صادراتنا غير النفطية .. إلى أين تتجه؟
أعلنت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات الأسبوع الماضي أن قيم الصادرات غير النفطية سجلت ارتفاعا نسبته 19 في المائة خلال شهر تموز (يوليو) الماضي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2007 بزيادة قدرها 1.82 مليار ريال.
والعجيب في الأمر أننا لا نذكر الصادرات غير النفطية إلا عندما تنخفض أسعار النفط. وهذه رؤية قاصرة، فعلماء الاقتصاد والتسويق الدولي يرون أن الصادرات التقليدية لا تمثل المورد الاستراتيجي الآمن للدول لأنها عرضة للتقلبات المفاجئة. والمنتجات التقليدية هو ذلك النوع من السلع التي لها مساهمة تاريخية في الدخل الإجمالي للدولة وهي تمثل نسبة كبيرة من الصادرات مثل: النفط في المملكة العربية السعودية، والقطن في مصر، والبن في البرازيل، والشاي في كل من الهند والصين، والصوف في نيوزلندا. أما المنتجات غير التقليدية فهي على العكس تماما وهي تلك السلع والمنتجات التي ليس لديها مساهمة تاريخية في دخل الدولة ولا تمثل إلا نسبة بسيطة من الصادرات. ويعتبر البلاستك، مواد البناء، الجلود, النسيج، المنتجات الورقية، المفروشات، والمنتجات الزراعية والحيوانية منتجات غير تقليدية في السعودية بينما النفط والغاز منتجات غير تقليدية في كل من الهند ومصر. وإذا أرادت الدول أن تكون بمنأى عن الأخطار والتقلبات الاقتصادية الدولية وتحافظ على سلامة اقتصادها وخططها التنموية فيجب عليها أن تستغل جزءا من إيرادات الصادرات التقليدية لتغذية وتمنية قطاع الصادرات غير التقليدية.
أما الخدمات كالسياحة والتأمين فلا ينصح الاعتماد عليها كمصدر للدخل القومي خصوصا في الدول النامية لأن أثرها في الدخل الإجمالي مؤقت فالخيار الاستراتيجي للدول النامية يكمن في الصناعة خصوصا الصناعات غير التقليدية وليس في الخدمات لأسباب سنناقشها في مناسبات قادمة بإذن الله. كما يجب ترشيد إنتاج السلع التي تعتمد على الموارد الطبيعة النادرة للدولة حتى لو كانت هذه المنتجات غير تقليدية. فعلى سبيل المثال: يعتبر الماء موردا طبيعيا نادرا في بلادنا وهو في تناقص كما أن جزءا كبيرا من مخزون المياه الجوفية قد استنفد إبان الثمانينيات من القرن الماضي في إنتاج القمح بطرق عشوائية وبأهداف غير واضحة، لذا يجب قصر الإنتاج الزراعي على المحاصيل التي تمثل أمنا غذائيا للدولة كالقمح أو التمور وتوجه للاستهلاك المحلي فقط دون التصدير.
وقد بدأ تشجيع الصادرات غير النفطية في بلادنا منذ الخطة الخمسية الرابعة (1985-1989)، إلا أن التقدم في هذا المجال لا يكاد يذكر، ويبدو أن هذا الأمر لم يؤخذ بجدية فما أنجز إلى الآن لا يخرج عن مجموعة تصريحات وإحصاءات غير دقيقة تأتينا من بعض الهيئات على شاكلة تصريح مصلحة الإحصاءات العامة الأسبوع الماضي. عندما تتهاوى أسعار النفط تبدأ المؤسسات المعنية كوزارة التجارة، ومصلحة الإحصاءات العامة، والغرف التجارية تنشر قوائمها وبياناتها وتوهمنا أن الصادرات غير النفطية بلغت كذا وكذا وأنها في نمو متصاعد وتعرض أرقاماً ينقصها الثبات والمصداقية. عندما انخفضت أسعار النفط نهاية القرن الماضي وبدأ الخوف يدب خشية ألا تجد الدولة مصدرا يعوض إيرادات النفط شُكلت عدد من اللجان لدراسة البديل المناسب وكان من نتاجها إنشاء مركز لتشجيع الصادرات غير النفطية يتبع مجلس الغرف التجارية أطلق عليه "مركز تنمية الصادرات"، إلا أنه سرعان ما تم هجرانه وبقي هذا المركز قابعا في مكتب هزيل في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض بسب ارتفاع أسعار النفط بداية هذا القرن.
يجب أخذ موضوع تنمية الصادرات غير التقليدية مأخذ الجد لكي نحمي اقتصادنا من التقلبات المفاجئة والتي يمكن أن تحدث في أي وقت فاعتماد الاقتصاد السعودي كليا على النفط أمر لم ندرك خطورته بعد. كما يتعين علينا تجنب العمل العشوائي وعدم بناء قرارات تنمية الصادرات على الظنون وذلك بالاستفادة من الدراسات والأبحاث الميدانية، فهناك العديد من نماذج تحفيز الصادرات تناسب الدول النامية طورت خلال الـ 50 سنة الماضية ومن حسن الحظ أن بعض هذه النماذج طبقت في البيئة السعودية ونتائجها متوافرة. ومن أبرزها نموذج تم تطويره عام (2002) لتقييم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المعنية بتشجيع الصادرات غير التقليدية في المملكة العربية السعودية. ركزت هذه الدراسة على قياس كفاءة الجهات المعنية بتشجيع الصادرات السعودية وقد تبين من نتائج التطبيق أن المصدرين السعوديين يطمحون في عدد من الخدمات أبرزها: مركز معلومات متخصص، وبنك لتمويل الصادرات، ومعهد لتدريب المصدرين. فهذه الخدمات غير متوافرة لدعم الصادرات غير التقليدية في بلادنا مما يضطر بعض المصدرين السعوديين إلى الاستعانة بالخدمات المقدمة للصادرات في دول أخرى بمبالغ باهظة. كما بينت الدراسة تواضع بعض خدمات تحفيز الصادرات منها: نقص دور المكاتب التجارية بالخارج، عدم تفعيل الاتفاقيات التجارية، ارتفاع تكاليف النقل والشحن. أما الخدمات التي تقدم بشكل جيد فهي محدودة مثل: سهولة إجراءات التصدير والمعارض التجارية السعودية في الخارج.
يجب عند تنمية الصادرات الابتعاد عن العمل المرتجل والذي أصبح يميزنا عن غيرنا والعودة لمثل هذه الدراسات والأبحاث للإفادة منها، وأرى قبل كل هذا تطوير مركز تنمية الصادرات ليكون على شكل هيئة عليا على غرار الهيئة العليا للسياحة فالاهتمام بالصادرات غير النفطية أهم بكثير من الاهتمام بالسياحة.