لسوق المالية السعودية بين غياب شركات مزودي الخدمة العلاجية وارتفاع أعداد شركات التأمين
سبق أن ذكرت أن مفهوم التنافسية في القطاع الصحي يختلف عن غيره بسبب أن القطاع الصحي يغلب عليه الجهالة في نوعية الخدمة المتوقعة. فزيادة أعداد شركات التأمين قد لا يؤدي بالضرورة إلى رفع الجودة الصحية بقدر ما يساعد على زيادة الجهات التي تتكفل بدفع الفاتورة العلاجية. وفي الجانب المقابل نجد أن زيادة مزودي الخدمة العلاجية كالمستشفيات والمراكز الصحية يزيد من إمكانية تلقي المرضى للرعاية الصحية التي يحتاجون إليها Access to Health Care. السؤال الحيوي في هذا السياق هل زيادة أعداد مزودي الخدمات الصحية كالمستشفيات والمراكز الصحية أكثر نفعا للمواطن؟ أم زيادة أعداد شركات التأمين؟
البعض قد يعتقد أن هذا النوع من المقارنة غير منطقي بسبب اختلاف المخرجات المتوقعة بين مزودي الخدمة الصحية وشركات التأمين الصحي. فشركات التأمين تسهم في حل مشكلة التموين "من يدفع الفاتورة العلاجية", بينما زيادة مزودي الخدمات الصحية يسهم في زيادة من يقدم الرعاية الصحية Access to Health Care. فحصول المريض على وثيقة التأمين الصحي لا يعني بالضرورة ضمان تلقيه الرعاية الصحية التي يستحقها.
المتابع لسوق الأسهم السعودية يجد أن عدد الشركات في قطاع التأمين ارتفع من شركة واحدة إلى 22 شركة، بينما لا نجد أي مستشفى أو شركة مزودة للخدمة العلاجية مطروحة للتداول أو للاكتتاب، على الرغم من أنها الأهم في أي منظومة صحية. هناك بعض الشركات المزودة للخدمة العلاجية لم تطرح للاكتتاب في سوق الأسهم، وإن كان البعض منها بصدد الطرح لكن تظل أعدادها محدودة. السؤال الحيوي الذي يطرح نفسه: ما أسباب إقبال المستثمرين للاستثمار في قطاع التأمين بينما الاستثمار في تقديم خدمات صحية كمزود للخدمة العلاجية لا يزال محدودا؟
إذا استثنينا ما تمر به أسواق المال العالمية هذه الأيام، فإن القطاع الصحي من القطاعات الآمنة استثماريا بسبب محدودية تأثر القطاع الصحي بالمتغيرات السياسية والاقتصادية على الطلب على الخدمات الصحية. فالحاجة إلى الصحة أساسي وليس ترفيهي أو تكميلي إلا في الحالات القليلة كالعمليات التجميلية غير الضرورية. فالحاجة إلى العلاج جزء من الاحتياجات البشرية الأساسية كالأكل والشرب والتعليم. فالطلب على الخدمات الصحية مستقر وثابت ومحدود التأثر بالعوامل الخارجية. فالقطاع الصحي يختلف عن بعض القطاعات الأخرى التي ترتبط بعوامل متغيرة بشكل كبير. فمثلا قطاع البتر وكيماويات يتأثر بشكل مباشر بأسعار البترول والطلب على الطاقة، كما أن سهم القطاع التقني يتأثر بالتغيرات السريعة للقطاع التقني وتغيير التكنولوجيا, وقطاع التأمين مرتبط بشركات التأمين الكبرى التي تقدم له خدمات إعادة التأمين، كما أنه من القطاعات المرتبطة بمتغيرات كثيرة. أما القطاع الصحي فلا يمكن عزله عن المحيط الخارجي لكنه يتأثر بشكل كبير بإدارته ومدى قدرتها على تقديم الخدمة ذات جودة عالية. فالقطاع الصحي من القطاعات التي لا يمكن أن نستغني عن مخرجاتها في جميع المراحل العمرية. صحيح قد يكون الطلب على الخدمات الصحية من قبل الأطفال وكبار السن والنساء عموما أكثر، إلا أن ذلك لا يقلل من الحاجة للخدمات الصحية بشكل عام. كما أن الحاجة للقطاع الصحي لا تتغير, سواء في وقت الحرب أم السلم، لأنها من الخدمات المطلوبة في كل الأوقات وعلى اختلاف الظروف. لذا فسهم القطاع الصحي يعد من الأسهم التي تعطي سوق المال عمقا بسبب الثبات الذي يسهم فيه سهم القطاع الصحي لمؤشر بورصة الأسهم وقلة التذبذب الذي يتعرض له السهم إلا في أضيق نطاق (طبعا يعتمد ذلك عدد الأسهم المطروحة وقيمتها وقدرتها على تجنب المضاربة). كما أن أسواق المال العالمية يوجد بها العديد من الشركات العاملة في القطاع الصحي، التي تحقق نتائج مرضية (طبعا باستثناء ما تمر به أسواق المال العالمية هذه المرحلة).
مع كل المعطيات السابق ذكرها في هذا المقال يظل السؤال قائما: ما أسباب ضعف الاستثمار في القطاع الصحي الخاص على الرغم من أن تطبيق التأمين الصحي يدعم مستشفيات القطاع الخاص, ويزيد من مرتاديها؟ وهذا السؤال سنحاول الإجابة عليه في الأحد المقبل.