البرازيل تنضم إلى نادي أصحاب الاحتياطيات النفطية الضخمة

البرازيل تنضم إلى نادي أصحاب الاحتياطيات النفطية الضخمة

تتالت الإعلانات عن اكتشافين بتروليين في البرازيل في غضون بضعة أسابيع. ومع أن علامات الاستفهام تحيط بالأول، وعدم وضع تفاصيل حول حجم الاحتياطي في الإعلان الأخير، إلا أن أي اكتشافات في هذا الوقت الذي تعيش فيه السوق حالة من الشح تعطي ثقلا للبرازيل، خاصة إذا أضيف إليها حقل توبي المكتشف في نهاية العام الماضي.
فقد تم الإعلان الأسبوع الماضي عن اكتشاف بالقرب من حقل توبي في حوض سانتوس على بعد 250 كيلو مترا بعيدا عن ساو باولو، ويعمل في المربع كونسورتيوم تقوده "بتروبراس" بحصة 66 في المائة، ومعها "رويال داتش شل" بنسبة 20 في المائة والبقية لشركة غاب إينرجيا البرتغالية.
ولم يعلن عن حجم احتياطيات في هذا الاكتشاف، لكن التقديرات الأولية بالنسبة للاكتشاف السابق أن الاحتياطيات التي أعلن عن اكتشافها قد تحتوي على 33 مليار برميل من النفط والغاز، وإذا تم التأكيد على هذه المعلومات فسيكون هذا أكبر اكتشاف في غضون فترة 32 عاما.
الحقل الذي يفترض أن يحتوي على هذه الكميات هو حقل كاريوكا، الذي يقع في حوض ساندوس، ويلي ما أعلن عن اكتشاف في العام الماضي لحقل توبي، الذي قدرت حجم الاحتياطيات فيه بين خمسة وثمانية مليارات برميل. وإذا تم تأكيد الحجم الجديد من الاكتشافات فستتجاوز البرازيل من ناحية الاحتياطيات كلا من المكسيك والولايات المتحدة بعد أن كانت في المرتبة الثالثة. وقبل ذلك كان حجم الاحتياطي النفطي البرازيلي في حدود 12 مليار برميل.
الوكالة الوطنية للنفط أبعدت نفسها قليلا عن الإعلان الأخير الذي صرح به رئيسها هارولدو كيما، الأمر الذي يثير علامات استفهام بشأنه. ورغم أن الشركات الأجنبية أمثال "ريبسول" الإسبانية المشاركة في عمليات التنقيب قالت إنها لا تزال تجري المزيد من الاختبارات لمعرفة حجم الاحتياطي الفعلي، لكن لم يتم استبعاد الأرقام المتداولة كلية.
الحقلان المكتشفان يقعان في الأرضية البحرية، أي في مجال المياه العميقة، الأمر الذي سيأخذ وقتا أطول في الاستخراج، كما أن التكلفة يمكن أن تكون عالية. ويذكر أن أول بئر حفرت في حقل توبي العام الماضي كلفت 240 مليون دولار.
احتياطي البرازيل يمكن أن يضعها في منطقة وسطى بين نيجيريا وفنزويلا وحقل توبي المكتشف العام الماضي باحتياطي يراوح بين خمسة وثمانية مليارات برميل، أو نحو 40 في المائة من النفط المكتشف، سيرفع من مكانة البرازيل من مجرد دولة مكتفية ذاتيا إلى مصدرة.
حقل توبي سينتج في البداية نحو 100 ألف برميل يوميا، يمكن أن تصل إلى مليون برميل عام 2020، وهو ما سيتجاوز إنتاج أكبر حقل في ألاسكا وهو برودهو باي. على أن رياح الوطنية النفطية التي تهب على المنتجين بقيادة فنزويلا أدت إلى قيام البرازيل بسحب 41 مربعا كانت معروضة في المزاد على الشركات للتنافس عليها، كما أعلن عن اتجاه لمراجعة القوانين التي تحكم الصناعة النفطية، بل إن الرئيس لولا دا سيلفا أوضح أنه يمكن أن يفكروا في الانضمام إلى (أوبك) ربما في 2011 وبعد نمو الإنتاج بصورة ملحوظة. ويتوقع أن تكون البداية بحفر 100 بئر لتطوير حقل توبي، وهو ما يتطلب إنفاقا يراوح بين 50 و100 مليون دولار للتطوير، علما أن التقديرات أن أول بئر ستكلف 240 مليونا وتحتاج إلى عامين لحفرها، بينما ستكلف الآبار التالية 60 مليونا وتسغرق فترة ستة أشهر في المتوسط لاستكمالها، كما أن الحفر سيتم على عمق 30 ألف قدم، وهو يحتاج إلى حفارات معينة يوجد منها نحو 40 فقط في العالم خاصة في تكساس، وعلى رأسها الحفارة الشهيرة "ترانس أوشن" العاملة في خليج المكسيك. وبعض هذه الحفارات يكلف 600 ألف دولار في اليوم.
وإذا اتجه حقل توبي إلى إنتاج مليون برميل، فإنه سيحتاج إلى مرافق للتحميل يكلف الواحد منها المليار دولار، علما أن أكبر مرافق التحميل التابعة لشركة بتروبراس الموجودة حاليا تعمل بطاقة 180 ألف برميل يوميا.
أما الاكتشاف الأخير فيقع على عمق ستة أميال تحت سطح المحيط وفي مكامن ساخنة يمكن أن تذيب الحديد الذي ينقل اليورانيوم إلى المعامل النووية. ويتطلب ذلك معدات لها قدرة على تحمل ضغط عال يصل إلى 18 رطلا في البوصة الواحدة المربعة، وهو ما يكفي لتحطم شاحنة، كما يحتاج إلى أنابيب يمكنها تحمل درجة حرارة تصل إلى 500 درجة فهرنهايت، والحفر بطريقة وقدرة على اختراق طبقات من الملح بسمك يزيد على الميل، وبعمق يصل إلى 32 ألف قدم. وتكاد هذه الخصائص تماثل ما تشهده مناطق أخرى مثل غرب إفريقيا وخليج المكسيك المجاور. وعلى كل هناك حاجة لفترة ثلاثة أشهر على الأقل لتقييم الوضع الخاص بحقل كاريوكا الجديد، وإذا صدقت التقديرات بأنه يحتوي على احتياطي في حدود 33 مليار برميل، فإنه سيكون ثالث حقل في العالم بعد الغوار السعودي وبرقان الكويتي.
وهذا الاكتشاف يمثل تحديات هندسية عويصة بالعمل في أعماق المحيط وفي طيقات ملحية، ولو أن توافر إمكانية التصوير السيزمي ثلاثي الأبعاد سهلت من الأمر بصورة ما بما يساعد في التغلب على هذه العقبات.
كما أن تمويل العمل في الاكتشافات الجديدة يمثل من جانبه تحديا من نوع آخر، وهو ما دفع الشركة الوطنية "بتروبراس" إلى التفكير في مجال الأوراق المالية وحشد نحو أربعة مليارات دولار عبرها كل عام وحتى 2012 كما تشير بعض التقديرات، علما أنها كانت تقوم بحشد في حدود 800 مليون دولار خلال الفترة بين عامي 2001 والعام الماضي في المتوسط. وعمليات الاقتراض هذه يمكن تمديدها على فترة عشر سنوات، علما أن "بتروبراس" عليها ديون في الوقت الحالي تصل إلى 21.9 مليار دولار.
البرازيل تعتبر عاشر مستهلك للنفط في العالم والثالث في غرب الكرة الأرضية بعد الولايات المتحدة وكندا، والإنتاج النفطي لها يتوقع له أن يبلغ هذا العام 2.64 مليون برميل يوميا، وبما أن الاستهلاك يتجاوز المليوني برميل قليلا، فإن هناك فرصة في وجود فائض قليل يمكن تصديره.
وكانت الشركة الحكومية "بتروبراس" تسيطر على كل مرافق الصناعة النفطية في البلدان حتى عام 1997 عندما بدأت بعض إجراءات تخفيف قبضة الدولة على الصناعة والسماح بشيء من حرية الحركة، وعليه تم إنشاء الوكالة الحكومية النفطية لتصبح مسؤولة عن الأداء في القطاع الصناعي وإعطاء التراخيص ومراقبة التنفيذ. وتعتبر شركة "رويال داتش شل" أول الواصلين من الشركات الأجنبية، وأعقبتها شركة ديفون الأمريكية، لكن تظل "بتروبراس" مسيطرة على 95 في المائة من الإنتاج النفطي في البلاد. وتأتي البرازيل في المرتبة الثانية إنتاجا للنفط بعد فنزويلا وقبل كل من الأرجنتين، كولومبيا والأكوادور، وهؤلاء الثلاثة ينتجون أقل من مليون برميل يوميا.
إلى جانب النفط، فإن في البرازيل احتياطيا من الغاز الطبيعي يبلغ 10.8 تريليون قدم مكعب، لكن لم يتم تطوير إنتاج الغاز الطبيعي، حيث إن الإنتاج بلغ 345 مليار قدم مكعب.
ومع موجة الوطنية النفطية المشتعلة في أمريكا اللاتينية بفضل سياسات هيوجو شافيز في فنزويلا، فإن "بتروبراس" ستظل مهيمنة على مسيرة الاكتشاف الأخير والصناعة النفطية عموما في البرازيل. ويتضاعف دورها لسيطرتها على شبكة النقل من خلال الشركة الفرعية ترانسبيرتو التي تدير شبكة طولها أربعة آلاف ميل لنقل الخام إضافة إلى مرافق التحميل.
وللبرازيل طاقة تكريرية في حدود 1.9 مليون برميل يوميا تتوزع على 13 مصفاة تدير "بتروبراس" 11 مصفاة منها، أكبرها تلك التي تقوم بتكرير 360 ألف برميل يوميا وتعرف بمصفاة باوليني في ساو باولو.
الاكتشاف سيسهم في توجيه ضربة إلى نظرية ذروة النفط، خاصة والعام الماضي شهد الإعلان عن اكتشافات نفطية مهمة في كل من غانا، الكنغو برازفيل، أنجولا، الجابون، غينيا بيساو، سيراليون، الجزائر، مصر، الكاميرون، نيجريا، تنزانيا، يوغندا، ساوتومي وبرنسيب، لكن يبقى توفير حجم الاستثمارات المطلوبة في الوقت الملائم إلى جانب التقنية حتى يمكن استغلال هذه الاحتياطيات.

الأكثر قراءة