روسيا تتجه إلى مراجعة نظامها الضريبي لرفع إنتاجها النفطي

روسيا تتجه إلى مراجعة نظامها الضريبي لرفع إنتاجها النفطي

مع تولي الرئيس الروسي الجديد ديمتري ميدفيديف مهام منصبه في السابع من هذا الشهر، قامت شركة غازبروم، التي كان يتولى رئاسة مجلس إدارتها، بالاحتفال بمرور 15 عاما على تأسيسها بصورتها الحديثة. وتزامن انتقال السلطة مع بعض التغييرات، إذ ذهب فلاديمير بوتين الرئيس السابق لتولي منصب رئيس الوزراء، بينما تسلم رئيس الوزراء السابق فيكتور زبكوف مسؤولية "غازبروم"، التي تعتبر أكبر شركة غاز في العالم، وإحدى أدوات الكرملين لتحقيق وجود ملموس لروسيا خاصة في أوروبا الغربية واستعادة مكانتها دولة عظمى.
لكن هذا الوضع تزامن أيضا مع بروز ملامح ضعف في الصناعة النفطية الروسية، الأمر الذي يشكل تحديا. فبعد تحقيق نمو العام الماضي في حدود 2 في المائة إلى 9.9 مليون برميل يوميا، فقد شهد الإنتاج النفطي تراجعا منذ بداية العام بنحو 0.7 في المائة، والتوقع أن يبلغ حجم التراجع لهذا العام 0.5 في المائة بدلا من زيادة كانت متوقعة في حدود 0.7 في المائة.
وهذه المؤشرات حصلت على اهتمام متواصل من بوتين ونائب رئيس الوزراء الجديد المسؤول عن قطاع النفط إيجور سيشن، الذي أبلغ وكالة إنترفاكس للأنباء قائلا:" تعتقدون أن الإنتاج النفطي يتراجع؟ انتظروا حتى نهاية العام وأنا متأكد أنه لن يكون هناك وقتها تراجع، بل زيادة في الإنتاج".
سيشن فيما يبدو سيسعى إلى ترجمة تصريحات بوتين الأخيرة وجعلها ملموسة على أرض الواقع، خاصة ما يتعلق بالوضع الضريبي وتمديد الحوافز في هذا الجانب إلى خارج منطقة سيبيريا الشرقية، وتحديدا مناطق في سيبيريا الغربية، سخالين، حوض بيشورا، وشبه جزيرة يامال، على أن تستمر هذه الحوافز لفترة سبع سنوات، ويتوقع بوتين زيادة الإنتاج بنحو 1.3 مليون برميل يوميا بحلول عام 2015، وهو ما يشكل زيادة 13 في المائة على حجم الإنتاج الحالي.
لكن أحد المجالات التي ينبغي على محاولات الإصلاح التركيز عليها كيفية دفع شركتي غازبروم وروسنفط على وقف التنافس بينهما للحصول على دعم الدولة وتطوير ما تحت أيديهما من مواقع وإمكانيات خاصة "غازبروم".
"غازبروم" حققت العام الماضي دخلا بلغ 91 مليار دولار، ويعمل لديها 432 ألف عامل، كما أن الضرائب التي تدفعها تشكل 20 في المائة من ميزانية الدولة ولها أنشطة في مجالات أخرى عديدة من الطيران إلى الزراعة، وهي مزود أساسي للسوق الأوروبية وإلى حد ما الآسيوية باحتياجاتها من الغاز، وتخطط أن تتجاوز في عام 2014 "إكسون موبيل" كأكبر شركة في العالم يتم تداول أسهمها في البورصة، وهو هدف كان يسانده ميدفيديف إبان توليه مسؤولية إدارتها، ويتوقع لها أن يعطي هذا الهدف شيئا من الدعم بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية.
وستسعى "غازبروم" إلى مضاعفة استثماراتها ثلاث مرات خلال فترة العامين المقبلين في المجال الأساسي لعملها وهو الغاز الطبيعي والحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية. وسيتم رفع حجم الاستثمارات إلى 969 مليار روبل، أو 45 مليار دولار، في غضون عامين من 330 مليار روبل العام الماضي. ولتوفير هذا المبلغ، فإن الشركة ستسعى إلى رفع الأسعار التي تذهب إلى الأسواق الخارجية وداخل روسيا كذلك، وذلك عبر خطة تدريجية تقضي بزيادة الأسعار المحلية بنسبة الربع كل عام وذلك بهدف الوصول إلى معدل السعر العالمي نفسه في عام 2011. وطرحت هذه الفكرة عندما كان ميدفيديف نائبا لرئيس الوزراء في روسيا.
وكانت روسيا قد تصدت العام الماضي لقيادة فكرة تأسيس تجمع لمنتجي الغاز على غرار منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، ورغم المساندة الإيرانية للاقتراح، إلا أن كلا من الجزائر وقطر، وهما منتجان رئيسيان للغاز، لم يعلنا التزاما واضحا بالفكرة. فروسيا تحتل المرتبة الأولى من ناحية الاحتياطيات المؤكدة من الغاز التي تبلغ 1.680 تريليون قدم مكعب، التي تمثل ضعف ثاني أكبر صاحب احتياطي وهو إيران. وروسيا أيضا أكبر منتج، بنحو 22.4 تريليون قدم مكعب وأكبر مصدر للغاز بكميات تصل إلى 7.1 تريليون. وتنتج "غازبروم" نحو 90 في المائة، كما تشرف على الشبكة التي تقوم بنقل الغاز الطبيعي داخليا وخارجيا.
ورغم هذا فإن الحقول الثلاثة الرئيسية للغاز، وهي أورينجوف في سيبيريا الغربية ويامبيرج وميدفيزهاي، التي بدأت تبرز فيها بعض علامات الإعياء والضعف، ووصل حجم التراجع إلى نحو 700 مليار قدم في العام، وهو ما يتيح الفرصة أمام الشركات الصغيرة والخاصة أمثال "نوفاتيك" و"أيتيرا".
النفط يمثل الجناح الثاني الذي تقوم عليه الاستراتيجية الروسية سياسيا واقتصاديا في عهد بوتين، وتلعب فيه روسنفط دورا محوريا. ويظهر هذا وخلال السنوات السبع الماضية ووفقا لدراسة لـ "سيتي بانك"، فإن روسيا شكلت مصدرا لنحو 80 في المائة من النمو في الإنتاج النفطي من خارج (أوبك). وفي وقت من الأوقات كان النمو في إنتاجها يعادل النمو في الطلب الصيني برميلا ببرميل، لكن في نيسان (أبريل) الماضي تراجع الإنتاج بنسبة 2 في المائة من القمة التي بلغها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهي 9.9 مليون برميل يوميا. وعبر ليونيد فيدون نائب رئيس شركة لوك أويل عن الوضع بقوله إن الإنتاج الروسي لن يبلغ عشرة ملايين برميل يوميا قط.
لكن من الناحية النظرية البحتة، فإن روسيا لديها احتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ 80 مليار برميل، وهو ما يضعها في المرتبة السابعة من ناحية الاحتياطيات، وذلك وفق الكتاب الإحصائي لشركة "بي. بي"، هذا إلى جانب وجود 100 مليار برميل أخرى محتملة. لكن كثيرا من المحللين يرون أن النظام الضريبي يلعب دورا في هذا الوضع، إذ لا يحفز الشركات على استغلال كافة الفرص والإمكانات المتاحة لزيادة الإنتاج. فالحكومة تتحصل على ضرائب تبلغ 65 في المائة من عائد بيع أي برميل بسعر يزيد على 25 دولارا، كما تحصل على أكثر من 90 في المائة من صافي الأرباح. وكانت الشركات الخاصة وتلك الأجنبية قد استفادت من الإعفاءات الضريبية والحوافز الأخرى لتسهم في رفع الإنتاج من ستة ملايين برميل يوميا عام 2003 إلى قرابة عشرة ملايين برميل العام الماضي، لكن الحقول التي وفرت تلك الطفرة في غرب سيبيريا أصبحت تعطي إشارات أنها وصلت إلى مداها الطبيعي وبدأت علامات الضعف على إنتاجها، وهذا ما يضع عبئا إضافيا للحفاظ على المعدل الإنتاجي الحالي من خلال المزيد من الاستثمارات وتوفير التقنية اللازمة والتحول إلى مناطق واعدة مثل سيبيريا الشرقية وإقليم سخالين، التي تعتبر من المناطق التي يصعب فيها العمل. وهذه المناطق شهدت بعض النمو في إنتاجها بسبب قلة الضرائب المفروضة على الشركات العاملة هناك، خاصة وأن الكثير منها يعمل وفق نظام قسمة الإنتاج، الذي تراجعت عنه الحكومة فيما بعد.
ونتيجة لهذا تحولت بعض الشركات مثل "لوك أويل" إلى ميادين أكثر ربحية مثل الغاز، فخصصت نحو ثلث استثماراتها البالغة عشرة مليارات دولار إلى ميدان الغاز، الذي أصبح جاذبا خاصة مع ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة، هذا إلى جانب الاستثمار في التكرير، إذ الضرائب المفروضة على هذا الجانب أقل مما هو مفروض في مجال النفط الخام. كما اتبعت شركات أخرى استراتيجية مختلفة بتقليل نشاطها والانتظار إلى أن يتم تعديل النظام الضريبي.
وكانت الحكومة قد قدمت العام الماضي إعفاءات ضريبية بلغت 4.5 مليار دولار، لكن الشركات تقول إن هذا المستوى من الإعفاءات يساعد فقط على وقف التدهور وإبقاء معدلات الإنتاج في وضعها الحالي. وكان بوتين قد أبلغ مجلس الدوما وهو في أخريات أيام رئاسته للجمهورية أن الضرائب المفروضة على الصناعة النفطية لابد من خفضها.
روسيا اليوم أكثر اعتمادا على النفط والغاز وعائداتهما أكثر من أي وقت مضى، فنصيب هذا القطاع من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من تضاعف منذ عام 1999، وهو الآن فوق 30 في المائة، كما تشكل عائدات النفط والغاز نحو 50 في المائة من الموازنة و65 في المائة من عائد الصادرات.
وفي دراسة لصندوق النقد الدولي، أن أي زيادة بمقدار دولار في سعر خام أورال يمكن أن يزيد عائدات الميزانية الفيدرالية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار. وكانت روسيا قد أسست صندوقا للتركيز يتم تمويله من أسعار النفط العالية منذ أربع سنوات ويعتقد أن موجوداته تجاوزت 80 مليار دولار.
لروسيا نحو 41 مصفاة بطاقة 5.4 مليون برميل يوميا، لكنها أصبحت قديمة وتعاني بسبب ذلك. والاستهلاك نحو 2.8 مليون والصادرات من النفط الخام تبلغ أربعة ملايين برميل إلى جانب مليوني برميل من المنتجات المكررة عبر خط دروزبا الذي يذهب إلى روسيا البيضاء وأوكرانيا، ثم إلى ألمانيا وبولندا.

الأكثر قراءة