رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أخي المواطن الخليجي .. لا توجد سيولة نقدية!

[email protected]

يجب عليك أخي المواطن الخليجي ألا تندهش عندما تقف أمام أحد أجهزة الصراف الآلي المنتشرة في الشارع الخليجي وتهم بإجراء عملية سحب نقدي ثم يوافيك الصراف الآلي برسالة "نعتذر عن خدمتك في الوقت الراهن".
ولكن عليك أخي المواطن الخليجي أن تندهش عندما تتوجه إلى أقرب فرع من فروع مصرفك والتقدم إلى الصراف "غير الآلي" بطلب سحب جزء من رصيدك المالي، فيفيدك الصراف "غير الآلي" بأن "الفرع خال من السيولة النقدية بسبب نقص في مستوى السيولة النقدية لدى خزانة المصرف الرئيسة، وعليك الانتظار أياما وقد تكون أسابيع حتى يتمكن الفرع من تأمين احتياجاتك، أو على أقل تقدير، جزء منها حين تتوافر سيولة نقدية لدى خزانة المصرف الرئيسة"!.
خلو خزائن المصارف الخليجية من السيولة النقدية ما هو إلا سيناريو نسأل الله, عز وجل, ألا يحدث، ولكنه سيناريو مفترض قائم يهدف إلى وضع خطة إدارة مخاطر مالية خليجية تهدف إلى تفادي وقوع مثل هذا السيناريو، أو على أقل تقدير، تقليل الخسائر الناجمة بعد حدوثه.
تتجه أدبيات إدارة المخاطر المالية في سعيها نحو تفادي وقوع خطر ما، أو على أقل تقدير، تقليل الخسائر الناجمة بعد وقوع الخطر إلى افتراض حدوث أسوأ الاحتمالات، ومن ثم تطور خطة استراتيجية من شأنها تفادي وقوع الخطر، أو على أقل تقدير، تقليل الخسائر الناجمة بعد حدوثه.
تتكون هذه الخطة الاستراتيجية لإدارة المخاطر المالية من أربع مراحل، تبدأ بالتوعية من الخطر، مرورا بتقييمه، ثم تقديره، وأخيرا، امتصاصه.
تهدف المرحلة الأولى من مراحل الخطة الاستراتيجية لإدارة المخاطر المالية إلى "التوعية من الخطر".
لا يمكن الانتقال إلى المرحلة الثانية من مراحل الخطة الاستراتيجية دون التساؤل حول جدوى إنجاز المرحلة الأولى، "التوعية من الخطر"، في زيادة وعي المواطن الخليجي بمخاطر الأزمات المالية العالمية على النظام المالي الخليجي.
تسمى المرحلة الثانية من مراحل الخطة الاستراتيجية لإدارة المخاطر المالية مرحلة "تقييم الخطر". وتهدف في مجملها إلى قياس انعكاسات الأزمات المالية العالمية ليس على النظام المالي الخليجي فحسب، وإنما على الاقتصاد الخليجي ككل.
وهنا تطرح أدبيات إدارة المخاطر المالية ثلاثة تساؤلات تدور حول حدود، وأدوات، وآلية التقييم. حركة مؤشرات الأسواق المالية الخليجية على سبيل المثال تعطي تصورا حول نشاطات وفعاليات الأسواق المالية. هل نعتمد على القيمة السوقية للمؤشرات لرسم حدود التقييم؟ وهل تعد القيمة السوقية ذاتها أداة قياسية مناسبة؟ وهل قياس ارتفاع أو انخفاض المؤشرات وحده الذي يقيم الخطر؟ أم نعتمد على حركة التداول، وما تعطيه من مؤشرات حول العمق المالي؟ أو مستوى السيولة، وما تعطيه من مؤشر حول الثقة بالأسواق المالية؟
التأمل في سيناريو "نزهة"، أو "هجرة" مؤشرات الأسواق المالية الخليجية أخيرا قد يجيب ليس عن هذه التساؤلات فحسب، وإنما ينقلنا إلى المرحلة الثالثة من مراحل إعداد خطة استراتيجية لإدارة المخاطر المالية، التي تسمى مرحلة "تقدير الخطر".
تهدف مرحلة "تقدير الخطر" إلى تقديم خلاصة موضوعية حول الأضرار الناجمة من انهيار النظام المالي الخليجي على مستوى اقتصاد المواطن الخليجي، والبيئة الاستثمارية الخليجية، والاقتصاد الخليجي. تتبع تقديم الخلاصة الموضوعية إيجاد آلية بديلة معاكسة من شأنها تغطية حجم الأضرار الناجمة، وقطع الطريق أمامها لكيلا تتسرب إلى أفرع الاقتصاد الخليجي الأخرى.
تسمى المرحلة الرابعة من مراحل الخطة الاستراتيجية لإدارة المخاطر المالية مرحلة "امتصاص الخطر". تهدف هذه المرحلة إلى اختبار جدوى ما نتج عن المرحلة السابقة من توصية لتفادي وقوع الخطر، أو على أقل تقدير، تقليل الخسائر الناجمة بعد حدوثه.
أداء الأسواق المالية الخليجية في هذه المرحلة يكاد يكون متواضعا بعض الشيء. على سبيل المثال، لم يطلق بعد موجة الانهيارات في الأسواق المالية الخليجية الأخيرة سوى الاجتماع التنسيقي الطارئ لوزراء المالية والاقتصاد ومحافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية, الذي عقد مطلع الأسبوع الماضي في العاصمة السعودية الرياض!
تطرق هذا الاجتماع "التنسيقي الطارئ" إلى ثلاثة محاور رئيسة: بحث آليات التنسيق والتعاون، المحافظة على وتيرة النمو الاقتصادي الإيجابية، وتعزيز الثقة بالأسواق المالية.
تزامن هذا الاجتماع "التنسيقي الطارئ" مع التطورات الراهنة في آثار الأزمة المالية العالمية، وامتداد آثارها السلبية في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، بشكل عام، وميزان المدفوعات، ومشاريع البنى التحتية والصناعية على مستوى القطاعين العام والخاص، على التوالي، في دول مجلس التعاون الخليجي.
وعلى الرغم من محدودية الصلاحيات الممنوحة لوزراء المالية والاقتصاد ومحافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اتخاذ قرارات رئيسة بشأن سبل العمل المشترك، عطفاً على أن أي قرار يستلزم موافقة الزعماء الخليجيين، إلا أن هذا الاجتماع "التنسيقي الطارئ" يعد بداية خطة إقليمية لإدارة أزمة مالية تعد بمعظم المقاييس الاقتصادية الأزمة المالية الأسوأ منذ الكساد العظيم.
تقودنا خطة إدارة المخاطر هذه إلى التساؤل عن كفاءة السلطات المالية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مواجهة هذه الأزمة المالية العالمية. يقودنا هذا السؤال الشمولي أيضا عن آليات تفادي مثل هذه الأزمات المالية المقبلة، أو على أقل تقدير، تقليل الخسائر الناجمة بعد حدوثها؟ أم أن الأمر لا يتعدى حلولا آنية ينظر في الملائم منها بعد إصابة النظام الخليجي المالي بالصدمة؟
جميل أن يُطوّر "الاجتماع التنسيقي" إلى مشروع "إنقاذ مالي مشترك"، ولكن دون إعطاء هذا المشروع الحجم الذي يمكنه من أداء دوره المنتظر قد يجبرنا على العودة إلى عقد "اجتماع تنسيقي" آخر. وقد يمل أخي المواطن الخليجي الانتظار في فرع مصرفه لسحب جزء من رصيده المالي خلال المراوحة بين "اجتماع تنسيقي"، وآخر، دون تلبية احتياجاته الآنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي