رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الشركات العملاقة لديها قوة مبهرة على الصمود أمام الأزمات.. "بوينج" مثالا

[email protected]

تواجه بعض الشركات العملاقة انخفاضا حادا في مبيعاتها وأرباحها وموجة من الاضرابات العمالية ونقصا شديدا في السيولة، فعلى سبيل المثال تتعرض شركة بوينج الأمريكية لصناعة الطائرات لانخفاض حاد في أرباحها، فوفقا لبيانات الشركة الواقعة في مدينة شيكاغو تبين أن صافي أرباح الشركة خلال الربع الثالث انخفض بنسبة 40 في المائة إلى 695 مليون دولار، فيما انخفضت المبيعات بنسبة 7 في المائة إلى 15.5 مليار دولار، وقد أضرب نحو 27 ألفا من الفنيين والعاملين في الشركة منذ بداية أيلول (سبتمبر) الماضي، الذي أصاب عملية تجميع الطائرات بالشلل.
هذه ليست الأزمة الوحيدة التي واجهت "بوينج"، ففي منتصف الثلاثينيات وأواخر الأربعينيات واجهت الشركة عثرات شديدة وتقلبات مروعة، وفي أوائل السبعينيات واجهتها أزمة سيولة، ما اضطرها إلى تسريح 60 ألف عامل.
غالبية الشركات العملاقة، الذي يحلو للبعض تسميتها الشركات "الرائدة"، واجهت صعوبات ضخمة خلال تاريخها، فعلى سبيل المثال، عانت شركة والت ديزني عام 1939 أزمة شديدة في السيولة النقدية، التي أجبرتها على طرح أسهمها في سوق الأسهم، وفي أوائل الثمانينيات فقدت الشركة صفتها كشركة مستقلة عندما تطلع الأفراد الذين يسعون إلى امتلاك الشركات الأخرى إلى الحصول على أسهم الشركة التي هبطت أسعارها في سوق الأسهم. أما "فورد" فتعرضت لأكبر خسارة سنوية في تاريخ الأعمال الأمريكي (3.3 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات) في بداية الثمانينيات قبل أن تحقق تحولا مدهشا وتقوم بإعادة تجديد ذاتها وهو الأمر الذي كانت في حاجة إليه منذ فترة طويلة. كما أن "آي بي إم" كانت على شفا الإفلاس عام 1914، ثم عام 1921، ثم واجهت المتاعب مرة أخرى في بداية التسعينيات.
هذه الانتكاسات اعترضت الشركات العملاقة في مراحل مختلفة من حياتها، إلا أنها تظهر قوة مبهرة على الصمود وقدرة مذهلة على الخروج من المحن، وبذلك فإنها تحقق أداء غير عادي على المدى البعيد، لأن لديها خصائص فردية لا تتوافر لدى بقية الشركات. كما أن لديها طرائق وآليات في التغلب على العقبات وكيفية مواجه الأزمات دون تأثير من القيادات، فتحفيز التقدم والحفاظ على الجوهر هو المزيج التنظيمي الذي يدير هذا النوع من الشركات بطريقة ديناميكية يقذف بالرديء من القادة والموظفين خارج الشركة كما يقذف جسم الإنسان الفيروس.
كما أنها تخوض مشاريع جسورة تتسم بالمخاطرة لقناعتها بأن هذه آلية قوية لحفز التقدم، فالهدف لا يكون جسورا إلا عندما تلتزم الشركة بتحد ضخم و مهول. وتعد "بوينج" مثالا ناصعا على كيفية استخدام الشركات الرائدة المشاريع والأهداف الجسورة التي تتسم بالمخاطرة. وفقا لـ "كولنز وبوراس" مؤلفا كتاب "البناء من أجل البقاء"، قامت "بوينج" عام 1965 بإجراء خطوة في تاريخ صناعة الطيران عندما قررت المضي قدما في صناعة الطائرة 747 العملاقة، وهو القرار الذي كاد يقضى على الشركة ويجعلها أثرا بعد عين. وقد حفز رئيس الشركة آنذاك وليام ألان موظفيه بقوله "إذا قالت بوينج إنها ستصنع طائرة فإنها ستصنعها حتى وإن استفزت جميع موارد الشركة". وبهذه الجملة أصبحت ملتزمة أمام الجمهور بصناعة الطائرة 747 من الناحية النفسية والمالية. وتخلت تدريجيا عن إنتاج الطائرات العسكرية أمثال "القلعة الطائرة بي -17 والقاذفة النفاثة بي ـ 52"، وتوجهت للإنتاج المدني وإلى خطوط الطيران التجارية في الولايات المتحدة وأوروبا.
على العكس تماما فإن الشركة المنافسة لها "دوجلاس" - لا تعد من الشركات الرائدة - أحجمت عن خوض التحديات المهولة الجريئة وهي تنتظر "بوينج" كيف تنجح في تحقيق هدفها ثم تعقبها، فقد دخلت سوق الطائرات النفاثة التجارية بعد عامين من دخول "بوينج" بإنتاجها طائرتها "دي. سى"، ما جعلها تتأخر بصورة أكبر عن المارد "بوينج".
ولم يكن يدفع "بوينج" لهذه المغامرة تعظيم الأرباح أو زيادة حصة حملة الأسهم، بل كان لها رسالة تتمثل في "لنكن رواد شركات الطيران وأكثرها تقدما"، فهذه العبارة تعد جزاء من عقيدة شركة "بوينج" الجوهرية الدائمة التي لم تتغير منذ تأسيسها على يد "ويليام بوينج" عام 1915. إلا أن داء الأفراد والمنظمات وهو "الشعور بالرضا" قد اعترض "بوينج" بعد صنع طائرات "الجامبو" النفاثة وبسببه كادت أن تتخلف عن قيادتها صناعة الطائرات و تحيد عن رسالتها لو أنها لم تتدارك نفسها بهدف آخر جسور وهو إنتاج الطائرة 777، فالقول بـ "إننا وصلنا" يشعر المنظمة بالرضا وهذا يؤدى إلى الاسترخاء، لذا يقترح منظرو الاستراتيجية أنه قبيل تحقيق الهدف الجسور يجب أن يطرح هدف آخر.
وفي مقال قادم، بإذن الله، سنلقي الضوء على أبرز ملامح هذا النوع من الشركات والأسرار وراء بقائها عدة عقود "يصل عمر بعض هذه الشركات إلى قرن أو يزيد"، وكيف اتخذت من علم النشوء وعلم الأديان أساسا لتكوين قيمها الجوهرية وآلياتها التشغيلية وبذلك تأصلت في داخلها الحضارات الطائفية واتضحت ملامح ثقافاتها التنظيمية.

أستاذ إدارة الأعمال المساعد - جامعة الملك خالد

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي