(فخ) أسواق المال!
أسواق المال، يبدو أن أفضل وصف لها هو أنها (سوق للقمار) .. في لحظات يتنقل فيها الناس بين نقيضين، إما الثراء وإما الإفلاس!
هل هذا الوضع هو الأمثل الذي يجب أن تبقى عليه الأسواق ويترك الناس فيها تتلاطمهم الأمواج العاتية، ومعها تضيع المدخرات وفرص الاستثمار الحقيقي؟
هل هناك من يفكر بهدوء ويتأمل المشهد، بالذات مشهد الأزمة المالية القائمة، ثم يعود للتاريخ القريب الذي تلاحقت فيه الأزمات وحلَّت بالناس الكوارث، والمراقب ألا يستخلص أن الأحداث تكاد تكرر نفسها تقريباً؟ فأسواق المال، بالذات ما يحدث في الأسهم، تبدأ منها المشاكل الكبرى.
لقد جادل عديد من الدارسين والمراقبين لأداء أسواق المال منذ سنوات بأن أسواق المال العالمية، بطرق إدارتها وآلياتها، تشكل خطراً كبيراً على سلامة الاقتصاد العالمي، وأبرز من طرح هذه القناعة، مؤلفا كتاب (فخ العولمة) الذي نشر قبل عشر سنوات، وركز المؤلفان بشكل كبير على خطورة الآليات المتبعة لإدارة الاستثمارات العالمية، فالتسهيلات الممنوحة لسرعة تدفقات رأس المال على أسواق الأسهم لها خطورتها على أداء الشركات، وكأنها على قناعة بأن الأوضاع هذه ستجعل من العولمة الفخ الذي يدمر برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية في العالم.
الهدف الأساسي لأسواق الأسهم مهم وحيوي لازدهار الأعمال واستثمار المدخرات .. لقد وجدت الشركات المساهمة لمكافأة المبدعين من العصاميين الذين أسسوا الشركات والمؤسسات وحولوها إلى وحدات إنتاجية حقيقية تعظم الثروة لأصحابها وتفتح الوظائف للناس وتحرك النمو الاقتصادي، ويتم ذلك عبر بيع حصة من هذه الشركات إلى الناس الذين لديهم مدخرات مالية، ولكن ليس لديهم الدراية والمعرفة بإنشاء الشركات وإدارة الثروات، وهذه الحصة المبيعة يعيد العصاميون استثمارها عبر إيجاد مشروعات جديدة، وهكذا تتوسع التجارة وتزدهر الأعمال.
مع الأسف أن أسواق الأسهم لم تعد تعمل بهذا التصور الأمثل، بل تكاد تكون وسيله للباحثين عن الثراء السريع بـ (ذهنية المغامر) وليس المستثمر، فالناس تغشى الأسواق للمضاربة والمنازلة وهنا مسار الانحراف المدمر والمخرب للاقتصاد وللناس، فقد أصبحت أسواق المال هي مصدر الغرق في المشاكل للعالم، لم تعد المنقذ المفترض، والممول للازدهار الاقتصادي.
وتأثيرها السيئ انتقل إلى ملاك وقيادات الشركات، فقد أصبح هم الرؤساء التنفيذين وطواقمهم الإدارية النمو بأي ثمن.. النمو على المدى القصير عبر الاستحواذات والاندماجات وطرد المنافسين، وهذا هو الأسهل لأنه ينعكس على أداء السهم في السوق، المهم أن يكون الأداء إيجابياً حتى لو أدى ذلك إلى التلاعب في الميزانيات، ويعزز هذا التوجه الامتيازات الكبرى التي يحصل عليها هؤلاء، وهي التي تجعلهم يفكرون بعقلية اضرب ثم اهرب.
(قدرت الامتيازات التي حصل عليها قيادات خمس مؤسسات أمريكية منهاره بـ 45 مليار دولار خلال عام 2007).
والهروب بالامتيازات عبر المكاسب السريعة حالة، أو (ثقافة) جاءت بها أسواق الأسهم، فالتركيز على أداء السهم في السوق أصبح يصرف القيادات عن التركيز على المشاريع الحيوية ذات النمو المستمر والمستقر، والتي هي انعكاس حقيقي لنمو الأعمال المرتبطة بغرض المنشأة، كما يصرفهم عن بناء الموارد البشرية، وتنمية القيادات والاهتمام بثقافة الإبداع والابتكار والتطوير، بل الأسوأ الذي يترتب على الاهتمام بمتطلبات سوق الأسهم هو دفع القيادات إلى الاهتمام بإدارة الصراع السياسي داخل الشركات، وهذا قاتل لبيئة العمل وطارد لكل فرص التميز والنجاح.
طبعاً هذا الوضع تطور وأثر في الكثير من الشركات في العالم، لأن الاستحواذ على الأسهم يعمل على تغيير تركيبة الملكية، فالذي دمر الشركات المنتجة هو دخول مستثمرين هدفهم إعادة ترتيب الميزانيات عبر آليتهم المحببة والسريعة، (خفض النفقات) وعادة يترتب على هذا الخفض المتعجل إلغاء لمشاريع حيوية ومهمة وتسريح للعاملين حتى تتحسن (الأرقام) ثم يرتفع السهم، وقد يستعيد الملاك الجدد رأس مالهم مع الأرباح لسنوات قادمة، وأترك لكم أن تتخيلوا أوضاع الشركة بعد ذلك!