لقاء جدة: أجندة من 3 محاور تحمي أسواق النفط والاقتصاد العالمي

لقاء جدة: أجندة من 3 محاور تحمي أسواق النفط والاقتصاد العالمي

[email protected]

النفط مالئ الدنيا وشاغل الناس، حيث كثرت التحاليل العلمية وغير العلمية بشأن الأسعار ونمو الطلب العالمي، وبدأت تظهر الكثير من التوقعات منها المتشائمة مثل تصريح رئيس شركة غازبروم الروسية الذي مفاده أن أسعار النفط ستصل إلى 250 دولارا بحلول العام المقبل، ومنها ما هو أقل تشاؤما مثل توقعات "مورجان ستانلي" بوصول الأسعار إلى 150 دولارا قريباً (في تموز (يوليو), حيث ذروة موسم الترحال والسفر)، وفعلاً قد اقتربت من هذا الرقم فقد ارتفعت أسعاره في الأسبوع الأول من الشهر الحالي بنحو 13 في المائة، وارتفعت في يومين متتاليين لأعلى ارتفاع في التاريخ لتقترب من 140 دولارا للبرميل. وقد يكون من أكبر أحداث عام 2008 وأهمها هذا الغليان في أسعار النفط, وتعدى أسعار النفط حاجز 100 دولار للبرميل واستمرار زحفها إلى حاجز 200 دولار.
ارتفع سعر الطاقة على الجميع منهم بطريق مباشر, ومنهم بشكل غير مباشر، وأصبح الكثير من الناس يتابع أسعار الطاقة مثل أسعار وقود وسائل النقل بشكل دوري حتى يستطيع أن يدير حياته اليومية (نحن في المملكة ننعم بحياة هادئة مستقرة ولله الحمد ولا نتأثر بأسعار النفط العالمية وأسعار الوقود لدينا من الأرخص في العالم). فمثلاً وصل سعر جالون بنزين السيارات لأول مرة في الولايات المتحدة إلى أربعة دولارات، وكل التوقعات تشير إلى تزايد الارتفاع في أسعار وقود السيارات خاصة مع قدوم فصل الصيف، حيث يكثر الترحال والسفر. واقترب سعر وقود الشاحنات الديزل من خمسة دولارات للجالون، وهذه الأسعار تعتبر عالية للفرد الأمريكي العادي.
وتقول المصادر الأمريكية المختصة إن ارتفاع أسعار النفط قد بدأ يقلل من أرباح الكثير من الصناعات الأمريكية. وبحسب وكالة معلومات الطاقة الأمريكية فإن ارتفاع أسعار الوقود هذا أدى إلى انخفاض الطلب الأمريكي خلال شهر بنحو 1.5 في المائة، وهذه نتيجة متوقعة وطبيعية لارتفاع سعر أي سلعة. ولكن تبقى زيادة الطلب الآسيوي على الوقود عنق زجاجة ومصدر إزعاج رئيس لأسعار النفط، وهو الذي يبقي الإمدادات ضيقة بحيث تلبي الطلب العالمي دون فوائض، ما يجعل المستثمرين والمستهلكين في وضع نفسي مشحون بين طمع وفزع يؤدى إلى رفع أسعار النفط.
ولا شك أن الارتفاع في أسعار النفط سبّب الضرر للصناعات الأخرى كالصناعات البتروكيماوية، لأن ارتفاع أسعار الطاقة وأسعار اللقيم من شأنه أن يرفع أسعار المنتجات عالياً بحيث تصبح عصية على المستهلك، ومن الأمثلة على ذلك أن شركة Goodyear لإطارات السيارات، إذ بدأت تستخدم المطاط الطبيعي كمواد أولية لصناعات إطارات السيارات بدلاً من المطاط الصناعي الذي يصنع من بعض مشتقات النفط، وحتى تكلفة المطاط الطبيعي ارتفعت، ما أوعز لهذه الشركة أن ترفع أسعارها بنحو 15 في المائة في أربعة أشهر.
الحقيقة أن الكثير من الشركات التي تستهلك الكثير من النفط أو الطاقة في وضع سيئ للغاية، فمثلاً توقعت شركة بروكتر آند غامبل العالمية أن تنفق هذا العام ملياري دولار إضافية على المواد الأساسية واللقيم المستخرج من النفط ليصل الإنفاق الكلي إلى أربعة مليارات دولار، ويعتبر هذا المبلغ ضعف ما تم إنفاقه في 2007م. وتحاول الشركة أن تستبدل الزيوت المستخرجة من النفط بالزيوت الطبيعية مثل زيت النخيل وغيره، ولكن حتى هذه الزيوت قد شهدت ارتفاعاً في أسعارها مثلها مثل المطاط الطبيعي.
أما "داو كيميكال"، حيث تعتمد على النفط في صناعة البتروكيماويات التي تدخل في الحياة اليومية من مواد تغليفية وأصباغ ومواد بناء, حتى أدوات التجميل والأدوات الطبية وفى صناعة السيارات، فلجأت إلى رفع أسعار منتجاتها لتبقى على ربحية معقولة.
ارتفعت أسعار اللقيم والطاقة فارتفعت أسعار المواد البتروكيماوية على الناس تباعاً. هذه الارتفاعات في الأسعار أوجدت أوضاعا غير مريحة للشركات، ما أدى إلى محاولة لتصحيح مسارها الذي عادة ما يكون بتقليص النفقات، فيتم اتخاذ التدابير اللازمة, ومن ضمنها تقليل الأيادي العاملة، فتعلو البطالة، وقد ارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة في الشهر الماضي من 5 إلى 5.5 في المائة، وزادت البطالة في بريطانيا في الشهر الحالي للشهر الرابع على التوالي.
ومن جهة أخرى, أغرى ارتفاع أسعار النفط والمشتقات النفطية الكثيرين على ترشيد الاستهلاك، وبدا هذا واضحاً في اليابان، حيث نقص الاستهلاك الياباني للنفط من عام 2006م بواقع 2 في المائة سنويا، ويتوقع أن يستمر هذا الانخفاض في الاستهلاك حتى عام 2010م، وقابل الانخفاض الياباني زيادة في الطلب الآسيوي على النفط ومشتقاته، إذ تشير الدراسات إلى أن الطلب على النفط ينمو في الدول الآسيوية بنسبة تقارب 5 في المائة سنوياً. هذا الطلب الآسيوي الكبير على النفط ومشتقاته أوجد سوقاً لصناعات التكرير اليابانية، حيث وصلت كميات النافثا والديزل والجازولين والكيروسين وزيت الوقود اليابانية المصدرة إلى الخارج نحو 280 ألف برميل يومياً عام 2008م، أي بزيادة تقارب 50 في المائة عن الكميات المصدرة عام 2007م، وهذا الرقم يقارب 7 في المائة من إجمالي الاستهلاك الياباني للنفط، وهو مرشح للصعود مع تطور صناعة التكرير في اليابان وانخفاض مبيعات السيارات وزيادة كفاءة المحركات بالنسبة لاستهلاك الوقود، وكذلك يجب التذكير بالتجربة اليابانية الرائدة في المواصلات الجماعية وكفاءتها، وهي تجربة تستحق التقدير والدراسة.
إذن باختصار, فإن الارتفاع الكبير في أسعار النفط جعل العالم في وضع غريب أقرب إلى حالة اللا اتزان، وبدأ يشعر الجميع بالغلاء وعدم الراحة. والحقيقة أن من أسباب هذه الحالة أن معظم منتجي النفط هم مستهلكون للبضائع الغربية والآسيوية، فلما ارتفعت أسعار النفط أحس المنتجون بدفء تدفق السيولة النقدية التي ما لبثت أن صرف الكثير منها على البضائع الغربية والآسيوية غالية الثمن فضعف الطالب والمطلوب.
كثر الكلام عن أسباب الارتفاع الكبير في أسعار النفط، لكن لا بد من ذكر أن أحد أهم أسباب الارتفاع هو عزوف المجتمع الدولي بشكل عام عن الاستثمار في الصناعات والاستكشافات النفطية.
يرى الغرب أن النفط مصدر ضعفه ونقطة ضغط عليه، فهو يسعى باستمرار إلى إضعاف دوره كمصدر رئيس للطاقة من خلال سن القوانين والشرائع وفرض الضرائب والبحث الدؤوب عن بدائل النفط التي أوجدت مشكلات غذائية عالمية بدل أن تحل مشكلة.
تشير الدراسات إلى أن لكل أربعة براميل نفط تستهلك يجرى تعويض برميل واحد فقط بالاكتشافات الجديدة، وهذه إحصائية خطيرة تظهر مدى إحجام العديد من الدول والشركات في الاستثمار في النفط. واحد من أسباب هذا الإحجام أنه بدأت تظهر بعض علامات الاستفهام عن مدى نمو الطلب العالمي على النفط في ظل الارتفاعات العالية في الأسعار، الأمر الذي من شأنه الإخلال بعوائد الاستثمار.
لا بد من التنويه إلى أن انهيار الأسعار في أواخر التسعينيات من القرن الماضي لم تشجع الكثيرين على الاستثمار في رفع طاقتهم الإنتاجية، وظهر عدم صواب مثل هذه القرارات الآن والأسعار في قمة القمم.
الارتفاع الكبير في أسعار النفط سيكون له دون أدنى شك آثار سلبية على النفط نفسه، وبالتالي على الدول المصدرة، وكما قال رئيس شركة البترول اليابانية نيبون في الفترة الأخيرة، أن هذه الارتفاعات في الأسعار من شأنها التقليل من دور النفط كمصدر أول للطاقة وإفساح المجال أمام البدائل التي أصبح الاستثمار فيها مجدياً.
وفي هذا السياق يأتي دور المملكة العالمي النابع من بُعد نظر لدى القيادة في المملكة في تقدير الأمور قبل حدوثها، وعليه دأبت المملكة في تهدئة أسواق وأسعار النفط وإزالة أي بوادر لحدوث أزمات أو اختناقات عالمية بسبب الأسعار أو بسبب نقص في كميات النفط المعروضة، وهي بذلك تحمي مصالحها ومصالح المنتجين الآخرين بالإبقاء على مكانة النفط العالمية, وتحمي الاقتصاد العالمي من أسعار غير معقولة منشؤها طمع البعض أو حسابات أخرى لدى البعض الآخر.
وتم إعلان المملكة عن استثمار نحو 90 مليار دولار في الصناعات النفطية، حيث من المتوقع رفع طاقة المملكة الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل يومياً, إضافة إلى الاستثمار في إقامة عدة مصاف جديدة من شأنها أن تحل الخلل المتوقع على المشتقات النفطية والناشئ من ضعف طاقة العالم التكريرية. وأخيرا دعت المملكة لإجراء حوار بين أهم الدول المنتجة والدول المستهلكة للنفط، ولقيت دعوة المملكة هذه ترحيبا من كبرى الدول التي بدأت تظهر قلقها من تبعات ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد العالمي.
المؤمل أن ينتج عن هذا اللقاء أجندة عمل تقتضي حماية تدفق إمدادات النفط من جميع دول العالم والتضييق على المضاربين في أسواق النفط والالتزام بزيادة الاستثمار في زيادة القدرة الإنتاجية في بعض الأماكن، حيث بدأ يضعف الإنتاج في بعض المناطق مثل روسيا وبحر الشمال وأمريكا الشمالية بما فيها ألاسكا.
وقد وصل إنتاج الولايات المتحدة الحالي من النفط نحو 7.2 مليون برميل يومياً، وهو أقل من نصف حاجتها البالغ نحو 20 مليون برميل يومياً، ويبقى أن نعلم أن هذا الإنتاج (7.2 مليون برميل يومياً) هو أقل بنحو 36 في المائة من ذروة الإنتاج الأمريكي عام 1970م.
يجب أن يتحمل الجميع مسؤولياته، ولوم (أوبك) والتهديد بمقاضاتها لن يفيد أسواق النفط، وما يفيد هو العمل بجد على تحكيم العقل والحكمة في المشكلات الجيوسياسية العالمية حتى لا تنشأ اضطرابات وأزمات عالمية تستخدم لرفع أسعار النفط، والعمل على ترشيد الاستهلاك العالمي للنفط وإنفاق الأموال في التنقيب وإنتاج النفط وتخفيف الضرائب المفروضة على استخدامات النفط وعمل الإجراءات اللازمة لمنع المتلاعبين بأسعار النفط حماية للاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة