على نفسه.
فالضغوط التضخمية يمكن أن تستمر بل ويمكن أن تنشط أكثر وتكرس نفسها في صورة ارتفاعات جديدة في الأسعار وذلك نظرا لوجود ذلك العامل النفسي القوي الذي يتجسد في وجود توقعات تضخمية لدى أرباب العمل والموظفين والبائعين والمستهلكين.
وأكد المجلس في تقريره أن ثمة آليات تتحول من خلالها التوقعات التضخمية إلى ارتفاع فعلي في الأسعار يمكن إيجازها في نقطتين .. أولا أن من شأن ارتفاع التضخم خلال فترات ماضية أن يؤدي إلى ظهور توقعات قوية لدى المستهلكين والمستثمرين بإمكانية استمرار ارتفاع الأسعار وأن يدفع بالتالي بالمقاولين وموقعي عقود الاستثمار والتجارة الآجلة إضافة إلى الأيدي العاملة إلى المطالبة بأسعار وأجور أعلى والتفاوض للحصول على شروط تعاقدية أفضل الأمر يؤدي بدوره إلى احتدام الضغوط من ناحية تكاليف الأعمال ويتسبب في رفع منشآت الأعمال أسعار منتجاتها وخدماتها.
والنقطة الثانية تتركز في توقع المستهلكين استمرار الضغوط التضخمية مستقبلا ولجوئهم إلى التعجيل في شراء منتجات وسلع وخصوصا المعمرة منها كالسيارات والأدوات الكهربائية وخدمات كبناء منزل أو صيانته كانوا يعتزمون شراءها في أوقات لاحقة وذلك تحوطاً من إمكانية ارتفاع أسعارها مستقبلا الأمر الذي سيؤدي بالطبع إلى زيادة الطلب على تلك المنتجات والسلع والخدمات على نحو غير ضروري ويؤدي بالتالي إلى حدوث تضخم غير مبرر.
ورجح التقرير في تناوله ظاهرة التضخم في الدولة أن تكون آثار المحركات المادية للتضخم قد أخذت أقصى مدى لها منذ فترة.
ولفت إلى أن اختلالات العرض والطلب وإن كانت لا تزال قائمة لايبدو أنها تتزايد بشكل كبير ووتيرة تراجع الدولار أمام اليورو باتت أقل سرعة من ذي قبل والنمو النقدي يخضع حالياً لمراقبة ومتابعة أفضل من قبل السلطات النقدية.
بيد أن ذلك كله لم يمنع بعد من استمرار الأسعار في الارتفاع مؤكداً أن التوقعات التضخمية التي تولدت بفعل النمو القوي للأسعار في الفترة القريبة الماضية هي المسؤول الأول عن التضخم السائد حاليا وربما عن التضخم الذي يمكن أن تشهده الأشهر المقبلة.

الأكثر قراءة