رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل تحدث الانتخابات الأمريكية التغيير المنشود؟!

[email protected]

اليوم الثلاثاء الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 2008 تعقد انتخابات الرئاسة الأمريكية ويتجه الناخبون الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع، لاختيار رئيسهم المقبل للسنوات الأربع المقبلة، وربما للسنوات الثماني المقبلة إن تم إعادة انتخاب الرئيس المقبل بعد أربع سنوات. وتأتي هذه الانتخابات على خلفية واقع اقتصادي، ومالي، وعسكري، واجتماعي مختلف عما كانت عليه أمريكا في فترة ماضية وما من شك أن انتخابات هذه السنة لها طابع خاص ومميز بغض النظر من يفوز في هذه الانتخابات، الجمهوري ماكين أم الديمقراطي أوباما. واللافت للانتباه أن هذه الانتخابات يطرح فيها المرشحان كلاهما شعار التغيير، ويحق للجميع داخل أمريكا وخارجها طرح سؤال ما التغيير المستهدف والذي يعد به المرشحان؟ هل التغيير نحو الأفضل أم التغيير نحو الأسوأ واستمرار الحال على ما هو عليه. في ظني أن مجرد إقدام السيناتور باراك أوباما على خوض الانتخابات ووصوله هذه المرحلة في السباق مع تعزيز استطلاعات الرأي لإمكانية فوزه ووصوله إلى البيت الأبيض رغم تراجع النسب يمثل هذا بحد ذاته تغييراً إذ إن دخول الانتخابات من قبل شخص ذي خلفية عرقية تعامل طوال هذه السنين على أنها فئة مهمشة، وأقلية في محيط بشري كبير ذو أصول أوروبية، وذي بشرة بيضاء أمر غير مسبوق في تلك البلاد التغيير في هذا يتمثل في كسر رتابة اجتماعية قائمة على أساس التميز العرقي الذي يسعى لاحتكار السلطة، والنفوذ في الفئة ذات البشرة البيضاء بالذات دون غيرها من الفئات الاجتماعية الأخرى.
التغيير في ظني لو حدث، وصوت الأمريكان لمصلحة أوباما سيكون بمثابة التغيير النفسي والاجتماعي الذي يكسب الفئات المهمشة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية الثقة بأنفسهم، وقدراتهم بدلاً من استمرار وضعهم المهمش والتعامل معهم على اعتبار أنهم أقل في قدراتهم، وإمكانياتهم الشخصية. ما من شك أن القوى المتنفذة في المجتمع الأمريكي لن يعجبها هذا التغيير خاصة أنها لمست قيمة احتكار السلطة، والنفوذ، والمال منذ نشأة الولايات المتحدة وحتى هذه اللحظة. وإذا ما تم هذا الأمر، ودخل السيناتور أوباما البيت الأبيض، فالمهم معرفة التغيير الذي سيحدثه، هل سيحدث شيئاً يذكر أم أن المؤسسات الداخلة في صناعة القرار ممثلة في البيت الأبيض، والكونجرس في مجلسيه ستكون حجر عثرة في وجه التغييرات التي يطمح لتحقيقها الرئيس القادم؟! من المؤكد أن الرئيس القادم ومهما كانت الوعود التي طرحها أثناء الحملة الانتخابية لن يلغي دور المؤسسات في صناعة القرارات خاصة ما له علاقة في الأمور الاستراتيجية، والعلاقات الدولية، كما أن التركة الثقيلة التي يرثها بعد ثماني سنوات عجاف في مسيرة السياسة الأمريكية ستشغل الرئيس القادم خاصة أن الوضع المالي المتردي، وفقدان عدد كبير من الأمريكان لمنازلهم بسبب إفلاس الكثير من البنوك، والشركات العاملة في مجال الاقتراض والرهن العقاري، إضافة إلى تورط أمريكا في حربين في كل من أفغانستان والعراق، وما أحدثته هاتان الحربان من خسائر فادحة في الجيش الأمريكي، إذ قتل الآلاف، وجرح عشرات الآلاف إضافة إلى الاضطرابات النفسية التي تعرض لها الجنود الأمريكيون الذين يعالجون في المستشفيات النفسية في الولايات المتحدة الأمريكية، أما الخسائر المادية فتقدر بثلاثة تريليونات دولار في هاتين الحربين هذا في الجانب الأمريكي، كل هذا كاف لإشغال الرئيس القادم من رأسه لأخمص قدميه أما في الجانب العراقي والأفغاني فالخسائر فادحة في أرواح الناس وممتلكاتهم والبنى التحتية من مدارس، ومستشفيات وماء وكهرباء، وطرق وغيرها. إن حقبة الرئيس بوش في الحكم والتي امتدت ثماني سنوات أضرت بسمعة الولايات المتحدة الأمريكية مما أفقدها المصداقية على المستوى الدولي. الأمريكيون العاديون في ظني يتطلعون إلى توافر سبل العيش المريح بالنسبة لهم من سكن، ووظيفة، وتخفيض للضرائب التي تأكل مدخراتهم، ودخولهم. كما أن المواطنين الأمريكيين، أو بعضهم يرغب في بقاء قواتهم في بلادهم بدلاً من شن الحروب على مجتمعات آمنة ودك البيوت على رؤوس ساكنيها من الشيوخ، والنساء، والأطفال. أما التغيير الذي يتطلع إليه غير الأمريكيين فهو تخلي أمريكا عن غطرستها وهيمنتها على العالم بالقوة وشن الحروب، كما أن العالم يتطلع إلى تقليص نفوذ أمريكا على مجلس الأمن والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومحكمة العدل الدولية. وباختصار يمكن القول إن العالم يتطلع إلى أن تحسن أمريكا من سلوكها في التعامل مع الآخرين بدلاً من ابتزازهم ونهب ثرواتهم والاعتداء على كرامتهم.
التغيير الذي يتطلع إليه الأمريكيون وغيرهم خارج أمريكا لا يمكن أن يتحقق إلا بتغيير طريقة التفكير لدى النخبة السياسية في البيت الأبيض، والكونجرس، وهذا ما يبشر به السيناتور أوباما، وحتى لو كانت هذه قناعاته الشخصية فإن الأمر قد لا يكون متحققاً ذلك أن ذوي المصالح من أصحاب الشركات ودهانقة المال لن يعجبهم ولن يكون في مصلحتهم تراجع أمريكا داخل حدودها، وتخليها عن النزعة العدائية التي اتسمت بها خلال الفترة الماضية. إن إدراك أمريكا واقعها، وإدراكها رفض العالم هيمنتها، وسيطرتها على العالم يمثل الخطوة الأولى نحو التغيير، وإذا ما حدث هذا فهو مكسب لأمريكا في حاضرها، ومستقبلها، ومكسب لشعوب، ومجتمعات العالم التي بدأت تكره أمريكا، وسياساتها العدوانية. إحداث التغيير لن يكون إلا بتغيير الثقافة العامة لكن هذا يحتاج إلى سنوات، وأجيال لكن مؤسسات صناعة القرار قادرة على إحداث التغيير الذي يقرب أمريكا من العالم، ويقرب العالم منها بدلاً من قرع طبول الحرب، وتهديد الآخرين. التغيير في ظني يستوجب عودة الأمريكيين إلى الوعي الحقيقي الذي يمكنهم من معرفة أنهم ليسوا الوحيدين في هذا العالم بل يعيش معهم فيه آخرون، الوعي الذي يبصرهم بأن تصرفاتهم قد سئمها العالم. إن تضخم الذات الأمريكية هي جزء من مشكلة أمريكا في الوقت الراهن وقد تستمر لفترة أطول ما لم يدرك الأمريكيون هذه الحقيقة ويراجعوا سياستهم، ويغيروا من واقعهم إذا ما أرادوا أن يعيشوا بسلام ووئام مع الآخرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي