أزمة المال وصورتنا عند الآخرين
هل صحيح أن الإنسان هو الذي يشكل الصورة التي يحملها الآخرون عنه؟! إذا كان الجواب بنعم فكيف يكون ذلك؟ طرحت هذا السؤال على نفسي عدة مرات وفي مناسبات متفرقة، خاصة عندما أرى شخصاً يتصرف, أو يسلك سلوكاً معيناً, هذا السلوك أو التصرف سواءً كان حسناً أو سيئاً سيحدث أثراً لدى الآخرين الذين يشاهدون هذا السلوك ويرقبونه, ما الصورة التي سيتركها فرد يفحط في الشارع ويستهتر بحياة الناس أو الممتلكات العامة؟ هل هذا الفرد سيكون محل احترام وتقدير الآخرين أم أنه سيسقط من أعينهم ولن يقدروه؟ ثم ماذا تكون الصورة التي يحملها الآخرون عن فرد شهم يسرع إلى إسعاف الآخرين ونجدتهم؟ ما من شك أن الصورة ستكون صورة حسنة وجميلة. ورد هذا السؤال وبإلحاح عندما قرأت وسمعت تصريحاً ينسب لرئيس وزراء بريطانيا جولدن براون على أثر الأزمة المالية الأمريكية، التي امتدت آثارها إلى كثير من دول العالم وأثرت في أسواقهم تأثيراً سلبياً بالغاً. التصريح الذي أدلى به براون ينص على أنه يجب على دول الخليج العربي تقديم الأموال اللازمة لإنقاذ أسواق المال المتدهورة. مثل هذا التصريح لم يأت من فراغ بل إنه جزء من صورة يحملها الغرب عن العرب بصورة عامة, إذ إن الصورة التي تكررها وسائل الإعلام وتعرض في الأفلام وتتداول بين الناس هي أن الإنسان العربي يقف على بئر نفط, ولا يعلم, ولا يعرف كيف يدير أمواله, لذا فهو ينفقها على أمور تافهة, ولا قيمة لها, حتى أن الصور الكاريكاتورية عن العرب غالباً ما تكون على هيئة إنسان تمتلئ جيوبه بالنقود، ويظهر على أنه إنسان أهبل غير قادر على معرفة أين يضع الأموال, وكيف يستثمرها الاستثمار الأمثل. ولعله من المناسب أن نناقش الأسباب الكامنة وراء هذه الصورة التي تصل إلى مستوى التعميم على كل العرب. هل في سلوكنا, أو في سلوك بعضنا ما يعزز هذه الصورة؟ وهل هناك قوى تستفيد من خلق هذه الصورة؟ أعتقد أن بعض التصرفات الصادرة من بعضنا لها دور أساسي في خلق هذه الصورة, أتذكر أن أحد الأساتذة الذين درست معهم في مرحلة الدكتوراه قد سألني في فترة الاستراحة لإحدى المحاضرات كم سيارة مرسيدس أملكها؟ وكان هذا السؤال مفاجئاً بالنسبة لي ومثيراً للدهشة عن السبب وراء هذا السؤال, فما كان مني إلا أن سألته عن سبب اعتقاده أني أملك عدداً من سيارات المرسيدس, فكان جوابه هو ما يراه في البرامج, والأفلام التي تتناول العرب إضافة إلى الثروة الهائلة التي يدرها النفط, وكان جوابي له وكم من السيارات تملك؟ فسألني مرة أخرى, ولماذا هذا السؤال؟ فأجبته أن إنتاج بلده من النفط يفوق إنتاج بلدي بكثير, وعليه فإن كان يملك الكثير من السيارات بسبب النفط الذي تنتجه بلاده، فأنا كذلك أملك عديدا من السيارات. لاشك أن هذه الصورة المتجذرة في ذهن الإنسان الغربي حول الإنسان العربي لم تأت من فراغ، بل نسجتها بعض تصرفاتنا التي تحتاج إلى تقويم لتكون متسقة مع ثقافتنا الأصلية التي تحافظ على النعمة, وتشكر عليها بدلاً من تبذيرها, والإسراف فيها في أمور استهلاكية ضررها على المديين البعيد والقريب أكثر من نفعها.
كما أن الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام المقروءة, والمسموعة, والمشاهد تسهم إسهاماً واضحاَ في خلق هذه الصورة لأهداف سياسية يهم من يقف وراءها تشويه صورة الإنسان العربي, ونزع الثقة منه، لأن الإنسان الذي لا يحافظ على النعم, والثروة لن يكون محل الاحترام من قبل الآخرين. إن تصريح رئيس الوزراء البريطاني, وغيره من السياسيين الغربيين يتناسى الحاجة الماسة لدول منطقتنا إلى هذه الأموال بغرض استكمال البنية التحتية من مدارس, ومستشفيات, وطرق, وكهرباء, ومياه وغيرها من الخدمات والمرافق, ويكفي أن يعلم براون أنه لا يوجد في العالم العربي بكامله المنتج للنفط منه, وغير المنتج ما يشابه, أو يقارب شبكة القطارات التي توجد فقط في لندن, فهل يستكثر الساسة الغربيون الثروة المالية التي نحصل عليها من بيع النفط، ويرون أننا لا نستحقها ولسنا بحاجة إليها أم أنهم يرون أننا غير قادرين على تصريفها بالشكل المناسب؟! ولعل الساسة الغربيون يفسرون لنا هذه اللغة الفوقية التي تأتي على شكل أمر. الأزمة المالية التي حدثت في أمريكا وامتدت إلى أوروبا وغيرها أسبابها معروفة, وتعود في الأساس إلى النظام الرأسمالي, والممارسات التي حدثت وتحدث في أسواق المال الغربية وليس للعرب وبالأخص أبناء الخليج دور في هذه الأزمة, بل إن أبناء المنطقة قد اكتووا من هذه الأزمة حيث خسرت الصناديق السيادية التي استثمرت في الولايات المتحدة، كما خسر كثير من الأفراد جراء تدهور أسواق المال الأمريكية. تأملت قول المتنبي.
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
فألفيت أن هذا البيت يؤكد الدور الذي يلعبه سلوك الفرد, والأثر الذي يحدثه, فإذا ما هان الإنسان على نفسه هان عند الآخرين, وإذا ما رفع من قيمته فرض قيمته على الآخرين, ومطالبة الغرب لنا وبصيغة الأمر لمعالجة مشكلاتهم التي لا علاقة لنا بأسبابها, ومحدثاتها إلا مثال على الصورة التي يحملونها عنا. إن محافظتنا على ثرواتنا وصرفنا لها في أبوابها ومجالاتها الضرورية سيكون من شأنه إدراك الآخرين أننا لسنا مجموعة بشرية لا تعرف كيف تدير أمورها ولا تعرف كيف, وأين تصرف أموالها, بل إننا أمة حية وأمة تفكر, وأمة تحرص على المال, وتصرفه بالشكل الصحيح, وهذا لا يعني أننا لا نقف مع الآخرين في أزماتهم, ومحنتهم, فكم من الأموال والمساعدات قدمناها للدول التي تعرضت للكوارث كالزلازل, والبراكين, والأعاصير, والفيضانات, ومن ضمنها الإعصار الذي ضرب ولاية لويزيانا, وقدمت دول الخليج وقتها كثيرا من المساعدات المالية, لكن دون أمر أو فرض من الآخرين, فنحن من يقرر من نساعد ومتى نساعد.