التحزب وجعل الناس أحزاباً وشيعاً مزق الأمة المسلمة

التحزب وجعل الناس أحزاباً وشيعاً مزق الأمة المسلمة

أوضح الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء أن
الغلو في الدين يكون بمجاوزة الحد بأنواع العبادة كمثل الذي يتعب نفسه ويرهق جسده بشيء من العبادات كما فعل بعض الصحابة عندما كان يقرأ القرآن كل يوم ويصوم كل يوم ويفعل أنواع العبادة فأرشده النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أقل من ذلك فقال: صم ثلاثة أيام من كل شهر، فصيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر فإن الحسنة بعشر أمثالها, قال: يا رسول الله إني أستطيع أفضل من ذلك, فأرشده وتدرج به حتى قال له صم يوماً وأفطر يوماً. قال إني أستطيع أن أفعل أفضل من ذلك فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا أفضل من ذلك أفضل الصيام صيام داوود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ومن يقول أريد الأفضلية وسأصوم كل يوم نقول أنت قد غلوت وتجاوزت الحد المشروع في مثل هذا الأمر.
وأبان فضيلته في إجابة عن تساؤلات عن الغلو ومفرزاته بقوله إنه من الأمور والمجالات التي يدخل فيها الغلو في العقائد، فكما يدخل الغلو في العبادات وفي سلوك الإنسان يدخل أيضاً في العقائد، ومن أمثلة ذلك غلو الإنسان فيما يتعلق بالتكفير فيكفر من لم يرد في الشرع بكفره، وقد ورد في الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لأخيه يا كافر ولم يكن كذلك إلا باء بها أحدهما" وفي لفظ (إلا حار عليه) أي رجع عليه إثم التكفير.
 
الثناء والإطراء
وأشار إلى أن الغلو أيضا قد يكون في المدح والثناء والإطراء فعندما ترفع الإنسان عن درجته التي وردت بها الشريعة يكون ذلك غلواً فيه مهما كان ذلك الشخص حتى ولو كان ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ مع علو درجته ورفعة مكانته، لذلك قال ـ صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم"  فنهى عن الغلو في إطرائه ـ صلى الله عليه وسلم.

أسباب الغلو
إذا عرفنا أن الغلو له حقيقة وأن حقيقته يرجع فيها إلى الشريعة ويرجع فيها إلى علماء الشرع والفقهاء، وأن الغلو من المحرمات، وأن النصوص قد وردت في تحريم الغلو والتشديد فيه، وعرفنا شيئاً من مجالات الغلو التي قد يدخل الغلو فيها، ننتقل إلى ذكر شيء من الأسباب التي قد تؤدي ببعض الناس إلى الغلو، فمن أعظم الأسباب المؤدية إلى الغلو الجهل فعندما يجهل الإنسان أحكام الشريعة قد يتجاوز الحدود الشرعية دون أن يعرف أنه قد تجاوزها، وبالتالي يكون قد وقع في الغلو من حيث لا يشعر، ولا شك أن الجهل من الأمور المذمومة شرعاً، والشريعة قد رغبت في التعلم وحثت عليه ورفعت مكان أهل العلم قال تعالى "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (الزمر:9) وهذا الجهل ينشأ عن أمور:
الأمر الأول الرجوع إلى من لا يوثق به فعندما يرجع الإنسان في مسائله الشرعية إلى من لا يعرف بعلم ولا يوثق بكلامه ولا بعلمه يقع في العديد من الأمور المخالفة للشريعة ويقع في الغلو وذلك لأنه أسند الأمر إلى غير أهله والله جلَّ وعلا يقول "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" )النحل: 43 (ما قال اسألوا أي أحد ولم يقل اسألوا من أبرزتهم القنوات أو أبرزتهم وسائل الإعلام أو أبرزهم المعادون المخالفون لا وإنما قال اسألوا أهل الذكر وهم العارفون بالنصوص الشرعية كتاباً وسنَّة وأعظم ما يحصل عند الناس من الجهل يكون سببه الرجوع إلى من لا يوثق به في علمه تجده يستند فيما يأخذه من معلومات إلى  ما في بعض المواقع التي تكون في الإنترنت من المواقع الحوارية، من كتب هذا المقال الذي أخذت منه هذه المعلومة؟ قال وجدته في الساحات، من كتبه؟ قال لا أعلم, شخص رمزه "س· أ· ب"، كيف ترجع إلى من لا تعرفه ولا تثق به ولا تعرف مكانته، هذه من الأمور المحرمة شرعاً. كذلك عندما يرجع إلى كتابة كتبها شخص رمز لاسمه برمز "حامي الإسلام" من هو حامي الإسلام هذا؟ "متقي ربه" من هو المتقي ربه؟ قال هكذا وجدناه يوقع في الإنترنت بهذا الرمز، هذا مجهول ولا يجوز الرجوع إلى المجهولين، إنما يرجع إلى أهل العلم، وهكذا قد يرجع الإنسان إلى بعض الأشخاص الذين تبرزهم بعض الوسائل الإعلامية على أنهم معادون للغرب يقول فلان يعادي أمريكا، وبالتالي نأخذ كلامه نقول: لا ليس هذا هو المصدر الذي نوثق به الشخص أو لا نوثقه كونه يعادي أو يوالي هذا ليس معناه أن عنده علماً، فالعلم الشرعي له مستند وله أصول.
 
أعرف الناس بالقرآن
وأفاد أن الجهل يرد بسبب عدم الرجوع إلى سنَّة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تفسير الآيات القرآنية فإن أعرف الناس بالقرآن هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعندما يأتي إنسان وينظر إلى الآيات القرآنية ولا ينظر إلى تفسير النبي ـ صلى الله عليه وسلم وسنته ـ يقع في إشكالات كثيرة من أمثلة ذلك قال جلَّ وعلا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بعض" (المائدة: 51) نهى عن ولايتهم فحينئذٍ يقول تجب معاداتهم وتحرم مصافاتهم ويحرم التعاون معهم، نقول هذا فهم خاطئ، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد صالح اليهود وأجرى بينه وبينهم صلحاً, ونصارى نجران جاءوا إليه وحاورهم وأكرمهم, وهكذا أيضاً ما يتعلق بمشركي العرب بينه وبينهم صلح الحديبية، فحينئذٍ سنَّة ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ هي التفسير التطبيقي لكتاب الله عزَّ وجلَّ فعندما يأتي إنسان فيحاول أن يفهم الآيات القرآنية دون ما يعرف سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيرته فإنه حينئذٍ يقع في فهم خاطئ قد ينتج عنه الغلو في شيء من أحكام الدين.

اجتهادات غير المؤهلين
كذلك من أسباب الغلو الاجتهادات التي تصدر من غير المؤهلين، يكون الإنسان ليس عنده قدرة على الاجتهاد ولم تتوافر فيه شروط الاجتهاد فيجتهد في إخراج الأحكام الشرعية فيقع في الغلو في الدين, واستخراج الأحكام والاجتهاد فيها لا بد له من شروط. عندما يأتي إنسان لا يعرف قواعد الاستنباط ولا يعرف القواعد الأصولية ويريد أن يستخرج الأحكام من النصوص نقول له قف ليس لديك أهلية للاجتهاد فلا يجوز لك أن توقع نفسك وتوقع غيرك في مثل ذلك.

التوثق من الأخبار
أيضاً من أسباب الغلو الاعتماد على ما يظن أنه دليل وليس دليلاً، من أمثلة ذلك يرى مناماً ويرى رؤية في منامه فيعمل بها وقد تكون مخالفة للشريعة أو فيها زيادة على ما وردت به الشريعة ولا يحق لك ذلك, الرؤية المنامية ليست من أدلة الشريعة, الله جلَّ وعلا يقول "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ" (النساء: 59) ما قال ردوه إلى ما ترونه في مناماتكم "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" (الشورى: 10)، فأولئك الذين يستدلون بالرؤى المنامية نقول هذا ما لا يصح، وهذا ليس من مناهج الشريعة، وهكذا اعتماد بعض الناس على الإشاعات وما يثيره الآخرون سواء في الإنترنت أو في الجرائد لأن الجرائد تمتلئ ويكتبون أخباراً دون أن يتأكدوا منها، وهكذا في وسائل الإعلام المرئية والقنوات, كل ما تحدث معهم ورفع السماعة معهم ونقل خبراً ظن الناس صحته وصدقه، هذا مخالف لمنهج الشريعة في التوثق من الأخبار يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع" لا بد أن نتوثق في أخبارنا.
هكذا أيضاً في نقل الأشخاص غير الموثوق بهم أو فيما يتعلق بالحكايات هذه ليست أدلة ولا يعتمد عليها وليست مستنداً، فعندما يستند الإنسان في أحواله وأقواله إلى مثل هذه الأمور يكون ربما قد وقع في شيء من الغلو في دينه.
  
التحزب
من أسباب الغلو في الدين أيضاً التحزب وجعل الناس أحزاباً وشيعاً وهذا من الأمور المذمومة شرعاً يقول جلَّ وعلا "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ" (الأنعام: 159). ومن أنواع الغلو استباحة أعراض الآخرين الذين لا ينتمون إلى طريقة الإنسان التي ينتمي إليها، فتجد بعض الناس من وافقه مدحه وأعلى من ذكره ومن خالفه قدح فيه واستباح عرضه وكل ما وجد عليه عنتاً أو عيباً أو قدحاً تكلم به وأثاره عند الناس، وهذا من أنواع الغيبة المذمومة شرعاً، ولا يجوز للإنسان أن يفعل مثل ذلك قال تعالى "وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) "الحجرات: 12(، وقد فسر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره، قالوا يا رسول الله لو رأيت ما كان فيه ذلك، قال إذا كان فيه ذلك لقد اغتبته وإن لم يكن فيه ذلك لقد بهته"، ومن هنا يجتنب الإنسان القدح في الآخرين والتكلم في معايبهم، فإن هذا مخالف للشريعة.
  
دحض شبهات الغلو
من أسباب انتشار فكر الغلاة عدم مناقشة الغلاة وعدم بيان أن ما يستدلون به إنما هو شبهات وليس لها مصدر وثيق من الشريعة وأن ما يعتمدون عليه ليس دليلاً شرعياً صحيحاً إنما هي شبهات وهباء منثور لا قيمة له عند التحقيق العلمي, وبعض الناس قد يخشى من الدخول مع هؤلاء خوفاً منهم، ولا شك أن هذا مخالف للشريعة، وأن فيه تقديماً للرغبة الدنيوية على رغبة الآخرة، وبعض الناس قد يترك مناقشة هؤلاء بأنه يخشى أن يقع فيه زلة في القول، وهذا خطأ أن اللسان قد يحصل منه زلة، لكن ليس معنى ذلك أن نترك مناقشة شبهات الغلاة والكلام عنهم.

أدلة الشريعة
وقال فضيلته إذا أردنا أن نعالج الغلو ونريد خطوات عملية لمعالجته، فهناك طرائق كثيرة لمعالجة الغلو من أهمها الرجوع إلى أدلة الشريعة وكل ما وردتنا مسألة رجعنا إلى أدلة الشريعة ولا نكون كالأعور ننظر إلى دليل ونترك بقية الأدلة ولا بد من استكمال جميع الأدلة الواردة في المسألة التي نتناقش فيها والله جلَّ وعلا قد أمرنا بالرجوع إلى أدلة الشريعة {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} )الشورى: 10( "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" )النساء: 59(، ومن هنا إذا وردتنا النصوص الشرعية نظرنا فيها وأعملنا أذهاننا وجمعنا بينها فإن الله عزَّ وجلَّ قال: "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)  "الزمر: 18( يعني أرجحه وأقواه فقد يكون هناك دليل عام وهناك دليل مخصص له وهناك دليل مطلق وهناك دليل مقيد وقد يكون هناك دليل مجمل ويأتي دليل آخر مفسر له فلا بد من جمع جميع النصوص قبل أن نعمل بها.

إبراز العلماء
من طرق معالجة الغلو إبراز علماء الشريعة وجعل الناس يرجعون إليهم وبيان مكانتهم لأنهم هم الذين يتمكنون من كشف هذه الشبهات التي يتكلم بها الغلاة وعندما نظهر المنهج السلفي الصحيح يكون قد حاربنا الغلو، لأن بعض الغلاة أصبح يرفع راية السلفية يسمون أنفسهم سلفية، وهذا ليس بصحيح وهم مخالفون ورفع الإنسان للشعار ليس معناه أنه قد التزم بالسلفية الحقة التي تؤخذ من الكتاب والسنّة، ومن منهج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومنهج صحابته مخالفة طرائق هؤلاء الغلاة.
 
معالجة الغلو تصفية حسابات
كذلك من الطرق التي يمكن بها معالجة الغلو هو معالجتها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، بحيث تكون هناك موضوعية وبحيث لا يكون هناك في هذه الجرائد وهذه الوسائل استهزاء للمتدينين أو أهل الدين بحيث يتخذون هذا الموضوع ـ موضوع معالجة الغلو ـ تصفية حسابات بينهم وبين غيرهم، كل من لم يرغبوا فيه جعلوه منسوباً إلى الغلو وجعلوا فعله وقوله من الغلو حينئذٍ لا بد من الرجوع إلى الأدلة الشرعية وإلى علماء الشريعة في تحديد الغلو، أما أن يأتي صحافي لا يحمل إلا الشهادة المتوسطة والثانوية وهو يصنف الأفعال ويصنف الأشخاص هذا غالٍ وهذا غير غالٍ، هذا غير مقبول ومخالف لطريقة الشريعة. كذلك من معالجة الغلو عدم السماح بما ينشر في الوسائل الإعلامية من تصوير المخالفات الشرعية على أنها أمور طبيعية، بحيث يوجد ردة فعل لدى بعض الناس تجعله يسلك مسلك الغلو وهو ما حذّرت منه الشريعة ونهت عنه ويجب التحذير منه ولا يجوز للإنسان أن يجعله أمراً سهلاً وميسوراً وأن ينشره في مثل هذه الوسائل.

الأكثر قراءة