تكلفة الديمقراطية..

الإنفاق على الانتخابات الذي يصل إلى أرقام ضخمة كان مصدر قلق من أن يتحول هذا النهج إلى عائق حقيقي لعدالة العملية الديمقراطية والتأثير في الناخبين. ومصدر القلق هو أن الإنفاق الضخم الذي أصبح ضرورياً لن يتيح الفرص إلا للأغنياء أو المدعومين من الأغنياء، وهذا يعني انحسار فرصة الترقي داخل النظام السياسي وبالتالي عدم تعبير نتائج الانتخابات عن تمثيل شعبي حقيقي، بل هو تمثيل مصنوع يعده الخبراء في الإعلام والتسويق والممولين.
الانتخابات الأخيرة ربما خالفت هذا الاتجاه، فالمكشوف والذي يقال إن حملة باراك أوباما تم تمويلها بشكل كبير شعبياً، ويأتي ذلك عبر انتشار المراكز الحزبية الصغيرة في المدن لجمع التبرعات، وأدى هذا الأسلوب إلى تغيير النتائج لصالح حملة أوباما في ولايات كانت تقليدياً معاقل للجمهوريين.
هذه الآلية البارعة في جمع التمويل الشعبي الذي يطلب مساهمات مالية قليلة قد لا تتجاوز 100 دولار هي تحول نوعي، جاء بفضل الجهود الكبيرة التي بذلت للوصول إلى الناس عبر الإنترنت، فقد أتاح البريد الإلكتروني المجال للوصول إلى ملايين الناس وحشدهم إلى برنامج حملة أوباما .. وهذا تطور مهم للتواصل السياسي الشعبي.
الحملة الرئاسية الأخيرة توصف بأنها الأكثر كلفة على الإطلاق، فمنذ بداياتها تنافس فيها عشرات المرشحين من الحزبين ولم تحص المبالغ التي أنفقت جميعاً ولكنها ضخمة جداً، وهناك مساهمات وتبرعات غير مباشرة تقدم للمرشحين ولا يكشف عنها، وحجم الإنفاق يكشف مدى (تكلفة الديمقراطية)، ولا يهم أن تكون مكلفة إذا كانت ممولة شعبياً وتعبر عن مواقف الناخبين الحقيقية، ولكنها مصدر تهديد للديمقراطية إذا كان مصدرها الأثرياء وأصحاب المصالح الخاصة.
حجم الإنفاق وتعقيد الحملات الانتخابية واعتمادها على فرق الاستشاريين المحترفة في التسويق والإعلام والعلاقات العامة والتمويل، ربما تعطي الانطباع بأن الرئيس يُعَد ويُسوَّق ويكون دوره مجرد تنفيذ ما يعده المستشارون وتتوصل إليه مؤسسات التكنوقراط، مثل أغلب أعضاء الكونجرس، حيث قبل التصويت على القرارات يسألون العاملين معهم: ماذا نقول؟ نعم، أو لا!
على مستوى النخب في العالم هذا هو التصور عن المشهد السياسي الأمريكي، وربما هذا مصدر سلبي للصورة الذهنية عن ممارسة السياسة داخل أمريكا، وهي تضيف إلى الصورة السلبية الأخرى عن موقف أمريكا من الديمقراطية في العالم، ففي السنوات الأخيرة عملت أمريكا على فرض الديمقراطية، وما حدث في العراق يعد فشلاً للتصور الأمريكي، ومصدر قلق لمن يحاولون تعزيز الديمقراطية في العالم مقتدين بالنموذج الأمريكي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي