رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الدول الكبرى لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة

عندما قرأت مقال رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" الأستاذ عبد الوهاب الفايز بعنوان "ماذا لو كانت الأزمة لدينا؟" يوم الإثنين 5/11/1429هـ الموافق 3/11/2008 وجدت أنه أجاب عن السؤال بمقاله المختصر المركز على الممارسات العملية التي حصلت عام 1997 عندما كانت الأزمة المالية قد حلت بدول النفط ، ودول آسيا فكانت الدول الأوروبية والأمريكية بموقف المتفرج على هذه الدول إذ لم تقدم أي مساعدات، وكذلك الحال عند انهيار أسعار النفط في منتصف الثمانينيات. وقد وفق في الإجابة عن السؤال الذي طرحه كعنوان معتبراً أن سياسات الدول الكبرى ماهي إلا (سياسات هيمنة وتكريس مصالح) ولا شك أن كثيراً من المختصين يؤيدونه في كل ما ذهب إليه، ولكون الأستاذ عبد الوهاب أشار إلى مساعدات صندوق النقد الدولي التي تقترن "بشروط قاسية أقرب ما تكون للعقاب والإخضاع والتدمير للاقتصاد على المدى البعيد " ولتأييدي التام لكل ما ذكر فإني رأيت أن أعقب على ذلك مؤكداً أن الدول الكبرى لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة باعتبارها دولاً استعمارية مادية رأسمالية استغلت ثروات كثير من الدول، وما ذكره عن مساعدات صندوق النقد الدولي قليل من كثير, فقد وجه لهذا الصندوق نقد جارح في عدم حياديته وتجرده لأن الدول الكبرى بالذات ــ الولايات المتحدة ــ تتحكم في سياسات الصندوق، ولا يمكن إيراد كل ما كتب عن ذلك من نقد، وقد أوردت بعضاً منها في رسالتي للدكتوراة التي موضوعها (صندوق النقد الدولي .. دراسة للجوانب القانونية لنظام الصندوق ونشاطه) (في الجزء الأول ص /327 ــ 338 ط (2) 1413هـ ــ 1993 ـ مكتبة العبيكان)، وحول التسهيلات أو القروض التي يقدمها فقد ذكر أن (شروط وبرامج التكيف التي يفرضها الصندوق توصف بأنها تعكس تحيز الصندوق، وكأنه يتبع أسلوب التعجيز للدول النامية والفقيرة لتبقى التبعية للغرب قائمة .. إلخ)، وقال أحد ممثلي الدول: (أعتقد أن مؤسسة دولية من نوع صندوق النقد الدولي لا يتبع سياسة سليمة حينما تسمح لنفسها بأن تتأثر بنفوذ أحد الأعضاء) ويعني بذلك الولايات المتحدة، ولذا ـ كما ذكرت آنفا ـ فإن هيمنة وسيطرة الدول الكبرى وبالذات ـ الولايات المتحدة ـ على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وتحكمها في سياسات كل منهما ما جعلهما لا يقومان بواجباتهما، وتحقيق الأهداف التي أنشئ كل منهما من أجلها بحياد وتجرد فأصبح كل منها بمثابة أداة استعمارية طالما كانا في تحكم الدول الاستعمارية الكبرى بالذات الولايات المتحدة التي ترى أنها دولة فوق الدول.
وزيادة في إيراد ما يؤيد ما سبق قوله من عدم الاهتمام بأوضاع وأزمات الدول النامية والفقيرة أن أذكر ما سمعته أثناء حضوري اجتماعات صندوق النقد الدولي عام 1985, إذ في هذا الوقت كانت أسعار النفط منخفضة بشكل أضر بالدول المنتجة للبترول، وملخص ما سمعت مبادرة ممثل العراق, إذ طلب في خطابه الذي ألقاه إقرار تسهيل مالي لمساعدة الدول النفطية المتضررة من جراء انخفاض أسعار البترول بمثل ما سبق أن قرر بإيجاد تسهيل تمويل للنفط لمساعدة الدول الأعضاء الأكثر تضررا من ارتفاع أسعار البترول، وما استتبع ذلك من إيجاد (حساب إعانة تسهيل النفط) للتخفيف من عبء فوائد تسهيل تمويل النفط، ورغم وجاهة الطلب (أو المقترح ) فإنه لم يلق القبول أو التأييد، وبعبارة أوضح لم يلتفت إليه لأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تقبل بالمقترح فتوجه الصندوق بقبوله ،وهذا مثال بسيط يوضح بجلاء أن الدول الكبرى تهتم بمصالحها ـ فقط ـ ولا تهتم بمصالح الدول النامية والفقيرة فإذا ما حصلت أزمة مالية أو كارثة فإنها تقف موقف المتفرج الذي لا يهمه ولا يعنيه ما يحصل لهذه الدول التي استغل خيراتها إبان الاستعمار لها، ولكن بعد أن حصلت الأزمة المالية بسبب قروض الرهن العقاري، وما استتبع ذلك من خسائر مالية لبعض البنوك الأمريكية والأوروبية نجد قادة هذه الدول يهبون طالبين من الدول النفطية المساعدة على ضخ الفوائض المالية لديها في استثمارات لمعالجة آثار الأزمة المالية (التي وصفت بالعالمية) لما لها من آثار مباشرة وغير مباشرة في دول أخرى كانت لها استثمارات مالية في البنوك الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، الذي يخشى منه أن المساعدة باستثمار أموال الدول النفطية قد لا تعود إلى أصحابها نتيجة السياسات التعسفية الابتزازية التي تمليها الدول الكبرى بهيمنتها على المؤسسات المالية والنقدية الدولية (الصندوق والبنك الدوليين، وما يتبعهما من مؤسسات فرعية)، فالدول الكبرى ـ وصفت بذلك ـ لأن أموالها وثرواتها كبيرة جداً، وتريد المحافظة على هذه الأموال والثروات، وتفقر الدول الأخرى لتبقى التبعية قائمة ومستمرة، وهذا واضح من سياساتهم العدوانية والتحايلية الابتزازية، وإلا كيف يحصل ما نسمعه في وسائل الإعلام من تحركات؟! فضلا عن الزعم بأن الدول النفطية دول (غنية) بعائدات أسعار النفط مع أن أسعارها متقلبة بين الارتفاع والانخفاض ناهيك أنها المورد الوحيد الناضب الذي لا يمثل الدخل منه ولا جزءا بسيطا جدا من دخل أصغر دولة من الدول الكبرى.
لكل ما تقدم ذكره فإني أختم القول بأن قادة الدول النفطية يعرفون ما ذكرته ويعرفون أكثر منه بكثير بحكم موقعهم ومسؤولياتهم وإدراكهم، ولذا فإنهم سيتخذون السياسات التي تحفظ وتحمي مصالح أوطانهم ومواطنيهم من أطماع المتربصين من الدول المادية الرأسمالية وغيرهم، والله يوفقهم إلى كل خير فهو الحامي من كل الشرور والأضرار إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي