أسعار النفط المرتفعة تبعث بـ 3 رسائل وتبحث عن بدائل تثبت جدواها

أسعار النفط المرتفعة تبعث بـ 3 رسائل وتبحث عن بدائل تثبت جدواها

استمر معدل أسعار النفط في الارتفاع خلال السنوات الست الماضية على التوالي مشكلا بذلك ظاهرة محيرة اختلف على تفسيرها الخبراء، حتى وصلت أسعار النفط إلى حدود 130 دولارا للبرميل في أيار (مايو) الماضي. إن ارتفاع أسعار النفط بشكل مستمر بات أمرا مقلقاً لكثير من دول العالم المنتجة والمستهلكة على حد سواء، حتى أن ارتفاع النفط خلال عام 2007 نحو 70 في المائة قد أدى إلى ارتفاع أسعار كثير من السلع كما يعرض جدول (1). ومما زاد الطين بلة أن أحد بنوك الاستثمار الأمريكية توقع أن تصل أسعار النفط في النصف الثاني من العام الحالي إلى 140 دولارا للبرميل، وفي الوقت نفسه لا يوجد ما يدل على هدوء الطلب العالمي على النفط، بل كل المؤشرات تدل على زيادة الطلب على وقود وسائل النقل وزيت التدفئة والنافثا المصدر الرئيس للمنتجات البتروكيماوية في آسيا وأوروبا، أي باختصار أصبح العالم مدمنا على النفط، ولن يستطيع أن يتخلص منه إلا بوجود البديل الأفضل وهذا البديل ما زال بعيد المنال.
إن الاستمرار في ارتفاع أسعار النفط يرسل عدة إشارات أولاها: يجب استغلال كل قطرة من النفط بحكمة وعناية، ويجب اللجوء إلى الاستثمار في الصناعات التكريرية الحديثة القادرة على انتزاع أعظم الفوائد من كل برميل، ويجدر بنا التفكير الجدي في هذه الصناعة، لأنه على ما يبدو أن قدر المملكة أن تكون سلة الطاقة للعالم.
كذلك الاتجاه إلى إنشاء وتشييد المصافي الحديثة من شأنه أن يدعم الناتج المحلي، حيث إن المصافي الحديثة ومع تراجع الطاقة التكريرية العالمية قد تصل ربحيتها إلى ثمانية دولارات لكل برميل، فلو أن مصفاة ما تقوم بتكرير 400 ألف برميل يومياً لمدة 300 يوم في السنة، فإن ربحيتها تصل إلى مليار دولار سنوياً. ويجب أن نتذكر أن تكلفة إنشاء مثل هذه المصفاة تصل في أيامنا الحالية إلى عشرة مليارات دولار، أي مدة استرجاع الاستثمار قد تصل إلى عشر سنوات.
وفي المقابل فإن المصافي غير المتطورة التي تنتج النافثا وزيت الوقود غير مجدية اقتصادياً وربحيتها قد تقارب الصفر على البرميل، أي أنها تقوم بخدمة المجتمع بتوفير النافثا وزيت الوقود، وباتت تشكل عبئا على اقتصاد الدول. وبشكل عام يقارب سعر برميل النافثا 130 في المائة سعر البرميل الخام، ويقارب سعر برميل الديزل نحو 135 في المائة سعر برميل الخام، وأما سعر برميل زيت الوقود الثقيل فيقارب سعر البرميل منه 80 في المائة سعر البرميل الخام وهذه المشتقات هي ما يحدد ربحية المصفاة.
الرسالة الثانية: وهي الاستخدام الأمثل والمتأني للنفط ومشتقاته. تستهلك المملكة نحو 2.3 مليون برميل يومياً ما بين مشتقات نفطية ونفط خام يحرق لتوليد الكهرباء. بالنظر إلى هذه الكمية الكبيرة من النفط ومقارنتها بدول مثل الهند وإندونيسيا نجد أن المملكة تستهلك كميات من النفط تقارب الكميات المستهلكة في الهند صاحبة المليار نسمة وضعف كميات النفط المستهلكة في إندونيسيا (عدد سكان إندونيسيا يفوق 200 مليون نسمة). بالنظر إلى هذه الأرقام يتضح لنا أن الاستهلاك السعودي للنفط مرتفع بصورة كبيرة وغير مبرر، ويدعو إلى وقفة تأمل ودراسة لأسباب هذا الكم الهائل بالنسبة لعدد سكان المملكة.
من أسباب هذا الارتفاع أن النفط ومشتقاته هو المصدر الرئيس لتوليد الطاقة الكهربائية في المملكة، وكذلك الحرارة اللازمة لمحطات التحلية التي تعد شريان الحياة في المملكة. وهنا يأتي دور بدائل الطاقة مثل النووية السلمية والشمسية، ويعد هذان المصدران من أهم المصدر مناسبة لتوليد الطاقة في المملكة.
الرسالة الثالثة تكمن في البحث عن البدائل، ونجح الكثير من الدول مثل فرنسا والدول الإسكندنافية في استخدام الطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية والطاقة الحرارية للتدفئة. وتستخدم دول أخرى مثل الصين والولايات المتحدة الفحم الحجري والغاز الطبيعي أيضا لتوليد الطاقة الحرارية والكهربائية.
يستطيع الكثير من الدول استبدال النفط كمصدر لتوليد الطاقة ببعض البدائل الأخرى، لكن تكمن المشكلة في إنتاج وقود السيارات والديزل وإنتاج النافثا المصدر الرئيس للمنتجات البتروكيماوية. من أجل ذلك وصل الفرق بين سعر برميل الخام الأمريكي وبرميل وقود الديزل ووقود الطائرات إلى نحو 25 دولارا، ووصل سعر طن النافثا إلى نحو 1200 دولار.
ويجب ملاحظة أن الزيادة في الطلب على هذه المشتقات أعلى في الدول الآسيوية وتتبعها دول أمريكا الشمالية، أما دول الاتحاد الأوروبي واليابان فلم تظهر أي زيادة في الطلب على هذه المشتقات بسبب عدم الزيادة الكبيرة في عدد السكان وبسبب اعتماد وسائل نقل جماعية أكثر فاعلية مثل القطارات (التي تعمل بالكهرباء المولدة من الطاقة النووية) والحافلات الجماعية. وعلى سبيل المثال وصل الطلب الصيني على وقود وسائل النقل في 1995م نحو 1.8 مليون برميل، وزاد هذا الطلب إلى الضعف في 2005، ويتوقع أن يصل على إلى خمسة ملايين برميل بحلول 2010.
أيضا هناك الكثير من البحوث العلمية التى تقام للمحاولة لزيادة إنتاج الوقود سواء الديزل أو غيره من مصادر غير النفط. فعلى سبيل المثال نسمع عن الديزل الحيوي المستخرج من الحبوب النباتية، وأصبح خلطه مع الديزل البترولي ضمن التشريعات الجديدة. وكذلك يقوم الكثير من الشركات بمحاولة تحويل حتى مخلفات الصرف الصحي إلى وقود الديزل عبر ما يسمى التحويل الغازي الجزيئي.
سيواجه العالم مشكلة حقيقية فيما يتعلق بإنتاج النفط وتكريره لعدة أسباب، أولها أن البدائل، وخاصة بدائل وسائل النقل، لم تثبت جدواها، بل على العكس تسبب بعضها في مشكلات اقتصادية مثل أثر صناعة الديزل الحيوي في أسعار الحبوب الغذائية وحدوث بعض الأزمات بسبب الغلاء. وأيضا هذه الصناعات تستنزف أموالا طائلة ولم تساعد أسعار النفط القليلة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي على إغراء الكثير بدفع المال في هذه الصناعة غير المضمونة، ما أضعف وجود طاقات احتياطية أو ما يسمى بالفائضة.

الأكثر قراءة