هيئة تشريعية مصغرة تفك الحرج عن المصارف الإسلامية الخليجية وتصحح عقد "المرابحة بالسلع" بقوانين جديدة

هيئة تشريعية مصغرة تفك الحرج عن المصارف الإسلامية الخليجية وتصحح عقد "المرابحة بالسلع" بقوانين جديدة

كشف مطلعون في الصناعة المصرفية الإسلامية أن هيئة تشريعية مصغرة مختصة بمعايير التمويل الإسلامي قد وضعت مستندات معيارية موحدة لعقد المرابحة بالسلع المثير للجدل، في خطوة جريئة وصفت بأنها محاولة جادة "لإصلاح" هياكل المنتجات الشرعية بعد خطوة تصويبات الصكوك الإسلامية.
وتأتي هذه الخطوة لتنقذ اهتزاز أركان سوق هذا المنتج الذي تجاوز حجم سوقه حاليا حاجز الـ ? ?100? ?مليار دولار. ?ونظراً? ?لافتقار السوق إلى الأدوات المالية المتوائمة مع مبادئ الشريعة?، ?فإن عقد المرابحة بالسلع يعد المنتج الإسلامي? ?الرئيس? ?لدى أسواق المال، والأكثر استخداماً? ?لأغراض إدارة السيولة في? ?المؤسسات المالية.
وخلق هذا المنتج الكثير من الجدل في أوساط الصناعة المصرفية الإسلامية عندما كشف مصرفيون غربيون قبل نحو شهرين تورط بعض المصارف الخليجية في استعمال منتج المرابحة بقالب تقليدي مغلف على أنه منتج شرعي، بل تطور الأمر إلى وصف أحد المصرفيين الغربيين منتج "المرابحة" بأنه قد يتسبب في تراجع صناعة التمويل الإسلامي بسبب استخدامه على نحو غير مناسب.
وظهرت بوادر بانفراج " أزمة المرابحة الهادئة" الأسبوع الماضي عندما أعلنت "السوق المالية الإسلامية الدولية"، ومقرها البحرين، أنها في المراحل النهائية لتطوير مجموعة من القواعد الإرشادية التي يمكن أن تعمل على توحيد المعايير في تعاملات "المرابحة في السلع" وجعل صفقاتها أسرع وأقل تكلفة. وأطلقت الهيئة على هذه الاتفاقية، التي ينتظر تصديرها إلى المؤسسات المالية حول العالم, اسم" الاتفاقية الأساسية لعقود مرابحة الخزانة"MATP ، وهي? ?أول وثيقة مرجعية، وتحظى حالياً? ?بالمراجعة النهائية من قبل مؤسسات مالية إسلامية و تقليدية رائدة في تقديم خدمات التمويل الإسلامي،? ?على أن? ?يتبع ذلك مباشرة مراجعة نهائية من قبل علماء شريعة بارزين?.
وبحسب إجلال ألفي? ?الرئيس التنفيذي? ?للسوق المالية الإسلامية الدولية،? ?وهي? ?مؤسسة دولية تركز أعمالها على تطوير رأس المال الإسلامي? ?عالمياً ?: ''?فإن هذه الوثيقة ستيسّر بشكل كبير معاملات مرابحة السلع التي? ?تشكل الجزء الأكبر من معاملات السوق الإسلامية?''. ?وأضاف إن العقد الجديد سيتم وضع اللمسات الأخيرة عليه قريباً، دون أن يحدد وقتاً لذلك.

يحلل و يحرم
ويحاجج العارفون ببواطن هذه الصناعة بأن المجالس الفقهية المزروعة بكل بنك, تسهم في خلق تشريعات إفتائية للمنتجات الإسلامية تتفاوت من بنك لآخر.و يستدلون بذلك على منتج المرابحة المثير للجدل والذي يباح و يحرم وفقا لاجتهادات أعضاء الهيئة التشريعية لكل بنك. وأسهم ذلك التباين في الفتاوى إلى خلق أزمة الصكوك في المقام الأول والتي بدأت تلك الصناعة أخيراً في التعافي من تبعاتها.
وفي مؤتمر عقد لبحث مستقبل التمويل الإسلامي، قال إجلال ألفي: "كل بنك يتخذ قراراته الخاصة به، وما نحاول القيام به في هذا المقام هو وضع مستند موحد يعد معياراً للصناعة يمكن للجميع استخدامه." و أشار إلى إن الاستجابة للمستند الموحد تعد إيجابية، وتوقع قبولها على نطاق واسع. ولكنه أوضح أن هذا المستند غير ملزِم، على اعتبار أن 'السوق المالية الإسلامية الدولية‘ ليست جهازاً رقابياً ولا يتمتع بصلاحيات فرض القوانين ومعاقبة من يخرج عنها على حد قوله.
في حين قال خالد حمد رئيس مجلس إدارة السوق المالية والمدير التنفيذي لأعمال الإشراف على البنوك في المصرف المركزي للبحرين: "يسر السوق المالية أن تكون هي الرائدة في تطوير عقود الاتفاقيات التي من هذا القبيل، والتي ستغطي أكثر من 90 في المائة من تعاملات المرابحة في السلع في كثير من مناطق الاختصاص القضائي في جميع أنحاء العالم".

توحيد المعايير
يذكر أن صناعة التمويل الإسلامي ذكرت مراراً أن غياب المعايير والمستندات الموحدة يعد من أهم العراقيل التي تقف في وجه هذا القطاع سريع النمو. فالفقه الإسلامي منفتح على الاجتهاد، وهو ما يؤدي إلى اختلاف في الممارسات البنكية، وفقاً لما يقوله مستشارو المؤسسة المالية المعنية.
وقال ألفي: "أن الاتفاقية الأساسية لعقود مرابحة الخزانة التي ستتلقاها الأسواق قريباً ستكون أول اتفاقية يتم التوافق عليها عبر مدى جغرافي واسع من الدول التي تتبنى النظام المصرفي الإسلامي''.
من جانبه, قال لرويترز سافدار علم رئيس قسم الهيكلة الإسلامية لدى بنك جيه بي مورجان: "إن توحيد معايير التمويل الإسلامي يثار باعتباره عنق الزجاجة في هذه الصناعة ذات النمو السريع، ومن المنطقي أن يتم توحيد التعامل في "المرابحة في السلع" لأنه هو أكثر أنواع التعاملات استخداماً في الصناعة.

طريقة المرابحة
كثيراً ما تستخدم المعادن أساساً للمرابحة في السلع، ولكن في الحقيقة قد لا تكون هناك أشياء فعليه داخلة في هذه العملية.
وفي عقد المرابحة بالسلع، يستخدم البنك فائض سيولته لشراء السلعة بطريقة تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية وتشتمل هذه العملية على شراء سلعة من السلع كالمعادن التي يملكها بنك آخر لمدة زمنية محددة مسبقاً وبعائد محدد سلفاً. وبعدئذ يقوم المشتري بدوره ببيع السلعة بالسعر السائد، ويكون مديناً للبنك بالسعر المحدد الذي اشترى السلعة به. بعدها يقوم العميل بسداد تكلفة السلعة للبنك مضافاً إليها أتعاب البنك أو "ربح معين" في وقت لاحق.
وبهذه الطريقة، يحقق البنك ربحاً وفي الوقت نفسه يكون المشتري قد حصل على التمويل من البنك.
ولكن على الصعيد العملي، فإن السلع في كثير من هذه العمليات لا تنتقل من جهة إلى أخرى، وأحياناً لا تكون هناك سلع بالمرة، بل هي مجرد تدفقات نقدية بين البنوك والوسطاء.
يشار إلى أن الإسلام يحرم الفائدة ويشترط أن تكون الصفقات مبنية على موجودات أو أصول ملموسة، ذلك لأنه لا يجوز جني الربح من المال وحده.
ولكن إذا اتخذ العقد شكل المرابحة بالسلع، فإنه يمكن استخدامه أيضاً لتأمين النقد حين يقوم العميل بإعادة بيع السلعة، وبذلك تكون النتيجة الفعلية لهذه العملية بمثابة شراء المال من البنك مقابل تكلفة معدل الربح.

سلع لا تغطي جميع المعاملات
وقبل شهرين، دق روجييرو لوموناكو، مدير دائرة الشرق الأوسط والمنتجات الاستثمارية الخاصة الإسلامية لدى بنك أي بي إن أمرو الهولندي، ناقوس الخطر عندما ذكر أن الصناعة المالية الإسلامية تمر بوضع حرج مع منتج المرابحة، الأمر الذي قد يؤدي إلى "تراجع هذه الصناعة خلال فترة قصيرة جداً". وارتكزت حجة المصرفي الهولندي على أنه في بعض الأحيان لا يكون هناك ما يكفي من السلع المعنية لتغطية جميع المعاملات الجارية.
وقال أحد أبرز العلماء المسلمين، حسين حسن، في تقرير خاص اطلعت عليه وكالة رويترز:"إن عقد المرابحة هو واحد من أهم التحديات الداخلية والمعقدة التي تواجه صناعة الصيرفة الإسلامية".

انتقادات
وكانت تعاملات المرابحة في السلع قد تعرضت لانتقادات في الأعوام الأخيرة بسبب مخاوف من أنها مجرد تعاملات على الورق للالتفاف على أحكام الشريعة الإسلامية، ولا تتمتع بإمكانات حقيقية يتم فيها تبادل سلع فعلية بين الأطراف.
وقال مراقبون إن قيام العملاء من الناحية العملية "بشراء" الأموال بتكلفة نسبة الربح عن طريق بيع السلعة مرة أخرى لا يعدو كونه تعاملاً بالربا تحت اسم آخر. المستند الجديد الذي وضعته "السوق المالية الإسلامية الدولية" لا يناقش هذه القضايا، ولكن المصرفيين يقولون إنهم يعملون على بديل لتعامل "المرابحة في السلع".
يذكر أن البنوك الإسلامية تستخدم في الغالب اتفاقيات "المرابحة في السلع" لاستثمار فائض أموالها على نحو يتفق مع الأحكام الشرعية. ويتضمن هذا النوع من التعاملات شراء سلة من السلع موجودة لدى بنك آخر لمدة محددة سلفاً ومقابل مبلغ محدد سلفاً. ولكن هذا أثار جدلاً في الصناعة لأنه في كثير من التعاملات التي من هذا القبيل فإنه من الناحية العملية لا تجري أية عمليات مبايعة وشراء فعلية للسلع.
وقال أسيد خيلاني مدير الإدارة الشرعية في بنك أبو ظبي الإسلامي في إشارة إلى تحريم الإسلام للفائدة التي تقوم عليها الموجودات الملموسة:"مكمن الخوف هو أن السلعة أحياناً لا تكون موجودة وأن الوسيط يمكن أن يقوم بأعمال الغش". وأضاف "الوسيط يمكن أن يبيع السلعة نفسها إلى أكثر من بنك في الوقت نفسه. وقد تم اكتشاف ذلك في بعض الحالات، ولكن هناك وسطاء ملتزمين بأحكام الشريعة الإسلامية".
وأشار مراقبون إلى إن هذه العملية أشبه بعملية فورية على الورق، ولا توجد لها إلا علاقة ضئيلة بالسلعة الأساسية، الأمر الذي يعدونه مخالفاً للقاعدة التي تقول إن الربح يجب أن يأتي من موجودات فعلية على أرض الواقع".
يشار إلى أن السوق المالية الإسلامية الدولية تعمل حالياًعلى عدد من المبادرات الأخرى لتطوير السوق، التي تهدف بإخلاص إلى عولمة صناعة الصيرفة الإسلامية وأسواق رأس المال الإسلامية. مع العلم أن جميع مشاريع السوق المالية الإسلامية الدولية يتم اعتمادها بعد مشاورات مفصلة مع مؤسسات مالية إسلامية للتعرف على احتياجات الصناعة. ولقد تم على سبيل المثال خلال فترة إعداد اتفاقية المرابحة، الاستفادة من خبرات التشريع التي قدمها مؤسسو السوق المالية الإسلامية الدولية وأعضاؤها الدائمون في كل من البحرين،بروناي،إندونيسيا،ماليزيا،باكستان والسودان, إضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية. كما تم التعاون مع شركة استشارات قانونية دولية، وشركة تدقيق في عملية تطوير هذه الاتفاقية الأساسية.

الأكثر قراءة