رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ما الذي أوصلنا إلى هذا الوضع؟!

[email protected]

في أرجاء العالم كافة يسود القلق من إمكانية دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود سيكون لها انعكاسات سلبية على مستويات التوظيف والدخل ما يتسبب في ارتفاع معدلات البطالة والفقر في أنحاء العالم. أما نحن في المملكة فكثير منا يكاد يستبشر بهذا الركود القادم، حيث لا يرى فيه إلا انخفاض أسعار السلع الأساسية وتراجع معدلات التضخم، ووصل الأمر إلى حد أن أصبح ارتفاع سعر أهم سلعة ننتجها وهي النفط نقمة في نظر بعضهم، فهم يرون أن وضعهم كان أفضل عندما كنا نبيع نفطنا بعشرة دولارات مقارنة بحالهم بعد وصول سعر البرميل إلى 150 دولارا.
فخلال الفترة الماضية لم تستطع سياساتنا الاقتصادية الإسهام في تحسين وضع المواطن وجعله مستفيدا بشكل مباشر من الطفرة الهائلة التي مرت بها بلادنا على مدى الست أو السنوات السبع الماضية، ما جعله يعتقد أنه غير معني بها ولا مستفيد منها بل حتى يرى نفسه في أحيان كثيرة متضررا منها، وأصبحت نظرته لارتفاع أسعار النفط كما لو أنه يعيش في أكبر دولة مستوردة للنفط لا أكبر دولة منتجة ومصدرة له. وهذا الوضع العجيب يعود إلى عاملين أساسيين, الأول: أن فترة الركود الطويلة التي مر بها اقتصادنا, والتي امتدت من عام 1985 حتى عام 2001 تقريبا, أدخلت أجهزتنا الحكومية في بيات ركودي، فاكتفت بتسيير العمل اليومي ولم تكلف نفسها بوضع أي خطط أو برامج تنموية طموحة جاهزة للتنفيذ حال تحسن أوضاعنا المالية، وبدت كما لو أنها لم تعد تتصور أنه قد يأتي اليوم الذي تتحسن فيه أسعار النفط ونستطيع بالتالي تنفيذ مثل هذه البرامج. لذا عندما ارتفعت أسعار النفط وتحسن الوضع المالي للدولة لم يكن في جعبة هذه الأجهزة أي أفكار ومشاريع جاهزة للتنفيذ، بالتالي أهدرت عدة سنوات من هذه الطفرة دون حراك اقتصادي ودون أن يطلق أي مشروع حيوي طموح، وكان مظهر الطفرة الوحيد في اقتصادنا هو ارتفاع جنوني في سوق الأسهم ما جعلها مستقطبة لمعظم المدخرات وتسبب في وأد النشاط في قطاعات اقتصادنا الإنتاجية. فأفكار مثل "الجبيل 2" أو "المدن الاقتصادية" لم تظهر إلا عام 2006، أي بعد مرور عدة سنوات من الطفرة، وبدا البعض منها كما لو أنها طبخت على عجل ولم يأخذ الوقت الكافي حتى لإعدادها بصورة مناسبة. العامل الثاني: أن سياساتنا الاقتصادية كانت غير متوائمة مع متطلبات المرحلة، فلكي تصل مكاسب الطفرة الاقتصادية إلى المواطن فإنه يجب أن يلمس ارتفاعا في دخله وزيادة في فرص العمل المتاحة له، إلا أن الواقع كان عكس ذلك تماما. فخلال هذه الطفرة الهائلة التي حققنا خلالها معدلات تاريخية في فوائض حسابنا الجاري، وميزان المدفوعات، وميزانية الدولة، وارتفع خلالها الإنفاق الحكومي بشكل كبير، ظلت معدلات البطالة في ارتفاع واتصفت معدلات الأجور بالتدني الشديد. ففي ظل تضخم القطاع الحكومي وعدم قدرته على استيعاب معظم الداخلين الجدد إلى سوق العمل, كانت هناك حاجة ماسة إلى تبني سياسات اقتصادية مختلفة تماما تحفز وتجبر القطاع الخاص على توظيف المواطن، لا أن نبقى متمسكين بسياسات اقتصادية كانت مناسبة إبان الطفرة الأولى في السبعينيات من القرن الماضي، عندما كان القطاع الحكومي ينمو بسرعة ويستوعب كل باحث عن عمل ولسنا في حاجة إلى اضطلاع القطاع الخاص بدور أكبر في التوظيف. من ثم كان كل ما ترتب على هذه الطفرة زيادة هائلة في الاستقدام، بحيث بلغت تأشيرات العمل الصادرة لقطاع الأعمال العام الماضي ما يزيد على 1.3 مليون تأشيرة، في وقت تزايدت فيه البطالة وتدنت أجور العمالة المواطنة.
إن على صانعي السياسة الاقتصادية في بلادنا أن يدركوا أن ركود الاقتصاد العالمي نتيجة أزمة المال العالمية الحالية سيكون قصيرا, بعده سيعاود الاقتصاد العالمي نموه السريع وتعاود أسعار النفط ارتفاعها الكبير من جديد، وعلينا أن نضع استراتيجية تضمن تبنينا خلال الطفرة المقبلة سياسات اقتصادية أكثر ملاءمة لواقعنا الاقتصادي، بحيث لا يصبح المواطن من جديد ضحية للطفرة الاقتصادية وتحسن الأوضاع المالية. ويجب أن نكون جاهزين بخطط وبرامج تنموية مناسبة نباشر تنفيذها عند أول بادرة تحسن في الأوضاع المالية، لا أن ندخل من جديد في بيات ركودي تضيع معه سنوات عديدة من الطفرة الاقتصادية المقبلة. ولعل هذا الركود الاقتصادي المؤقت في الاقتصاد العالمي يفيدنا في تصحيح الاختلالات التي يعانيها اقتصادنا حاليا، الذي من بينها ارتفاع معدلات التضخم وتضخم قيم الأصول المالية والعقارات ونمو السيولة بمعدلات عالية، ما يجعلنا في موقف أفضل وأقدر على تعظيم مكاسب الطفرة المقبلة.

أكاديمي وكاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي