"الوكالة الدولية" و"معلومات الطاقة" تبحثان وضع الإمدادات لـ 400 حقل نفطي

"الوكالة الدولية" و"معلومات الطاقة" تبحثان وضع الإمدادات لـ 400 حقل نفطي

في خطوة لافتة تعبر عن نقلة في نشاطها وتركيزها السابق على وضع الطلب في الدول الأعضاء، اتجهت الوكالة الدولية للطاقة إلى الاهتمام بوضع الإمدادات من قبل المنتجين وإذا ما ستكون كافية لمقابلة الطلب خلال العقدين المقبلين.
وتعتزم الوكالة إجراء دراسة تفصيلية لنحو 400 حقل في دول رئيسية منتجة للنفط, على أن تكتمل هذه الدراسة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لكن المؤشرات التي برزت حتى الآن تعطي رسالة واضحة: أن وضع الإمدادات لا يبشر بحدوث انفراج في المستقبل القريب وأنه سيستمر في حالة من الشح. ويشكل هذا عامل ضغط إضافيا على سعر البرميل الذي صار يشكل كل يوم اختراقا جديدا حتى وصل إلى ضعف ما كان عليه قبل عام.
فلفترة طويلة ظلت الوكالة تعتقد أن أمر الإمدادات يمكن تدبيره لتناسب الطلب الذي كانت تركز عليه، ووصلت في آخر تقديراتها إلى أنه قد يبلغ 116 مليون برميل في عام 2030 من قرابة 87 مليونا في الوقت الحالي، لكن الوكالة تتخوف من أن الكثير من الحقول دخلت مرحلة الشيخوخة إضافة إلى ضعف الاستثمارات، الأمر الذي يهدد بأن الإمدادات المستقبلية قد لا تكون كافية وربما لا تتجاوز 100 مليون برميل يوميا خلال فترة العقدين المقبلين.
الوكالة، التي تعد أداة الدول المستهلكة في التعامل مع السوق النفطية في موازاة منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، كانت تركز على جانب الطلب وما يمكن أن يقوم به المنتجون من خارج (أوبك) على أساس أنهم يوفرون نحو 60 في المائة من الاحتياجات، وأن (أوبك) لوجود احتياطيات كبيرة لديها وكونها توفر 40 في المائة من الإمدادات كانت الوكالة تعدها مصدرا مضمونا، ومع المتاعب التي بدأت تلم ببعض المنتجين من خارج (أوبك)، وصعوبة الوصول إلى الاحتياطيات الضخمة الموجودة لدى الدول الأعضاء في (أوبك)، فإنه لم يعد توفير الإمدادات أمرا مضمونا، ومن هنا جاءت هذه الخطوة.
وقامت الوكالة بتكوين فريق من 25 من المحللين الخبراء في كيفية تقييم وضع الحقول التي تستهدفها، لكن لا تبدو الاحتمالات مبشرة بتمكن هذا الفريق من الوصول إلى المعلومات التي يريدها. فالكثير من الدول وهي من الأعضاء تعد المعلومات التفصيلية الخاصة بأداء الحقول فيها من الأسرار التي تسعى الدولة بجهد للحفاظ عليها. وبنظرة على القائمة التي تضم دولا من خارج (أوبك) أيضا مثل روسيا والمكسيك، وهي التي توفر نحو ثلثي الإمدادات، فإن ما يمكن أن يخرج به التقرير المنتظر يبقى ملفوفا بعلامات استفهام كثر، ولهذا فسيكون الخيار في اللجوء إلى بعض البرامج ومعلومات جهات مثل الجمعية الجيولوجية الأمريكية.
والخطوة تبنى على بعض التحذيرات التي أطلقتها الوكالة عدة مرات خلال الأشهر القليلة الماضية. ففي صيف العام الماضي حذرت من أن إنتاج (أوبك) قد يكون في أدنى معدلاته في عام 2012. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي قالت الوكالة إن تحليلاتها تشير إلى أنه في 2015 قد يكون هناك نقص في الإمدادات في حدود 12.5 مليون برميل يوميا.
ورغم المتاعب التي تحيط بالدراسة المنتظرة، إلا أن الوكالة تظل ذات شخصية مستقلة ولها صدقية، الأمر الذي يعطي تحليلاتها ثقلا إضافيا. وكانت الولايات المتحدة قد اقترحت أخيرا ضم الصين إليها. فبعض المحللين يقولون إنه ما دامت الوكالة مهتمة بالقضايا التي تهم دولها الأعضاء المستهلكة للنفط، فإن عدم وجود اثنين من أهم المستهلكين وهما الصين والهند يضعف من تأثيرها، لكن مع أن الصين رحبت بالقيام بعمليات تنسيقية مع الوكالة والدول الأعضاء فيها، إلا أنها لاحظت أن العضوية قاصرة على الدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وهي ليست عضو فيها على أي حال.
والأمر لا يقتصر على الوكالة فقط، وإنما انضمت إليها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، التي تجري دراسة يتوقع لها أن تكتمل خلال فصل الصيف الحالي، لكن مؤشراتها الأولية تبدو متشائمة كذلك، إذ ترى أن إنتاج النفط الخام الصافي، غير المكثفات، سيكون في حدود 73 مليون برميل حاليا وقد يزيد بنحو 11 مليونا أخرى، لكنه يحتاج إلى دفعة قوية من الوقود غير التقليدي ليعبر حاجز المائة مليون برميل بحلول عام 2030.
ولا يعني هذا بحال من الأحوال تأكيد لنظرية ذروة النفط، التي ترى أن العالم يتجه إلى مواجهة مجاعة نفطية بسبب نضوب الاحتياطيات، فالاحتياطيات موجودة كما ترى الإدارة، لكن إما يتعذر الوصول إليها وإما عدم توافر الاستثمارات اللازمة التي لا تتجه إلى المكان المناسب في الوقت المناسب، هذا إضافة إلى العديد من المتاعب الأمنية التي أثرت في الإنتاج وتطوير الإمكانات المتوافرة حتى في بعض الدول الراغبة في استقبال الاستثمارات الأجنبية مثل نيجيريا والعراق. بينما منتجون من خارج (أوبك) مثل المكسيك وروسيا لا يبدون ترحيبا كبيرا بدخول الشركات الأجنبية إلى ميدان الصناعة النفطية في بلدانهم. فالندرة أو شح النفط ليس هو القضية وإنما كيفية الوصول وتوفير الاستثمارات اللازمة.
وستحاول الدراستان الإجابة عن سؤال محوري وهو: إلى أي مدى وبأي سرعة يتم استنزاف الحقول المنتجة في الوقت الحالي. وتشير دراسة لرابطة كامبيردج لأبحاث الطاقة نشرت مطلع هذا العام واستندت إلى مسح لنحو 811 حقلا حول العالم، إلى أن معدل استنزاف ونضوب الحقول يتم في حدود 4.5 في المائة، وهو ما يقل عن المعدل الذي كان سائدا من قبل. لكن ومع هذا المعدل يبقى مطلوبا القيام باستثمارات كبيرة وذلك للحفاظ على المعدل الإنتاجي الحالي، خاصة وهذه الحقول تمثل نحو ثلثي الإنتاج العالمي.
ولاحظت الدراسة أن نحو 41 في المائة من الحقول التي تم فحصها تجاوزت مرحلة استقرار الإنتاج إلى التدهور، لكن بصورة عامة خلصت الدراسة إلى أنه وبسبب الإدارة الحسنة للاحتياطيات والتقدم التقني المطرد، فإن نسبة التراجع جاءت على غير ما كان سائدا, وجعل هذه الحقول تعمل لفترة أطول مما كان متوقعا منها.
لكن يبقى ضعف الإمدادات من خارج (أوبك) هاجسا أساسيا يتصاعد باستمرار. فالتقرير الشهري لكل من (أوبك) والمركز العالمي لدراسات الطاقة أعادا التأكيد على هذه النقطة، وقال الأخير إن السوق تحتاج إلى المزيد من الإمدادات، ومع تراجع إمدادات المنتجين من خارج (أوبك)، فإن سعر البرميل مرشح للبقاء على مستواه الحالي المرتفع إن لم يزد وذلك ما لم يحدث نمو واضح في الإنتاجين الروسي والمكسيكي، أو يحدث تباطؤ اقتصادي واضح ينعكس على الاستهلاك. ويرى المركز أن الإنتاج من خارج (أوبك) قد تراجع بنحو 300 ألف برميل في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

الأكثر قراءة