رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الاستفادة من التراكمات المالية في التجمعات الصناعية

[email protected]

تعتمد استدامة النمو الاقتصادي بشكل أساسي على السياسات الاقتصادية المتبعة، التي تتكون من خليط يضم السياسة النقدية، السياسة المالية، والأطر المؤسسية والقانونية. وتختلف أساليب التنمية من بلد إلى آخر تبعاً لتوافر عناصر الإنتاج والميزة التنافسية لهذه العناصر، إلى جانب الرؤية الاستراتيجية لمخططي التنمية الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، عندما تكون تكلفة العمل (اليد العاملة) منخفضة في أحد البلدان، يتم تشجيع الصناعات المعتمدة على كثافة اليد العاملة لتحسين تنافسية مخرجات الإنتاج في السوق العالمية، بينما تعتمد البلدان ذات التكلفة العالية لليد العاملة نسقا إنتاجيا يكثف استخدام رأس المال والتكنولوجيا.
وانتهج بعض الدول النامية سياسات التنمية القطاعية، التي يقود التنمية فيها قطاع معين بمعدلات نمو مرتفعة, حيث تقوم القطاعات الأخرى بتوفير مدخلات إنتاج أو خدمات مساندة، وينتج عن ذلك تنمية اقتصادية تتعدى القطاع القائد إلى بقية القطاعات، ومع تفاوت درجة استفادة القطاعات من النمو يبقى من المؤكد استفادتها من تأثير الفائض Spillover Effect. كما اتبع كثير من الدول النامية سياسات تركز على قيادة قطاع معين للنمو الاقتصادي، وتعد تجربة معظم الدول جنوب شرق آسيا من أنجح الأمثلة على التنمية القطاعية، حيث جنحت النمور الآسيوية إلى تنمية القطاع الصناعي عن طريق رسم استراتيجيات نمو ترتكز على التنمية الصناعية المجمعية Cluster Based.
وتقوم فكرة التنمية الصناعية المجمعية "المجمعات" على قيام مدن صناعية تجتمع فيها الشركات العملاقة مع صغار الموردين المحليين، وغالباً ما تكون الشركات المنتجة فروعا لشركات أجنبية أو لشركات متعددة الجنسية MNCs. وعن طريق نظم إدارية، مالية، تسويقية، تقنية، وبحثية تتكون للمجمعات ثقافتها الاقتصادية الخاصة، ما يدل على إمكانية نشر مفاهيم أعمال ذات طابع عالمي ومتفق عليه من قبل الشركات العابرة للقارات في البيئة المحلية. ولا تقتصر المجمعات الصناعية على نوع معين من الصناعات، فقد تشمل الصناعات المعتمدة على الموارد الطبيعية مثل التعدين ومصانع الذهب، الصناعات بسيطة التقنية مثل الملابس والأثاث، أو عالية التقنية كصناعة الإلكترونيات والتقنية الحيوية.
 ومع وجود العوائد النفطية المتراكمة لدى المملكة في السنوات القليلة الماضية، تبرز الحاجة إلى استحضار نماذج الاستثمار التي تبتعد عن استثمارات البنية التحتية وتقترب للمشاريع الإنتاجية ذات النمو المستدام. فبجانب تزايد المنافسة الدولية على إنشاء مجمعات صناعية رائدة على صعيد البحث والتطوير وتصميم منتجات وأساليب عمل فاعلة وذات قيمة مضافة للتقنية المحلية بحيث تؤدي المنافسة إلى تمايز مجمع صناعي عن الآخر في سعي دائم إلى زيادة الحصة السوقية في جذب الاستثمارات الأجنبية وإلى تحسن المخرجات كماً ونوعا, ما يشير إلى حدوث تطور تقني وتراكم رأسمالي ينتجان نمواً مستداما. لذا، يجب التركيز على تعميق وتوسعة هذه الاستثمارات وتوطينها محلياً بالاعتماد على الإنفاقين العام والخاص. ولكي يكون التجمع الصناعي تنافسياً على مستوى السوق العالمية، تلجأ منشآت المجمعات إلى التعامل والتحالف الاستراتيجي مع شركات أجنبية تكون بمنزلة مصدر للمعرفة التقنية وطرق التصنيع، كما يشكل تطوير التقنية المكتسبة حجر الأساس للرقي بالصناعة المحلية إلى مستوى تقني أكثر تعقيداً.
ومن أهم ما تتميز به مجمعات التصنيع استهداف الزبون العالمي بغض النظر عن السوق المحلية، فالاستهداف للسوق أياً كانت جغرافيتها. ويعد استهداف مجمعات التصنيع للزبون العالمي وقدرتها على استمالته مقياسا لمدى جاهزية البلد ككل لخوض غمار المنافسة العالمية في بيئة تجارية حرة. والميزة الأخرى التي لا تقل أهمية عن سابقتها هي تبني مجمعات التصنيع فلسفة تشجيع النمو عموماً سواء أكان إحلالا للواردات في سبيل الوصول إلى تنمية مستدامة لها القدرة على امتصاص مختلف الهزات والتقلبات الاقتصادية أم لتشجيع الصادرات. فعلى سبيل المثال، نجد بعض المجمعات الصناعية في دول جنوب شرق آسيا تستهدف السوق الأوروبية دون أن تضم السوق المحلية إلى النطاق المستهدف، ما يؤدي إلى التفوق التجاري للبلد المصدر، وتسارع في التدفق النقدي للعملات الأجنبية، وتراكم للاحتياطيات النقدية، وزيادة في الإنتاجية والكفاءة تتأتى من تأقلمه مع ظروف المنافسة الدولية ومعايير السوق العالمية. من جانب آخر، نجد أن سياسات اقتصادية في أوقات الأزمات الاقتصادية تستهدف تحفيز النمو المحلي لتلبية الطلبين العام والخاص بأسلوب مرن يمكن تحويله إلى الأسواق العالمية حين يتوافر الطلب. وتتكامل مجمعات التصنيع مع هدف جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحسين التبادل التجاري وتنويع القاعدة الاقتصادية للدول النامية، حيث يرى المستثمر الأجنبي في هذه المجمعات فرص توسع وخلقا لأسواق جديدة ولبدائل تكسبها ميزة تنافسية في السوق الدولية والدخول للأسواق سريعة النمو كالسوق السعودية.
أخيراً، على البلدان الهادفة إلى الاستفادة من الفوائض المالية المتراكمة ومن ميزات المجمعات الصناعية, المساهمة في بيئة تعاون مشترك مع قطاع الأعمال في الدول الصناعية عن طريق القنوات الرسمية وقنوات مجتمع الأعمال، إضافة إلى تهيئة البنى التحتية والأطر القانونية والتشريعية لتسهيل عملية الدمج الاستراتيجي للصناعات الوطنية في السوق العالمية, إلى جانب توفير طريق نجاح ومقاومة لدورات الركود الاقتصادي تختلف في الاقتصاد المحلي عن نظيره العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي