هل هناك استثمار زراعي داخلي؟
الأمن الغذائي أصبح هاجسا وزاد التركيز عليه إعلاميا مع التغيرات الاقتصادية خلال الأشهر الماضية، وكان من ضمن الموضوعات التي تم التركيز عليها السعي للاستثمار الزراعي الخارجي وأعطى انطباعا أن هناك توجها لوقف الاستثمار الزراعي الداخلي، في حين أن الخارجي - حسب تصريحات المسؤولين عن هذا الملف - لن يكون بديلاً داخليا، بل سيكون مكملاً له، لأن الاستثمار الزراعي الخارجي يستهدف السلع الغذائية الرئيسة التي لا يمكن زراعتها في المملكة أو التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه (الأرز، القمح، السكر) وكذلك الأعلاف الخضراء، بينما الاستثمار الزراعي في الداخل سيتوجه نحو زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك المائي المنخفض مثل إنتاج الخضار في البيوت المحمية أو إنتاج لحوم الدواجن وبيض المائدة والمزارع السمكية. وذلك بهدف دعم وتطوير الزراعة في المناطق الريفية بانتهاج آليات دعم ذات علاقة بتنمية الريف والهدف هو الوصول إلى تنمية زراعية مستدامة.
والاستثمار الزراعي المُكثف للمشروعات الزراعية المتخصصة في المملكة بدأ منتصف السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، وكانت له آثار إيجابية عديدة كان أهمها التوطين بأشكاله المختلفة سواء للأفراد في مناطقهم أو توطين التقنية واستخدامها في العمليات الزراعية حتى توافرت وأصبحت في متناول المزارع الصغير. والمملكة بدورها تتميز بمقومات طبيعية وبشرية مختلفة أسهمت في تنمية العديد من الأنشطة الاقتصادية، ومن ضمنها النشاط الزراعي الذي لا يزال يمثل مورداً مهماً في المناطق التي تتوافر فيها مياه للري.
وعلى الرغم من أن الاستثمار الزراعي يُعد أحد المتغيرات المتباطئة الأثر على قيمة إجمالي الناتج المحلي الزراعي، إلا أن القطاع الزراعي جاء في مقدمة القطاعات الاقتصادية غير النفطية في المملكة نتيجةً للسياسات التي انتهجتها الحكومة منذ البداية والعمل بالتخطيط التنموي عن طريق مجموعة من السياسات والبرامج التي كان لها الأثر الفاعل في تحفيز عملية الاستثمار في هذا القطاع بأنشطته المختلفة مما شجع المستثمرين على الدخول والاستثمار باستخدام التقانات الحديثة ليتحول من قطاع تقليدي إلى قطاع استثماري يُؤثر ويتأثر بالقطاعات الإنتاجية الأخرى.
وتشجيع التوسع في الاستثمار الزراعي بدأ يدخل دائرة اهتمام المسؤولين في مناطق المملكة المختلفة إدراكاً منهم بأهمية هذا النشاط الاقتصادي ودوره في تحقيق الأمن بأوجهه المختلفة مثل الأمن الوطني (بتحقيق فرص وظيفية لتحسين مستوى دخل الفرد، والانخراط في العمل)، والاجتماعي (توطين لأبناء الريف واستقرارهم في مناطقهم) والصحي (بتوفير منتجات غذائية صحية آمنة)، إضافة إلى الأمن الغذائي. كما أن هناك جهودا ملموسة في إقامة العديد من المهرجانات المختلفة مثل التمور في الرياض، والقصيم، والمدينة المنورة، والأحساء. والمانجو والحمضيات في جازان ونجران. والورود في الطائف. والجوائز للمزارع المثالية في منطقة تبوك، فهذه الجهود تُعد مبادرات للتعريف بالمنتجات الزراعية وهي في مجملها دعوة للاستثمار الزراعي في تلك المناطق ويبقى دور الجهات ذات العلاقة لتوحيد هذه الجهود وتحفيز الاستثمار الزراعي المرتبط بالميز النسبية لكل منطقة ومنتجاتها الزراعية المختلفة التي تتوزع على فصول السنة التي أخذت وضعا تنافسيا قويا مع المنتجات المستوردة مع مراعاة أحدث أساليب نظم الري المرشدة.
ويسهم القطاع الزراعي في إيجاد بعض الفرص الاستثمارية المرتبطة به أو بالقطاعات الإنتاجية الأخرى سواء في مجالات الإنتاج النباتي أو الحيواني أو الأسماك أو نظم الري أو التصنيع الذي يعتمد على مخرجات القطاع الزراعي وإنتاج اللقاحات والأدوية البيطرية، فتح العيادات البيطرية الخاصة. وإقامة مسالخ دواجن، وإقامة مشاريع دجاج اللحم ومصانع للأعلاف وللأسمدة العضوية بهدف الاستفادة من مخلفات مشاريع الدواجن. والاستثمار في مجال تصنيع مخلفات النخيل وكل تلك الأنشطة يدلل على أن القطاع الزراعي من المؤمل أن يكون جاذبا للاستثمار الزراعي داخليا في تلك المجالات.