جوردون براون والصدمة النفطية الثالثة

جوردون براون والصدمة النفطية الثالثة

من تحليلات الخبراء إلى الرؤساء أصبح يطلق على ما تشهده السوق النفطية في الوقت الحالي: الصدمة النفطية الثالثة. وآخر من انضم إلى الركب رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون. ففي مقال له في صحيفة "الجارديان" البريطانية الأسبوع الماضي، وصف براون ما تشهده السوق بأنه يمثل صدمة عالمية تحتاج إلى حلول عالمية لمواجهتها، داعيا قمة الثماني التي ستستضيفها اليابان إلى وضع استراتيجية لمواجهة تأثير أسعار النفط العالية، التي يرجعها بصورة أساسية إلى تنامي الطلب خاصة من الدول الآسيوية وعلى رأسها الصين ودول منطقة الشرق الأوسط ومن بينها من هو منتج للنفط، ما يعني إمكانية تراجع قدراتها التصديرية.
وأورد براون بعض الأرقام ومن بينها أن عدد السيارات الجديدة في الصين سيرتفع إلى 140 مليون سيارة بحلول العقد الثاني من هذا القرن، وهو ما يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف ما هو موجود حاليا. وستؤدي هذه كلها إلى زيادة في الطلب بمقدار 50 في المائة خلال هذه الفترة.
الحلول التي يقترحها براون تقوم في جوهرها على تقليل الاعتماد على النفط ومن ثم تقليل الانبعاثات الغازية، كما يدعو إلى المزيد من الشفافية وتعاون أكثر بين المنتجين والمستهلكين، والسعي كي تعمل السوق بكفاءة أكبر، داعيا في الوقت ذاته إلى إزالة الحواجز أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى المناطق ذات الاحتياطيات تماما مثلما تسعى بريطانيا إلى تعظيم ما تستطيع استخلاصه من نفط بحر الشمال.
براون يدعو إلى تجريب المجرب، الذي لم يعط نتيجة تذكر رغم أن الاقتصادات الغربية بصورة عامة أصبحت أكثر فاعلية في استخدام الوقود، ولهذا فإن تأثير أسعار النفط المرتفعة ظل محدودا بصورة كبيرة مقارنة بفترة الصدمة الأولى في سبعينيات القرن الماضي، ولهذا كان يفترض أن يبدأ تحليله ومن ثم اقتراحاته من السؤال البدهي: لماذا لم تنجح الدول الصناعية الغربية في مساعيها الهادفة إلى الاستغناء عن النفط مصدرا للطاقة طوال العقود الماضية؟
الأمر الأكثر أهمية أن الدول الغربية الرئيسية التي تضمها الوكالة الدولية للطاقة لم تعد المحرك الأول لسعر النفط، فإذا تراجع استهلاكها هبط سعر البرميل واتسعت الفجوة بين سعر السوق الحرة والأسعار الرسمية التي كانت تفرضها الدول الأعضاء في (أوبك)، كما كان يحدث في السابق، فالطلب الآن ومن ثم سعر البرميل يتحددان بصورة أكبر بسبب ما يجري في بكين ونيودلهي والقارة الآسيوية عموما. وتزداد هذه النقطة أهمية مع الإعلان الإندونيسي أن جاكرتا على طريق توقيع الوثائق الخاصة بانسحابها من منظمة (أوبك).
وإذا كانت عضوية المنظمة مؤشرا على القدرة النفطية، إذ تتطلب في الأساس وجود قدر معقول من الصادرات، فهذا يعني أن القارة الآسيوية، حيث الطلب الرئيس على هذه السلعة المهمة، لا يوجد فيها دولة لها قدر كاف من الصادرات يؤهلها لتصبح عضوا في (أوبك).
هذا زمان التحولات، والدول الغربية تتجه إلى نوع جديد من المعاناة لم تعرفها من قبل، فحتى إذا خفضت من استهلاكها النفطي فسوق تظل تعاني ارتفاع سعر برميل النفط، وهذا ما يتطلب نوعا من المراجعة للسياسات والمؤسسات القائمة. وبالفعل بدأت بعض الدعوات الخجولة لضم الصين والهند إلى الوكالة الدولية للطاقة، إذ لا يستقيم عمل هذه الوكالة واثنان من أهم المستهلكين خارجها.
من ناحية أخرى, طرح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فكرة وضع سقف على الضرائب المفروضة على المحروقات المستخلصة من النفط، وهو اقتراح لم يحظ حتى الآن بموافقة من المفوضية الأوروبية، التي ترى أن تعديل الضرائب يبعث برسالة خاطئة إلى المنتجين.
على أن الجديد في حديث براون أيضا دعوته إلى حوار جاد وفعال بين المنتجين والمستهلكين. فكرة الحوار ليست جديدة وقد صحبت الصدمة النفطية الأولى في عقد السبعينيات، وكانت أقرب إلى ممارسة للعلاقات العامة منها إلى حوار حقيقي، فالمستهلكون حاولوا تفهم نوايا وأهداف المنتجين إلى أن يحدث تغيير على أرض الواقع من باب بروز منتجين جدد وتراجع الطلب، وهو ما حدث فعلا فيما بعد. المنتجون كانوا يأملون في نظام اقتصادي عالمي جديد، لكنهم لم يحصلوا على شيء يذكر.
منذ ذلك الوقت مرت مياه كثيرة تحت الجسر، وحدثت متغيرات عديدة في جانبي المنتجين والمستهلكين وتجارب ثرة ونضوج في التجربة. دعوة براون لقمة الثماني أن تتناول موضوع أسعار الطاقة ووضع استراتيجية بشأنها مهم لرفع الاهتمام بهذه القضية سياسيا. وتحتاج المنظمة إلى بلورة مواقف من جانبها تسمح ببدء حوار جاد هذه المرة استفادة من تجارب الماضي ووضعا لمتغيرات السوق والصناعة في الاعتبار.

[email protected]

الأكثر قراءة