الزراعة السعودية تدخل مرحلة إدارة الآبار إلكترونيا .. أين الهدر؟

دخل القطاع الزراعي السعودية مرحلة جديدة من خلال التقنيات المستخدمة في المزارع والمشاريع تركز على ترشيد المياه عبر برامج لإدارة المياه إلكترونيا وهي التجربة التي عرضتها الشركة الوطنية الزراعية أمام وزيري الزراعة السعودي والمصري هذا الأسبوع.
ويأتي تسجيل القطاع لهذا التفوق والريادة في الوقت الذي تشن فيه حملات من أجل إيقاف زراعة القمح وتقليص مساحات الزراعة والتي تتزامن مع ارتفاعات خطيرة في أسعار الأغذية عالميا. "الاقتصادية" وجدت نهاية الأسبوع الماضي في مقر الوطنية الزراعية في بسيطا الجوف حيث زار الوزيران عدة مشاريع زراعية ووقفا على النهضة الزراعية التي تشكل أحد أركان الاقتصاد وخرجت بالانطباعات التالية:

انطلاقة

للوهلة الأولى، ينتابك شعور غريب، فالطريق البري من مطار الجوف إلى البسيطا يتجاوز الـ 200 كيلو متر، ومعظمه صحراء، وهنا تبدأ تتناقص وتضعف انطباعاتك المرسومة عن منطقة تعد الأبرز في الأرض السعودية زراعيا.
وبمجرد أن تطأ قدماك مفترق أرض بسيطا تبدأ اللوحات التعريفية بالمشاريع الكبيرة تتراقص أمامك، مشروع بقى عليه عشرة كيلو مترات، وآخر 20 كيلو مترا وثالث 30 كيلو مترا وهكذا، لتبدأ المروج الخضراء والشاحنات الضخمة تشعرك أن أمامك حراكا كبيرا، يقف خلفه رجال من أبناء هذه البلد طوعوا الصحراء والكثبان الرملية، ليحولوا اللون الذهبي إلى أخضر، وهذا هو لون علم بلادنا المباركة، بكل فخر واعتزاز. كل مشروع هناك هو لنا، لكل مواطن ومواطنة، ورغم قسوة المنطقة إلا أنها سرعان ما تنقشع تلك الغيمة الصحراوية عن عينيك، ليبدأ معك منظر آخر، فالطقس المعتدل وأشجار الفاكهة والمساحات الخضراء تعيد لك حيويتك وتفاؤلك.

أمن غذائي

"الأمن الغذائي" كان محور حديث ضيوف "الوطنية الزراعية" يومي الخميس والجمعة الماضيين، وهنا أتذكر بيت شعر يقول "يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا .. نحن الضيوف وأنت رب المنزل"، هنا كان مسؤولو "الوطنية الزراعية" وعلى رأسهم الشيخ سليمان الراجحي رئيس مجلس الإدارة, المهندس إبراهيم أبو عباة المدير التنفيذي، محمد بن سليمان الراجحي وكبار مديري إدارات الشركة في مشروعها في بسيطا الجوف يستقبلون بحفاوة وترحيب ضيفيهما وزيري الزراعة السعودي والمصري في أغلى وأهم منطقة زراعية، معلنين أن ضيوفهم هم أهل البيت والمكان، وهذا هو ما أعلنه، الشيخ سليمان الراجحي، عندما مازحته عقب الإفطار الصباحي، حيث يقف بجانبه، الدكتور فهد بالغنيم، أن جميع ما قدم من مأكولات هي من "إنتاج أرضك شيخ سليمان"، ودون انتظار، كان رد الشيخ جاهزا وسريعا، ليقول "الأرض أرض الوطن، ممثلة في وزارة الزراعة، وعلى رأسها، الدكتور بالغنيم"، ونحن هنا لخدمة الوطن والمواطن"، عبارة بليغة، وجملة تغني عن الكثير من المحاضرات و النصائح، ولهذا فالشيخ سليمان يؤكد في جلساته الجانبية والتي كان لي نصيب في مجالسته هنا، "إن ما تحقق من نجاح وإنتاج إنما هو بفضل من الله عز وجل ثم بدعم الدولة أعزها الله، ووزارة الزراعة من خلال وزيرها الذي لا أستطيع إلا أن أعرب له عن شكري وتقديري لما يبذله ويقدمه لقطاع حيوي ومهم".
واستمتع الدكتور فهد بالغنيم والمهندس أمين أباظة وزير الزراعة واستصلاح الأراضي في مصر بما شاهداه من تطور وتقنية وميكنة، فكان مركز السيطرة والتحكم على المياه، أحد عجائب هذه المنطقة، فالمهندس أبو عباة يشير إلى أن جميع الآبار يتم التعامل معها إلكترونيا، و"بإمكاننا إدارتها من أي مكان في العالم، بل والسيطرة عليها عند حدوث أي طارئ إلكترونيا، ومعرفة مكان الخلل ونوعه".

عرض حي

وقدم أبو عباة عرضا حيا عن كيفية العمل في مركز السيطرة والتحكم الذي شد انتباه الضيوف، فيما كان مختبر المكافحة الحيوية، إبداع آخر للوطنية الزراعية، فالمبيدات الكيمائية من المحرمات التي وضعتها الشركة في جميع مشاريعها، خلاف الزراعة العضوية، لإنتاج منتجات صحية طبيعية. ونال مشروع الري تحت السطحي إعجاب الضيوف، نظرا ما يتميز به من توفير في المياه. ودشن الوزيران مشروع الري تحت السطحي، وشاهدا ميدانيا تجربة شركة الوطنية الزراعية في الري تحت السطحي الذي يتوقع أن يخفض استهلاك مياه الري بنحو 40 في المائة مقارنة بالري بالطرق التقليدية التي من بينها التنقيط التي تخطط الشركة الوطنية لتعميمها على جميع مزارعها في غضون خمس سنوات بحيث تغطي جميع أشجار الفاكهة والنخيل.
وشارك في تدشين المشاريع محمد بن سليمان الراجحي رئيس مجلس إدارة شركة سليمان الراجحي الدولية، وهنا بين المهندس أبو عباة المدير التنفيذي للشركة الوطنية أن تجربة الري تحت السطحي للنخيل تعد الأولى عالميا حيث طبقت بنجاح في مشاريع الوطنية وحققت نجاحا كبيرا دفع إلى اعتماد تعمميها على جميع أشجار وحقول النخيل والفاكهة والزيتون على مراحل. مضيفا أن التجربة تحقق إضافة إلى ترشيد مياه الري تقليل التكاليف الاقتصادية للمشروع من خلال انعدام الأعشاب المحيطة بالشجرة التي تحتاج إلى إزالة في الظروف العادية، وتحقيق ميكنة زراعية متقدمة تقلص التكاليف وترفع الإنتاجية. لافتا إلى أن المشروع يدعم خطط الدولة في ترشيد المياه في القطاع الزراعي.

محالب آلية

قام الوزيران بتدشين مشروع الحلب الآلي للماعز والضأن، والاطلاع على تجربة الإنتاج الحيواني والنباتي بجميع تخصصاتها، كما زار الضيفان الحلابة الآلية للإبل، والحلابة الآلية للأغنام، وخط تدريج الفاكهة، محطة فزر وتعبئة التمور ومعرض منتجات الوطنية الزراعية، وزيارة نظام شتل الطماطم الآلي.
وهنا أعرب المهندس أمين أباظة، عن سعادته بزيارته التي تعد الأولى للمملكة، حيث يطلع على التنمية الزراعية الحديثة، مبديا سعادته عما شاهده واصفا الزراعة السعودية بأنها زراعة القرن الواحد والعشرين، فما شاهده في "الوطنية الزراعية" يأتي في صالح رفع الإنتاج والتوفير الكامل لعنصر الماء، والاهتمام بالجودة، إضافة إلى التميز الذي تملكه الشركة وهو الإنتاج الطبيعي "العضوي"، مضيفا أن ذلك يعد نقلة كبيرة وضخمة للزراعة في المملكة.

مصر تطلب التجربة

وطالب الوزير المصري الشيخ سليمان الراجحي أن تتم الاستفادة مما شاهده من تقنيات وتطور ونجاح في مصر، حيث يعد الراجحي من المستثمرين الزراعيين في مصر، مشيرا إلى أنه تلقى وعدا بذلك من الشيخ سليمان الراجحي. في الاتجاه ذاته أعرب المهندس إبراهيم أبو عباة عن شكره لوزير الزراعة السعودي والمصري على زيارتهم لمشروع الوطنية الزراعية في بسيطا الجوف، واطلاعهم على النجاح الكبير، مشيرا إلى اهتمام الشركة بالجانب المائي ودعم توجهات الدولة في المحافظة عليه، وترشيد استخدامه، لافتا إلى أن مشروع الري تحت السطحي يعد الأول من نوعه في العالم، وهذا ما يؤكد وقوفنا مع توجهات ولاة الأمر الداعية إلى الترشيد مع الالتزام في المحافظة على الأمن الغذائي، إضافة إلى النجاح الذي حققته الشركة في مشاريع مثل مركز التحكم والسيطرة، ومشروع الحلب الآلي للأغنام والإبل، مفيدا أن الوطنية أخذت على عاتقها الاستمرار والمحافظة في تقديم منتجات غذائية عضوية خالية من المبيدات والكيماويات.