دور "أوبك" في السوق النفطية

دور "أوبك" في السوق النفطية

[email protected]

يثبت التحليل لدور "أوبك" التاريخي في التحكم في آلية أسعار النفط بأنه يكاد يكون دوراً هامشياً وغير فاعل ولم تستطع تلبية احتياجات أعضائها أو حتى بالتنسيق فيما بينهم، ولم تحقق أي دور ملموس أو يذكر حينما تدهورت الأسعار في الثمانينيات وأواخر التسعينيات من القرن الماضي، وأنها قد عجزت حتى في حماية الأسعار من التدهور والانهيار، فلقد فشلت منظمة "أوبك" فشلاً ذريعاً في حث الأعضاء على التعاون بين الدول الأعضاء وإلزامهم بحصص الإنتاج المقررة لكل دولة بعد تدهور الأسعار وانهيارها كما حدث ذلك بعد عامين من الثورة الإيرانية والحرب العراقية - الإيرانية واللتين رفعتا أسعار النفط الخام العالمي لأكثر من الضعف من 14 دولارا للبرميل إلى أكثر من 35 دولارا للبرميل عام 1981، ثم ما لبثت أن تدهورت الأسعار. لقد حاولت "أوبك" أن تتدخل بتقنين الإنتاج إلى مستوى تستقر عنده الأسعار، ولكن لم تنجح منظمة "أوبك" في ذلك بسبب عدم تعاون معظم أعضائها في تطبيق ما اتفقوا عليه، فكانوا ينتجون كميات أعلى مما خصص لهم وذلك لتلبية حاجات مجتمعاتهم الأساسية التي معظمها تعتمد في الأساس على مواردها المالية من بيع النفط، وأدت حرب الأسعار تلك إلى انهيار كلي في الأسعار في منتصف عام 1986 ووصلت إلى ما دون عشرة دولارات للبرميل، وتدهورت الصناعة النفطية وتوقفت الاستثمارات في القطاع النفطي، ما دفع أعضاء دول "الأوبك" إلى الاتفاق على هدف سعر 18 دولارا للبرميل، ولكن وبالرغم من محاولات "أوبك" إيقاف التدهور في الأسعار إلا أنها استمرت منخفضة حتى غزو الكويت عام 1990م التي رفعت الأسعار بسبب المخاوف من نقص الإمدادات، ثم ما لبثت أن تراجعت الأسعار وانخفضت إلى ما دون مستواها منذ عام 1973م. كما أن "أوبك" لم تنجح عام 1998م في ضبط الحصص عندما تدهورت الأسعار في بداية ذلك العام نتيجة لتأثير الأزمة الاقتصادية في آسيا ولم تجد مجموعة دول "أوبك" طريقة للحفاظ على أسعار النفط بشكل جماعي لتتفادى الانهيار الكلي لأسعار النفط التي وصلت إليها آنذاك بسبب الأزمة الاقتصادية الآسيوية، ما يدل على ضعف منظمة "أوبك" وعجزها عن التفاعل مع تلك الأزمات وعدم مقدرتها منذ إنشائها وحتى الآن على التحكم في تصرفات الأعضاء أو إلزامهم بتقنين الإنتاج لتحديد الأسعار ولا حتى في موازنة السوق النفطية خلال موجات الارتفاع أو الانخفاض الحاد.

أسباب عجز "أوبك" وقصور دورها

ومن أسباب العجز الذي تواجهه "أوبك" كمنظمة منذ إنشائها، صعوبة العمل الجماعي بين أعضائها نظراً لتعدد الأطياف والاختلافات بينهم والتباين والفروقات الشاسعة بين الأعضاء، وفي كثير من الأحيان قد لا تتفق مصالحهم بالضرورة نظراً لاختلافاتهم السياسية والجغرافية والاقتصادية وتفاوت الاحتياطيات النفطية والقدرة الإنتاجية وتباين عدد سكان كل دولة عضو ومدى احتياجاتهم، وغالبا ما يصعب التوصل إلى إجماع على سياسة المنظمة الاقتصادية، حيث يوجد في المنظمة دول تمتلك احتياطيات هائلة مع قلة تعداد سكانها نسبيا وترى البيع بأسعار معقولة للنفط لخدمة مصالحها على المدى الطويل، وتوجد دول بتعداد سكاني كبير وموارد قليلة واحتياطيات قليلة ما يجعلها تتبع سياسة تضغط نحو رفع الأسعار لخدمة مصالحها على المدى القصير. كما أن البعض يوصف بأنه معتدل ويحتفظ بعلاقات طيبة ومواقف متبادلة ومصداقية في التعامل مع الدول المستهلكة كدول مجلس التعاون على سبيل المثال، والبعض الآخر من الأعضاء لا يشارك في تلك العلاقة بل النقيض تماماً وفي صراعات مستمرة ومجابهة مع الدول المستهلكة كإيران وفنزويلا مثلاً. مما نتج عنه عدم ثقة بين الأعضاء بشأن الالتزام بالفعل بالحصص المتفق عليها. فلم تستطع "أوبك" أن تتخذ أي خطوة تذكر خلال الانخفاض المستمر في العوائد النفطية نتيجة سياسات الدول الصناعية، الذي أحدث اختلالا في ميزان المدفوعات وأثر سلبياً حتى في الاستقرار الاجتماعي لبعضهم وأوقع كثيرا من أعضاء منظمة "أوبك" في فخ المديونية، ونتج عن شح الموارد تلك إلى العزوف عن الاستثمار في صناعة النفط نفسها وتقلصت الاستثمارات اللازمة لتوسيع طاقة إنتاج النفط، وتلاشت على سبيل المثال الاستثمارات في التنقيب عن حقول جديدة كما تناقصت الاستثمارات الموجهة للعناية بالحقول النفطية المنتجة، ما تسبب في تراجع قوتها ومستواها الإنتاجي، إن تلك الفترة من الكساد في أسعار البترول (1985م - 2000م) وحسب التقديرات العالمية، قد أسهمت في انخفاض نحو 15 في المائة من الطاقة الإنتاجية لدول "أوبك". ولم تعر الدول الصناعية تلك الحقائق أي اهتمام للتنسيق والتعاون مع منظمة "أوبك" رغم أهمية "أوبك" في هذا الخصوص للدول المستهلكة والمنتجة على حد سواء. وهنا يتبادر سؤال مهم وهو: لماذا هذه الارتفاعات في أسعار النفط وبوتيرة سريعة لم تشهدها السوق النفطية على مر التاريخ؟
من الواضح في الوقت الحاضر أن ارتفاع الأسعار ليس بسبب "أوبك" وتقنينها الإنتاج، كما يوحي البعض بأن جميع الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" قد بلغوا الحد الأقصى في الإنتاج ولا يوجد أي طاقة إنتاجية فائضة تذكر نظراً لعدم توجيه الاستثمارات اللازمة لتنمية والحفاظ على القطاع النفطي لقلة الموارد في العقدين الماضيين، ولكن بالرغم من ذلك نجد أن الاستهلاك الفعلي للنفط أقل من المعروض ما يدفعنا إلى البحث عن الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع الأسعار الحالية الذي يعد قياسيًّا وغير مسبوق في تاريخ النفط، كما أن المنتجين والمستهلكين على حد سواء يتفقون على أن الأمر لا علاقة له بنقص المعروض في الأسواق. إن الارتفاع الجنوني للأسعار إلى مستوى قياسي في خلال جلسة واحدة بارتفاع بلغ أكثر من عشرة دولارات خلال يوم واحد فقط، لهو مسألة لا تتعلق فقط بالعرض أو الطلب الفعلي للنفط ولا بسجال بين المصدرين والمستهلكين للنفط أو كيل الاتهامات بين بعضهم بعضا بل إن القضية أخطر من ذلك بكثير، إن السعر المرتفع بهذه الوتيرة العالية يؤثر في اقتصادات الدول المستهلكة وفي نمو الطلب العالمي على النفط، وفي الاقتصاد العالمي ككل، كما أن سعر النفط المنخفض يؤثر في إيرادات الدول المنتجة، ما يؤدي إلى إعاقة فرص التنمية خاصة في مراحل الصناعة البترولية، وهذا بالطبع سيؤثر في سلامة وأمن الإمدادات لذا فإن التغييرات الحادة في الأسعار لا تخدم على الإطلاق الدول المنتجة ولا تخدم الدول المستهلكة ولا الاقتصاد العالمي ككل ما يستدعي تكاتف الجهود لتحقيق الاستقرار في السوق البترولية. إن ازدياد الطلب على النفط بهذه الوتيرة غير حقيقي ولكنه ثابت في البورصات العالمية، ما يدل على أن عوامل أخرى غير عامل المعروض النفطي والاستهلاك الفعلي تؤثر في أساسيات السوق وإرباكها، وتزداد خطورة الارتفاعات بعد أن وصلت أسعار النفط إلى مستويات قياسية خلال فترة قصيرة جداً التي لا يمكن لأي أحد من المسؤولين النفطيين المصدرين أن يخطط أو حتى يفكر في الوصول إلى هذا الحد وبهذه السرعة. ومن الواضح جداً أن وصول أسعار النفط لهذه المستويات القياسية وخلال فترة قصيرة جداً في البورصات العالمية يبرهن على براءة "أوبك" من أي دور في تلك الارتفاعات التي لا تأخذ في الحسبان أساسيات السوق من عرض وطلب في الأسواق، بل ترفع الأسعار بمستويات عالية وفي خلال مدة قصيرة متفاعلة مع التوقعات المبنية على الشائعات والمخاوف والقلاقل السياسية التي ترتفع وتيرتها بين الحين والآخر والتقارير الاقتصادية والتوقعات المستقبلية أكثر من أي عامل محسوس آخر.

الأكثر قراءة