رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التنافسية بين شركات التأمين والقطاعات الصحية هل يرفع الجودة الصحية؟ هل من بدائل؟

[email protected]

سبق أن ذكرت في مقال سابق أن التأمين الصحي ليس هدفا بذاته، بل أداة أو وسيلة من أجل معالجة مشكلة تمويل الخدمات الصحية. فالتأمين الصحي من أنجح طرق تمويل الخدمات الصحية لكن التأمين الصحي لا يرفع الجودة الصحية أو يزيد نسبة أعداد المرضى طالبي الرعاية الصحية Access to Health Care. فزيادة تمويل الخدمات الصحية قد يساعد على رفع الكفاءة الصحية بصورة غير مباشرة، لكن تحقيق هذا الهدف يعتمد على ترتيب أولويات الصرف على الخدمات الصحية حسب أهميتها بالنسبة للمريض.
لا شك أن التمويل الحكومي للخدمات الصحية لا يمكن الاعتماد عليه بسبب أن الميزانية الصحية مرتبطة بأسعار النفط المتغيرة. لذا فتمويل الخدمات الصحية يحتاج إلى بدائل ثابتة معزولة نسبيا عن المتغيرات الخارجية. كما أن الدعم الحكومي مهما بلغت ضخامته يظل غير كاف بسبب الميزانية الهائلة التي يتطلبها القطاع الصحي. إذاً فالتأمين الصحي أحد أهم بدائل تمويل الصرف على الخدمات الصحية، لكن الحكم على التأمين الصحي وفائدته ينبغي أن يكون في إطار الصيغة المراد تطبيقها. فليس من العدل الحكم على التأمين الصحي وكأنه صيغة موحدة بل لا بد من تقييم كل صيغة من صيغ التأمين على حدة ومن ثم الحكم عليها بإيجابيتها وسلبيتها.
في اعتقادي أن صيغة التأمين الصحي التي تتيح التنافس بين مقدمي الخدمات الصحية وشركات التأمين لا تحقق رفع الجودة الصحية المتعثرة حاليا. فخلق جوا من التنافس بين شركات التأمين الصحي لا يرفع من جودة الخدمة المقدمة أو يقلل التكلفة التأمينية بسبب أن اقتصاديات الصحة تختلف عن قواعد الاقتصاد التقليدي لكون الجهالة في نوع الخدمة التي يستحقها المريض عالية. فالمريض أو حتى شركة التأمين لا تستطيع أن تجزم قطعيا ما إذا كانت حالة المريض الصحية تتطلب عملية جراحية، أو تناول مضاد حيوي لفترات محدودة، أو مجرد تناول مسكنات عند زيادة الألم، فمثلا بدل أن يقتصر التشخيص على إجراء أشعة عامة كالأشعة السنية يتم طلب مزيد من التشخيص كالرنين المغناطيسي أو المقطعية. في الجانب المقابل نجد أن شركات التأمين قد ترفض بعض العمليات أو الإجراءات الطبية المكلفة بدعوى عدم قناعتها بحاجة المريض الصحية لها - وإن كانت حالة المريض الصحية تتطلبها طبيا. فمساحة الجهالة في الرعاية الصحية عالية، ما يؤدي لخلافات بين مزودي الخدمة الصحية وشركات التأمين. فجهالة المريض لما تتطلبه حالته الصحية تجعله يقع فريسة بين شركات التأمين ومقدمي الخدمات العلاجية.
مفهوم التنافسية لا يحقق رفع الجودة أو تقليل تكلفة الخدمة إلا في الخدمات أو الحالات التي تكون فيها الجهالة محدودة جدا. فمثلا تعدد شركات الاتصالات يحقق مفهوم التنافسية التي تعود بالنفع لعملائها بسبب أن العميل يقارن كما يقال Apple with Apple. فالعميل يقارن تكلفة الدقيقة وشموليته الخدمة ورسوم الاشتراكات وغيرها من المميزات بين مقدمي الخدمة.
شخصيا أتفق مع البروفيسور أرنولد ريلمن أحد خبراء السياسة الصحية وبروفيسور في جامعة هارفرد ومحرر سابق في احد أشهر الدوريات العلمية الشهيرة The New England Journal of Medicine حيث ذكر "إن النظام الصحي الأمريكي يعد مثالا واضحا عندما تترك شركات التأمين ومزودو الخدمات الصحية من القطاع الصحي الخاص تتنافس حسب المعادلة الاقتصادية. لأن الخدمات الصحية ببساطة تختلف ولا تنطبق عليها القواعد الاقتصادية. فالنظام الصحي التجاري لا يحمي القيم الأساسية للرعاية الصحية بل يدمره. ثم ذكر البروفيسور أرنولد أن "خصخصة الخدمات الصحية يستفيد منه فقط المستثمرين ومالكو الخدمات الصحية".
قد نتفق على ضرورة إيجاد بدائل لتمويل الخدمات الصحية لكون الدعم الحكومي مهما بلغت ميزانيته غير كاف لتغطية الفاتورة الصحية. لكننا قد نختلف في الآلية التي تساعد على زيادة تمويل الخدمات الصحية.
ختاما أرى ضرورة السعي الحثيث من أجل تفعيل مؤسسات المجتمع المدني المبنية على عدم الربحية وليس المجانية بالضرورة. فالمشكلة التي نعانيها عدم وجود بدائل عن المؤسسات الربحية التي تقدم خدمة صحية أو تأمينية وفق المعادلة التجارية، أو بدائل عن المؤسسات الحكومية التي تقدم خدمات صحية مجانية. فالمؤسسات غير الربحية هي المؤسسات القادرة على تمويل الخدمات الصحية بما يحقق تمويل الخدمات الصحية بصورة صحيحة، كما يضمن استمرار تقديم الخدمة الصحية بجودة عالية وبعيدا عن البيروقراطية الحكومية القاتلة. إضافة إلى الدور الإيجابي للمؤسسات غير الربحية في الحد من رفع تكلفة الفاتورة العلاجية، كما تساعد المؤسسات غير الربحية على تقديم الرعاية التي يستحقها المريض بعيدا عن الحسابات المادية التي تعتبرها شركات التأمين عند طلب موافقة على بعض الإجراءات الطبية.

متخصص في قضايا التأمين والسياسات الصحية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي