الشركات النفطية تحقق أرباحا قياسية وتعاني متاعب إنتاجية
يقدر تقرير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أن حجم دخل الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) سيتجاوز هذا العام تريليون دولار، أو 1.060 ألف مليار بالتحديد من 674 مليارا في العام الماضي، لكن في تقديرات الإدارة، فإن العام المقبل سيشهد تراجعا في حجم الدخل إلى 990 مليار دولار، لكن بحساب الدولار سعر عام 2000، فإن عائدات الدول الأعضاء كانت 558 مليارا في العام الماضي، ثم 861 مليارا هذا العام، تنخفض إلى 788 مليارا العام المقبل.
وردت هذا الأرقام الأسبوع الماضي في الوقت الذي قفز فيه سعر جالون البنزين للمستهلك الأمريكي إلى 3.75 دولار كمتوسط على المستوى القومي، وفي الوقت الذي بلغ فيه سعر البرميل 122 دولارا، أي أنه تمت مضاعفته في غضون عام، ولهذا لم يستبعد البعض أن يتجاوز سعر الجالون أربعة دولارات خلال فصل الصيف وموسم قيادة السيارات حيث ذروة الاستهلاك من البنزين، وفي الغالب سيزيد متوسط سعر الجالون على ما كان عليه قبل عام بنحو 71 سنتا، وهو ما يمكن أن يسهم أخيرا في حدوث خفض في الاستهلاك بسبب تلازم ثلاثة عوامل هي: الضعف الاقتصادي، تعثر إمكانيات الحصول على قروض وائتمان، والأسعار العالية بالطبع.
الدول المنتجة ليست وحدها الرابحة من هذا التصاعد السعري، فهناك الشركات النفطية التي بدأت تعلن أرباحها للربع الأول من هذا العام وسجلت فيها معدلات قياسية. فشركة "إكسون موبيل"، التي تعتبر أضخم شركة تتداول أسهمها في البورصة، حققت أرباحا بلغت 10.9 مليار دولار بزيادة 17 في المائة عما حققته في الربع الأول من العام الماضي، والأمر نفسه بدرجات متفاوتة لكل من "رويال داتش شل"، "توتال"، "بي. بي"، "كونوكو فيليبس"، و"شيفرون تكساكو" (انظر الجدول).
لكن رغم هذه الأرباح إلا أن النتيجة التي أعلنت عنها "إكسون" أدت إلى رد فعل معاكس من السوق الذي قرأ النتائج بصورة مختلفة أدت إلى تراجع سعر السهم بنسبة 3.6 في المائة إلى 89.70 دولار، فالشركة تعاني متاعب في الجانب الأساسي من نشاطها وهو التنقيب والاستكشاف والإنتاج، هذا إلى جانب بروز مؤشرات على تصاعد في التكلفة وصعوبة في الوصول إلى مناطق الاحتياطيات الكبيرة مع الوضع المزمن الخاص بضعف الهامش الربحي لنشاط التكرير، إضافة إلى متاعبها الأخيرة مع فنزويلا، حيث تم تجميد بعض أصولها، كما أن إنتاج مختلف مشاريعها سجل انخفاضا في كل مكان ما عدا روسيا وبحر قزوين، ثم إن أرباح هذا الربع تقل عما حققته الشركة في الربع الأخير من العام الماضي وبلغ 11.7 مليار دولار. هذا على الرغم من أن "إكسون" معروفة بانضباطها المالي وقدرتها العالية على إدارة المشاريع الضخمة.
الشركات اهتمت بصورة أساسية بجانب الاستكشاف والإنتاج. وتشير الأرقام إلى أنه خلال الربع الأول من العام رفعت "إكسون موبيل" مخصصاتها الاستثمارية للاستكشاف والتنقيب بقرابة الثلث إلى 5.5 مليار دولار. وكانت الشركة قد أنفقت في هذا الميدان بين عامي 2002 و2006 مبلغ 15 مليارا على تطوير الإنتاج في المتوسط، وزاد الإنتاج العام الماضي إلى 21 مليارا، يتوقع لها أن ترتفع هذا العام بين 25 و30 مليار دولار في المتوسط بين عامي 2008 و2012.
وتشير خطط الشركة إلى العمل في 12 مشروعا، اثنان منهما في ميدان الغاز الطبيعي في قطر، إلى جانب العمل في حقول مغمورة في أنجولا وخليج المكسيك. و"إكسون" لديها 119 مشروعا حول العالم وباحتياطيات تصل إلى 24 مليار برميل.
ومع أن العائدات المالية من عمليات الاستكشاف والإنتاج حققت زيادة بلغت 45 في المائة إلى 8.79 مليار دولار، إلا أن الهامش الربحي من التكرير سجل تراجعا بلغت نسبته 39 في المائة في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
من جانبها، فإن شركة شيفرون التي حققت زيادة في أرباحها خلال الربع الأول بنسبة 9.5 في المائة إلى 5.17 مليار دولار، إنها تخطط لاستثمار 400 مليون دولار كل أسبوع خلال هذا العام بهدف الوصول إلى مناطق إنتاجية جديدة.
أرباح "شل" و"بي. بي" جاءت فوق توقعات المحللين وأفضل ما حققته الشركتان خلال فترة عامين. وستسعى الشركتان إلى كسب ثقة المستثمرين التي تأثرت بالتأخير في إنجاز بعض المشاريع خاصة مع تصاعد التكلفة والعمل على الوصول إلى مشاريع جديدة يمكن العمل فيها.
أما بالنسبة لشركة "بي. بي" فإن مديرها التنفيذي الجديد طوني هيوارد يركز على استعادة الطاقة الإنتاجية للشركة والحصول على مشاريع جديدة، حيث بدأ العمل تحت مشروع المياه العميقة في أذربيجان وخليج المكسيك في مشروع ثندر هورس، حيث كلفت المنصة التي أقيمت هناك مليار دولار بعد تأخير استمر ثلاث سنوات وستبدأ العمل هذا العام، وكذلك استكمال صيانة مصفاة الشركة في تكساس التي تعرضت إلى حريق في 2005 أدخلها في منازعات قضائية.
إحدى المناطق الواعدة التي حققت فيها الشركات نموا في السابق هي روسيا، لكنها الشهر الماضي سجلت تراجعا في إنتاجها للشهر الرابع على التوالي، وإنتاجها في الوقت الحالي تراجع بنسبة 2 في المائة من القمة التي بلغتها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وتبلغ 9.9 مليون برميل يوميا.
المتاعب التي تعانيها الشركات والصناعة النفطية عموما في المجال الإنتاجي وجدت انعكاسا لها في تقرير الأسبوع الماضي لشركة جولدمان ساكس، التي رددت بصورة مفصلة توقعات شكيب خليل وزير النفط الجزائري الرئيس الحالي لـ (أوبك)، الذي توقع أن يبلغ سعر البرميل 200 دولار.
تقرير جولدمان ساكس توقع حدوث ذلك، وأن يراوح سعر البرميل بين 150 و200 دولار في غضون فترة 24 شهرا المقبلة بسبب الضعف الرئيس في الإمدادات وضعف الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى (أوبك). ويذكر أن "جولدمان ساكس" هي أول من توقع أن يتكون سعر برميل النفط من ثلاثة أرقام، وأن السوق تتجه إلى حالة من الاختناق بسبب الضعف في النمو من الإمدادات من خارج (أوبك)، وأن هذا الوضع قد يستمر لفترة طويلة.
الارتفاع في أسعار الوقود، الذي تزامن مع الحمى الانتخابية الرئاسية الأمريكية، خاصة وموسم الصيف يوفر دافعا لتصاعد جديد في سعر الوقود للمستهلك، أعاد قضايا الطاقة إلى دائرة الاهتمام الجماهيري ومن ثم الانتخابي، وهو ما دفع المرشحين الثلاثة الجمهوري جون ماكين والديمقراطيين باراك أوباما وهيلاري كلينتون، إلى السعي لإظهار جديتهم وصلابتهم في التصدي للشركات النفطية والدول المنتجة، كما تتالت الدعوات لفرض ضريبة أرباح على الشركات كي تحصل الدولة على جزء من هذه العائدات، كما تتطاير الاتهامات بتلاعب الشركات ورفعها للأسعار. وفي هذه الأجواء تصاعدت نبرة التهديد ضد الدول الأعضاء في (أوبك) مثل حجب مبيعات الأسلحة ضدها، وطالب بعض أعضاء الكونجرس باستدعاء الأمين العام لمنظمة أوبك لاستجوابه عن دور المنظمة في رفع الأسعار من خلال تقييد الإنتاج. وكل هذه الدعوات طرحت من قبل إبان فترة الصدمة النفطية الأولى، ولم تؤد إلى نتيجة تذكر.
تواصل النقاش غطى مجالات جديدة على الساحة الداخلية مثل الدعوة إلى عدم التقيد بحرفية القرار الخاص بمزج 15 مليار جالون من الوقود الحيوي بالبنزين بحلول عام 2015. كذلك ارتفعت الأصوات منادية بوقف قرار استئناف العمل في ملء المخزون النفطي الاستراتيجي الذي يحتوي على كميات قياسية تجاوزت 701 مليون برميل. وتأمل إدارة الرئيس جورج بوش أن يصل حجم هذا المخزون إلى 727 مليونا بنهاية هذا العام، ولهذا فهي سمحت بالعودة إلى السوق وشراء 70 ألف برميل يوميا، ومع أن القناعة الرسمية أن مثل هذه الكمية الصغيرة لن تحدث فرقا يذكر بالنسبة للأسعار، لكن دراسات أخرى تتوقع أن تسهم في إضافة 24 سنتا إلى سعر الجالون. وكان لافتا للنظر أن المرشح الجمهوري جون ماكين الذي يسانده بوش أبدى تحفظا على فكرة استئناف ملء المخزون النفطي الاستراتيجي.