في حال الاندماج.. أين تقع أسواق الأسهم الخليجية على مستوى العالم؟

في حال الاندماج.. أين تقع أسواق الأسهم الخليجية على مستوى العالم؟

نشرت "الاقتصادية" خلال الأسابيع الماضية سلسلة تقارير تحت عنوان (التكامل بين أسواق الأسهم الخليجية)، استكتبت من خلالها محللين ماليين ومسؤولي البورصات في المنطقة، وانتهت بجملة توصيات حول ضرورة التكامل بين هذه الأسواق بل أن هناك طروحات حول توحيد هذه البورصات أو تأسيس سوق ثامنة في المنطقة لتكون مركزا لاستقطاب الرساميل الأجنبية للمنطقة. وتجاوبا مع الملف الذي عرضته "الاقتصادية" على مدى ثمانية أيام، يعرض هنا الدكتور حسن العالي (اقتصادي بحريني) رؤيته في التكامل بين البورصات مستحضرا عدد من التجارب العالمية في توحيد البورصات وكذا العوامل المتوافرة في المنطقة لجمع بورصاتها تحت سقف واحد. ومن خلال هذا الطرح الإضافي للملف تتأكد الضرورة لاندماج البورصات الخليجية، وفي حالة اندماجها فعليا فلن تحتل أكثر من المرتبة 17 على مستوى العالم، فأين موقع أسواق المنطقة متفرقة حاليا بين البورصات العالمية؟ إلى التفاصيل:

وفقا لإحصائيات الفيدرالية العالمية للبورصات هناك أكثر من 16 بورصة في العالم تتجاوز قيمتها الرأسمالية تريليون دولار في مارس 2008 تتصدرها بورصة نيويورك (14.2 تريليون دولار) وطوكيو (أربعة تريليونات دولار) والبورصة الأوروبية (3.9 تريليون دولار) ونازدك (3.5 تريليون دولار) ولندن (3.4 تريليون دولار) وشنغهاي (2.6 تريليون دولار) وهونج كونج (2.2 تريليون دولار) والبورصة الالمانية (1.9 تريليون دولار) والكندية (1.8 تريليون دولار) والإسبانية (1.7 تريليون دولار) والبرازيلية (1.3 تريليون دولار) والسويسرية (1.2 تريليون دولار) والهندية (1.2 تريليون دولار) وأوسلو (1.2 تريليون دولار) والنرويجية (1.2 تريليون دولار) والأسترالية (1.1 تريليون دولار). وبالتالي، حتى في حالة توحيد البورصات الخليجية، فأن مجموع قيمتها الرأسمالية الموحدة الذي يقدر بنحو تريليون دولار لن يضعها سوى في المرتبة 17 من حيث حجم البورصات العالمية، ولن تحوز هذه الرأسملة سوى 1.8% من مجموع القيمة الرأسمالية للبورصات العالمية العضوة في الاتحاد والبالغ 55.6 تريليون دولار في آذار (مارس) 2008.

القاعدة المالية

لذلك، ونحن هنا نعقب على التحقيقات الموسعة والشاملة التي أجرتها "الاقتصادية" حول توحيد البورصات الخليجية أخيرا، يجب على المسؤولين في البورصات الخليجية أن يعتبروا تلك الأرقام حافزا لهم لشحذ الهمم نحو التوحد والاتحاد خصوصا أن السوق الخليجية المشتركة قد أطلقت العنان لتحرير عناصر الإنتاج والاستثمار – وهي القاعدة المادية – لتوحيد البورصات الخليجية – إلا إن القاعدة الفنية (أنظمة التسويات والمقاصة والإيداع) والقاعدة التشريعية (مساواة التعامل مع أدوات وأطراف وأجهزة السوق وشكل التعاون والتنسيق تشريعيا) جميعها أمور هي بيدهم.
السوق المشتركة مثلما هو الاتحاد النقدي لا يعنيان تلقائيا توحيد البورصات كما هو واضح من تجربة الاتحاد الأوروبي، خصوصا أن البورصات هناك هي مؤسسات خاصة تهتم أساسا بتنظيم التداول في السوق بينما توكل قضايا التشريع والرقابة والإصدارات الأولية لهيئة البورصة التي لها كيان مستقل وقوي. لذلك، فإن تلك البورصات – أي الأوروبية – قد لا تتحدث عن توحيد وإنما عن اندماج أو شراء أو غيره من الخطوات الموجهة بعوامل الربح والخسارة. وقد نتوقف هنا قليلا للدعوة إلى فصل الوظيفة الفنية للبورصات الخليجية عن الوظيفة الرقابية والتشريعية، مثلما فعلت سلطنة عمان في تجربة متقدمة، وقامت بتخصيص البورصة ثم لحقتها دبي وسبقتها بإدراج أسهم البورصة في البورصة نفسها. مثل هذا الفصل يسهل قرارات التوحيد والتنسيق.

التجربة الأوروبية

عودة للتجربة الأوروبية والتجارب العالمية عموما في مجال توحيد البورصات، وكما ذكرنا، يبدو أن توحيد البورصات – بما تعنيه من توحيد عمليات الاستثمار نفسها (حرية الاستثمار في الأدوات المالية)، وتوحيد لاعبي السوق (حرية عمل أو قيام شركات مشتركة بين سماسرة وصانعي السوق ومديري الاستثمار والمستشارين وغيرهم)، وتوحيد أنظمة السوق (المقاصة والتسويات والإيداع) وتوحيد التشريعات (الشكل القانوني للتوحيد ودور البورصة الموحدة وتوحيد التعامل مع الأدوات المصدرة وتشريعات الإصدار والإفصاح والتداول وغيرها) - نقول إن التوحيد إذا كان المقصود به كل هذه الخطوات، فإنه من الواضح في ظل تجربة تكامل إقليمي كما هو حال التجربة الأوروبية أو الآسيوية أو اللاتينية أو الخليجية لن يتم إلا بعد قيام السوق المشتركة، لأن قيام هذه السوق ينطوي تلقائيا على تحرير عناصر الإنتاج والاستثمار وهي تمثل القاعدة المادية لتوحيد البورصات. لكن توحيد البورصات بحد ذاته يمثل بالنسبة للعديد من منظري التكامل الاقتصادي الإقليمي شرطا ضروريا للاتحاد النقدي، على الرغم من أن التجربة الأوروبية لم تتبع هذا النهج من الناحية العملية.
وقبيل اتفاقية الاتحاد النقدي في ماستريخت عام 1992، صدر تقرير ديلور عام 1988 الذي رأى أن تحقيق التكامل النقدي يتطلب توحيد عملات كل دول الاتحاد في عملة واحدة يتم التعامل بهـا بين هذه الأقطـار، وهذه الدرجة العالية من التكامل تتطلب إيجاد بنك مركزي واحد للمنطقة ككل ، بكما يتطلب توحيد الأسواق والسياسات المالية أيضا.
لهذا السبب أنشأ المجلس الأوروبي (الذي يضم رؤساء دول وحكومات بلدان الجماعة الأوروبية) في كانون الثاني (يناير) 1988 لجنة برئاسة جاك ديلور وتضم محافظي البنوك المركزية للدول الأعضاء وذلك لوضع الخطوات التي تؤدي إلى قيام الاتحاد الاقتصادي والنقدي. وقد اقترحت هذه المجموعة خطة لتحقيق الوحدة النقدية ووضع التقرير ثلاثة قواعد لهذه الوحدة: التوحيد الشامل للعملات، تكامل البنوك والأسواق المالية، إلغاء هوامش التذبذبات والمحافظة على المساواة في أسعار الصرف للعملات الأعضاء.
أما اتفاقية ماستريخت نفسها فقد اعتبرت أن هدف السياسة المالية هو تامين التنسيق الجيد بين السياسات والأسواق المالية لحكومات الدول الأعضاء للمساعدة على إيجاد مزيج مناسب بين سياساتها الاقتصادية وهذا أمر ضروري من وجهة نظر السياسة النقدية ونظرا لوجود مجموعة من الميزانيات الوطنية كان من الضروري ممارسة رقابة دقيقة متبادلة وتنسيقا بين مختلف السياسات المالية في اقتصاديات الدول الأعضاء.
وبعد قيام الاتحاد النقدي اعتبرت عمليات السوق المفتوحة الأداة الرئيسية للعمليات النقدية في الإتحاد الأوروبي، ويمكن إجراء عمليات السوق المفتوحة في شكل معاملات عكسية ومعاملات خالصة وإصدار شهادات ديون ومبادلات صرف أجنبي وجمع ودائع الأجل الثابت ويستهلكها البنك المركزي الأوروبي غير أنه يتم تنفيذها عادة من خلال البنوك المركزية الوطنية وتوجد أربعة أنواع من عمليات السوق المفتوحة هي عمليات السوق المفتوحة الأسبوعية، والتمويل الطويل الأجل والتمويلات الموجهة للتحكم في التقلبات في السوق وتمويل العمليات الهيكلية ويستخدم لتوجيه الوضع الهيكلي للقطاع المصرفي.
وقد جرت عدة محاولات لدمج أو توحيد البورصات الأوروبية لكن لم يكتب لها النجاح حتى الآن على الرغم من أن المسؤولين والاقتصاديين الأوروبيين يعترفون أن ذلك يشكل تقصيرا في استثمار الاتحاد النقدي، كما أنه معوق لتفعيل الاتحاد النقدي كذلك. ويقول الباحث الروماني أوفيدو ستويسا في ورقة حول "تكامل أسواق المال الإقليمية والسوق الأوروبية الموحدة في الخدمات المالية" عام 2005 إن جهود توحيد البورصات الأوروبية بدأت تتكثف ابتداء منذ عام 2000 أي بالتزامن تقريبا مع الاتفاق على الوحدة النقدية وقبيل إصدار العملة الموحدة عام 2002. وهو ما يشير إلى السعي لجعل توحيد البورصات إحدى الخطوات التي ستسهل الوحدة النقدية. وكان الحافز الرئيس لذلك هو الحالة المجزأة للبورصات الأوروبية مما يظهرها في صورة القزم أمام البورصات الأمريكية. وحالة "التجزئة" في الأدب الخاص بأسواق المال تقترن بوجود "عدم الكفاءة" وهو مفهوم محوري أيضا في أسواق المال، فمعظم البحوث والنظريات التي بحثت في هذه الأسواق بحثت في كيفية تحقيق كفاءة أسواق المال، فكلما تحققت هذه الكفاءة كلما استطاعت الأسواق تأدية دورها بصورة سليمة. وقد كانت أشهر تلك المحاولات توحيد البورصتين الألمانية والإنجليزية حيث استمرت المفاوضات بينهما عامان تبادلا خلاله جميع الاتهامات بعدم المرونة سواء من حيث أنظمة التداول أو التشريعات.
ومن وجهة نظر الباحث، التوحيد التشريعي يلعب دورا رئيسا لأن الوحدة النقدية تخفف أو تزيل مخاطرة تقلب العملات في الاستثمار عبر البورصات الموحدة إلا إنها لا تزيل مخاطرة البلد نفسه. كما يضيف عوامل أخرى كمعوقات للتوحيد مثل البناء المؤسسي للبورصات وتفاوت الثقافات والمفاهيم.

شروط التكامل

ونتجه نحو الشرق، للتعرف على تجربة توحيد البورصات الآسيوية، حيث يرى الأكاديميان ريد كليك وميشيل بلمر في ورقة بحث حول "توحيد البورصات في دول الآسيان بعد الأزمة المالية" أعداها عام 2003 أن أهمية توحيد البورصات الآسيوية برزت بصورة أكبر بعد الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 وذلك بهدف تخفيف اعتماد الشركات على البنوك وتحفيزها للتحول نحو إصدارات الأسهم والسندات داخل بلدانها وخارجها. مع تكامل الأسواق، سوف يتمكن المستثمرين من اختيار المشاريع الأكثر كفاءة وعائدية مما يحفز الإنتاج والكفاءة على مستوى الاقتصاد الكلي. كما أن توسعة قاعدة السوق من حيث المشاركين والأدوات يعني إضفاء المزيد من العمق والسيولة على الأسواق ويخفض تكاليف تنفيذ العمليات والصفقات في البورصة ويشجع على إدراج أسهم المزيد من الشركات، كما يجعل تلك البورصات أكثر جاذبية للمحافظ الاستثمارية الأجنبية. وقد أجرى الباحثان بعض النماذج الإحصائية لاختبار مدى تكامل البورصات الآسيوية في اندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند – على الرغم من عدم وجود أي شكل من أشكال التنسيق التشريعي بينها – وقد توصل الباحثان إلى أن وجود مناطق حرة ومشاريع مشتركة أسهما بشكل كبير في وجود نوع من التكامل من حيث تحركات المؤشرات السعرية، أي من الناحية الاقتصادية، إلا أنه تكامل غير كامل نظرا لاستمرار وجود مخاطر العملات ومخاطر البلد ومخاطر السوق. لذلك طالبت الدراسة بالدخول في عمليات مفاوضات جماعية لتحقيق ذلك التكامل، مستخلصة أن توحيد أسواق المال هو جزء من عملية تكامل اقتصادي أكبر من حيث موقعها في تسلسل عمليات التكامل، قد تشكل شرطا مسبقا يجب تحقيقه لقيام الوحدة النقدية.

بورصات آسيا

وأخيرا، يرى الدكتور طارق حسن رئيس هيئة سوق المال في باكستان في بحث له حول " تكامل أسواق المال في جنوب آسيا" ضرورة توافر الشروط التالية لتحقيق قيام تكامل بين أسواق المال وهي: التقارب بين قوى السوق، بيئة محفزة وخاصة السياسية والاقتصادية، التوافق الاجتماعي – الاقتصادي في الثقافة والمفاهيم، تنسيق الهيئات واللوائح التشريعية على أن يتم توحيدها لاحقا، إطار مؤسسي فاعل يحكم عملية التوحيد ويديرها، اعتراف السلطات القضائية بالتوحد، تنسيق وتعاون بين أجهزة وأطراف السوق، وتنسيق وتوحيد أنظمة السوق مثل المقاصة والتسويات والإيداع ولوائحها مثل متطلبات الإدراج والتداول والإفصاح وغيرها.

الأكثر قراءة