التوسع في تعبير الرؤى من العابرين يؤدي إلى الافتتان والإعجاب بالنفس
دعا عدد من الدعاة إلى عدم التوسع في تعبير الرؤى من العابرين ألا يتسارعوا في التعبير، وألا يجزموا بما يعبرون، وأن يعلموا خطورةَ هذا الجانب وما يوصل إليه من الافتتان من قبل الناس وزيادة في الإعجاب بالنفس، وأكدوا أن مسؤولية أهل العلم توجيه الناس وتبيان الأمر لهم بحيث لا يتعلقون بهذه الرؤى ويتبعون في هذه المسألة المنهج النبوي الكريم الذي عالج هذه الظاهرة بأسلوب مريح للناس لو أنهم حرصوا على ذلك. وفي البداية تحدث الشيخ محمد بن صالح المنجد المشرف على مواقع الإسلام عن مواصفات الرؤيا الصالحة وبعض الآداب الشرعية لها فقال إن الرؤيا الصادقة هي من أجزاء النبوة كما ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .(البخاري ومسلم, والرؤيا عند اقتراب الزمان لا تكاد تخطئ كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك لبعد العهد بالنبوة وآثارها فيكون للمؤمنين شيء من العوض بالرؤيا التي فيها بشارة لهم أو تصبير وتثبيت على الدّين . (البخاري وسلم.
مسألة خطيرة جدا ضلّ بها كثير
وأوضح الشيخ المنجد أن الأحلام ثلاثة أنواع منها رحماني ومنها نفساني ومنها شيطاني, وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم "الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام". البخاري ومسلم.
وقال إن رؤيا الأنبياء وحي وهي معصومة من الشيطان وهذا باتفاق الأمة ولهذا أقدم الخليل على تنفيذ أمر الله له في المنام بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام. وأما رؤيا غير الأنبياء فتُعرض على الوحي الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها. وهذه مسألة خطيرة جدا ضلّ بها كثير من المُبتدعة من الصوفية وغيرهم. ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحرّ الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأمر الشرعي واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وينام على طهارة كاملة مستقبل القبلة ويذكر الله حتى تغلبه عيناه, فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة.
وأصدق الرؤى رؤى الأسحار فإنه وقت النزول الإلهي واقتراب الرحمة والمغفرة وسكون الشياطين وعكسه رؤيا العَتَمة عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية.
الإنصاف والمصارحة
من جانبه, قال الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام إنه من باب الإنصاف والمصارحة والنصح ألا نلقي باللائمة كلها في موضوع الرؤى والإفراط فيها على آحاد الناس فحسب، بل لا بد من تعدية الأمر إلى العابرين أنفسهم الذين يعبُرون الرؤى، إذ عليهم مسؤولية عظمى تجاه الرائين.
فلا بد للعابر أن يكون عالماً بهذا العلم العظيم، وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان، وألا ينصِّب نفسه للفتيا في الرؤى ويتطلَّع إليها، ولا سيما عبر الشاشات وفي المجامع الكبيرة. فتعبير الرؤى قرين الفتيا, وقد قال الملك: "ي?أَيُّهَا ?لْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَـ?ىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ" [يوسف:43]، يقول ابن القيم رحمه الله: "المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره".
ثم إن على العابرين ألا يتسارعوا في التعبير، وألا يجزموا بما يعبرون، وأن يعلموا خطورةَ هذا الجانب وما يوصله إليه من الافتتان والإعجاب بالنفس وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم، وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سئل: أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يُلعب؟! وقد نقل ابن عبد البر أيضاً عن هشام بن حسان أنه قال: كان ابن سيرين يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب.
فإذا كان هذا هو قول إمام المعبرين في زمانه وما بعده من الأزمان فما الظن بمن جاء بعده، إننا لنسمع بالمعبِّر يُسأل عن ألف رؤيا لا تسمع مرةً يقول: لا أدري، أو يقول: هذه أضغاث أحلام، أو يقول: هذه حديث نفس، إلا من رحم ربك.
كما أن على العابرين أن يدركوا خطورةَ تعبير الرؤى من خلال الشاشات التي يراها الملايين من الناس، وكذا المجامع الممتلئة بالحشود، وذلك للأمور التالية:
أولها: أن الانفتاح المطلق بالتعبير نوع فتنة من أجل حديثه في أمور الغيب، ولا سيما أن أحداً لا يستطيع أن يجزم بصحة ما يقول العابر من عدمه، إلا من رأى ذلك في واقعه، وهذا شبه متعسِّر عبر الشاشات.
وثانيها: تعذّر معرفة حال الرائي عبر الشاشات والمجامع من حيث الاستقامة من عدمها، وهذا له صلة وثيقة بتعبير الرؤيا، فابن سيرين سأله رجلان كل منهما رأى أنه يؤذِّن، فعبرها للصالح منهما بالحج لقوله تعالى: "وَأَذّن فِى ?لنَّاسِ بِ?لْحَجّ" [الحج:27]، وعبرها للآخر بأنه يسرق لقوله تعالى: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ أَيَّتُهَا ?لْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [يوسف:70]، والشاطبي ـ رحمه الله ـ يقول في مثل هذه الحالة: "فمتى تتعين الصالحة حتى يُحكم بها وتترك غير الصالحة؟!".
وثالثها: عدم إدراك عقول الناس طريقة بعض العابرين للرؤيا, ولا سيما عبر الشاشات والمجامع بحيث يكون تعبيرهم بصورة تجعل المستمع الجاهل لأول وهلة يقول: هذا تكهّن أو تخمين أو عرافة، ونحن قد أمرنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، فقد أخرج البخاري في صحيحه قول علي ـ رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله؟!).
رابعها: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالمفسدة من خلال التعبير عبر الشاشات أشد من مصلحته، لأمور لا تخفى على متتبِّعها، لا سيما أنها في أمور غيبية وأنها كالفتوى، والسلف الصالح كانوا يتدافعون الفتوى ما استطاعوا، ناهيكم عن بعض الفساد المتحقق من خلال ما يشاهد ويسمع من تعبير رؤيا لفتاة مثلا بأنها ستفشل في نكاحها أو لامرأة تعبَّر لها بأن زوجها تزوج عليها سرًّا بامرأة أخرى. فما ظنكم بحال الأولى والأخرى، فهذه تترقب الفشل في كل حين مع ضيق نفسها وانشغال بالها، وتلك باهتزاز كيانها والشك في زوجها المرة تلو الأخرى، ناهيكم عمن يرينَ مثل هذه الرؤى، فيكتفين بما سمعنَه من تعبير لغيرهم فيقِسن عليه دون الرجوع إلى عابر عالم اكتفاء بما سمعنَه أو شاهدنَه، فتكون الطامة حينئذ، وقولوا مثل ذلك فيما يراه الرجال والشباب.
وأما ما يحتج به بعض الناس من أن مسلما روى في صحيحه أن رسول الله كان كثيراً ما يسأل أصحابه بعد الفجر فيقول: ((من رأى منكم رؤيا؟)).
تعلق كثير من الناس بالرؤى
يقول الدكتور محمد بن عبد الله القناص إن من الظواهر اللافتة للانتباه في واقعنا تعلق كثير من الناس بالرؤى والمنامات، واعتمادهم عليها، وتوسعهم فيها حيث أصبحت شغلهم الشاغل، عبر المجالس والمنتديات والمجامع، بل القنوات الفضائية، وطغت على الفتاوى الشرعية، وأصبح السؤال عنها يفوق السؤال عما يحتاج إليه الإنسان من أمور دينه، من المعتقدات والعبادات والمعاملات وغيرها، وابتعدوا في تعاملهم مع الرؤى والمنامات عن هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم، وأضاعوا أوقاتهم فيما لا يعود عليهم بالخير والنفع، ولو أن الناس وقفوا تجاه الرؤى وتعاملوا معها، وفق الهدي النبوي لاستراحوا وأراحوا، وحصل لهم التوفيق والسداد والطمأنينة، ولم يوجد هذا التهافت في السؤال عنها، والإفراط في البحث عن تأوليها، ولأجل أن نقف موقفاً صحيحاً سليماً معتدلاً تجاه هذه الرؤى المتكاثرة، فلا بد من الرجوع إلى الآداب السامية، والتوجيهات النبوية التي فيها العصمة من الزلل والخطأ، والوقاية من الإفراط والتفريط.
لقد دلت السنة المطهرة أن الرؤى تتنوع إلى ثلاثة أنواع، وأن هناك جملة من الآداب ينبغي أن يأخذ بها الرائي.
وأوضح الدكتور القناص أدب الرؤيا المكروهة ما يأتي:
أن يتعوذ بالله من شرها، وذلك لما في الاستعاذة بالله من صدق اللجوء إليه، والاعتصام به في دفع شرها، وورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال: "إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره، فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه، أن يصيبني فيها ما أكره في ديني ودنياي " [ أخرجه ابن أبي شيبة ( 5/51 )، وعبد الرزاق في مصنفه (11/214 )، وعن عمر أنه كتب إلى أبي موسى: فإذا رأى أحدكم رؤيا، فقصها على أخيه فليقل: خير لنا وشر لأعدائنا" (أخرجه عبد الرزاق (11/213) ، ورجاله ثقات) أن يتعوذ من شر الشيطان، لأن الشيطان يخيل بها للتحزين والتهويل، وقد جاء في بعض طرق الحديث أنها منه.
* أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ليحصل بذلك طرد الشيطان، والاستعاذة منه، وخصت به اليسار لأنها محل الأقذار ونحوها.
* ألا يذكرها لأحد.
* - أن يصلي ما كتب له، وذلك لما في الصلاة من التوجه إلى الله واللجوء إليه والاستعانة به على دفع المكروه.
التحول عن جنبه الذي كان عليه، لما في ذلك من التفاؤل بالتحول من تلك الحال التي كان عليها، فهذه ستة آداب، وزاد بعض العلماء: قراءة آية الكرسي، ولم يذكر لذلك مستنداً، فإن كان أخذه من عموم قوله – صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة: " وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ " [ أخرجه البخاري ح]، فيتجه، والله أعلم.