رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الأزمة العالمية بين الشركات والقطاعات المالية السعودية

[email protected]

شهدت السوق السعودية في الأسابيع الماضية تذبذبات حادة غلب عليها الارتفاع حيناً والانخفاض في معظم الأحيان. وتعددت تفسيرات التذبذب مع اختلاف المحللين والافتراضات التي يبنى عليها التحليل بطريقة وصلت إلى التناقض الحاد في أحيان كثيرة بين بعض التحليلات من حيث العوامل المؤثرة في ارتفاع الأسواق والمؤدية إلى انخفاضها في الوقت نفسه. فبعض التفسيرات ركزت على تأثير الأزمة المالية العالمية في اقتصاد المملكة وبالتالي الشركات المدرجة بما يوحي أن التأثير مستورد وسيكولوجي في حين أن تفسيرات أخرى تركز على أن عامل الانتقال أساسي متعلق بالتحليل المالي وأساسيات فرص الاستثمار في السوق السعودية ومدى قدرة الشركات المدرجة على تحقيق نتائج مستقبلية تفوق التوقعات خصوصاً في الشركات التي تعتمد على نمو الاقتصاد المحلي. كما أن تفسيرات أخرى ربطت بين أداء السوق السعودية والأسواق العالمية في الأسابيع القليلة الماضية في الجملة دون التفريق بين الاقتصاديات الخليجية من ناحية الحجم ومحركات النمو المتبعة ودون تصنيف الشركات تبعاً لتأثرها من الأزمة وتداعياتها. فعلى سبيل المثال، ليس من الإنصاف حشر محركات النمو الاقتصادية لسلطنة عمان مع المحركات الاقتصادية للكويت لكون الأولى تعتمد في سياساتها الاقتصادية على عوامل ومتغيرات اقتصادية كلية تختلف عن تلك التي تعتمد عليها دولة الكويت، حيث إن الكويت تعتمد على عوائد قطاع النفط من ناحية تنمية الإيرادات الاقتصادية والتخطيط المالي بعيد المدى بينما يبقى هاجس سلطنة عمان مرتبطاً بتنويع الدخل بعيداً عن القطاع الهيدروكربوني.

وبفرض غياب التأثير المنتظم لهبوط عموم الأسواق، ليس من العدل الحكم على الشركات المدرجة ككل في التوصيف وتوقعات الأداء المالي للسوق السعودية ولأسواق دول الخليج كون محركات الأداء التي تعتمد عليها الشركات السعودية والخليجية تختلف من شركة إلى أخرى تبعاً لنموذج الأعمال سواء أكان معتمداً على التصدير ونمو الأسواق العالمية بالدرجة الأولى كسابك أم على نمو الاقتصاد المحلي كحال سوق العقار ومثالها دار الأركان ومكة للتعمير وشركات النفع العام كشركة الكهرباء. فتوقع تحركات الأسواق المالية الخليجية مستقبلاً في ظل الأزمة المالية العالمية متباين نظراً لاختلاف الشركات وطبيعتها خصوصاً وأن التوقعات يتم تقديرها بناء على توقع الأداء المستقبلي لمتغيرات الشركة، القطاع، والاقتصاد وعلاقة هذه المتغيرات بالأزمة المالية العالمية وتداعياتها.

فبتناول تأثير الأزمة المالية في متغيرات الشركات، من المهم البدء بفهم نموذج عمل الشركة المبني على مدخلات الإنتاج، عملية الإنتاج أو عمليات تقديم الخدمات، ومخرجات العملية الإنتاجية. ويتم تحليل نموذج عمل الشركة من خلال تحليل متغيرات مصادر الدخل، هيكل التكاليف، ومرونة مختلف المتغيرات المالية. فمتغير مصادر الدخل يرتبط بالأسواق المستهدفة ونشاطات الشركة التي تحقق لها العوائد حيث إن مصادر الدخل الأقل تأثراً بالأزمة المالية هي أقدر في امتصاص تأثيرات الأزمة. فمثلاً، إذا كانت نشاطات الشركة الأساسية ومصادر دخلها الرئيسية قليلة الاعتماد على الأسواق المتأثرة بالركود الاقتصادي أي أنها لا تعتمد بدرجة كبيرة على التصدير إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية وعوائد الاستثمارات أقل انكشافاً على الأسواق المتأثرة, فإن ذلك يعطي مؤشراً إيجابياً، والعكس صحيح. أما هيكل التكاليف فيعني التكاليف الثابتة والمتغيرة ومدى تأثرها بالأزمة، فالشركات التي تعتمد على التمويل المصرفي بشكل كبير مثلاً قد تتأثر سلباً بارتفاع كلفة رأس المال نظراً للانقباض الائتماني في الأسواق المالية وقد تستفيد بشكل آخر من التراجع المتوقع لمدخلات الإنتاج نتيجة لتراجع أسعار المواد والسلع الأولية عالمياً نتيجة للركود الاقتصادي. وعلى الرغم من أهمية المتغيرات السابقة إلا أن أهم متغير يحدد قدرة الشركات على تجاوز الأزمة المالية العالمية هو مرونة المتغيرات المالية كالدخل والتكاليف من حيث القدرة على رفع معدلات الكفاءة عن طريق تقليل تكاليف المدخلات وزيادة الإنتاجية أو من خلال تغيير أنشطة الأعمال للتأقلم مع أي ركود اقتصادي، ارتفاع في تكاليف التمويل، أو صعوبة في رفع العوائد.

وعلى الرغم من احتمال تباين تأثير الأزمة المالية العالمية في شركات مشتركة في القطاع نفسه بسبب اختلاف قدرتها على التحكم بالمتغيرات المذكورة أعلاه, إلا أن القطاعات الاقتصادية وقطاعات السوق المالية تشترك بخصائص تجعل بالإمكان تصنيف علاقتها بالأزمة المالية العالمية. فالقطاعات التي تعتمد على نمو الاقتصاد المحلي السعودي يختلف أداؤها تبعاً لعدة عوامل عن غيرها من القطاعات أخذاً في الحسبان استمرار وزيادة الإنفاق الحكومي ومعدلات الاستثمار العام محلياً في البنية التحتية وأنشطة اقتصادية إنتاجية كالمتوقع أن تسهم بها شركة سنابل في الوقت الذي تتراجع فيه معدلات الإنفاق العام والخاص عالمياً. فالقطاعات التي تصنف كمقاومة لتقلبات الدورات الاقتصادية والركود الاقتصادي والبعيدة عن الأزمة المالية العالمية هي القطاعات التي تشمل شركات النفع العام كالكهرباء والاتصالات، قطاع الإنشاءات المرتبطة بالبنية التحتية، القطاعات المتضمنة للشركات الطبية وشركات الأدوية، وقطاعات الاستهلاك المحلي من الصناعات الغذائية. هذه القطاعات المقاومة للركود في الدورة الاقتصادية المحلية والركود في الاقتصاد العالمي تعد ملجأً في أوقات الأزمات المالية وحالات عدم التأكد عند عدم وجود انكشاف على مخاطر أسعار الصرف أو الاستثمارات نظراً لضعف مرونة الطلب وتركيز نماذج الأعمال على الاقتصاد المحلي.

وأخيراً، يبقى تحليل تأثر الشركات والقطاعات بالأزمة المالية العالمية مبنياً على فرضية الاستثمار لا المضاربة ومسنوداً بالنظريات الاقتصادية والتحليل المالي, بينما يظل العائد على الاستثمار في أي شركة أو قطاع محكوماً بالإجماع السوقي على السعر بناء على الرؤى المستقبلية لأداء الشركات والقطاعات وتأثر الإجماع السوقي بسيكولوجية السوق وعوامل الخوف والحذر التي تعد المتغير الأقوى في أوقات الأزمات المالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي