علامات الإعياء تداهم الحقول النفطية لكبار المنتجين خارج (أوبك)

علامات الإعياء تداهم الحقول النفطية لكبار المنتجين خارج (أوبك)

مع مقاربة سعر البرميل من خام ويست تكساس الأمريكي الخفيف نحو 120 دولارا واستقراره فوق 100 دولار منذ بداية العام، إلا أن ذلك لم ينعكس ضعفا على الطلب، رغم أن سعر الجالون للمستهلك الأمريكي تجاوز 3.5 دولار.
ووفقا لمختلف التقارير الخاصة بالعرض والطلب مثل الوكالة الدولية للطاقة، فإن حجم النمو المتوقع في الطلب هذا العام يتوقع أن يبلغ 1.2 مليون برميل يوميا، ما يجعل كامل العرض المطلوب توافره يصل إلى 87.2 مليون برميل يوميا. لكن من هذه الكمية فإن المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) سيوفرون نحو 60 في المائة، أو 50 مليون برميل يوميا، والبقية تتحمله (أوبك)، التي فيما يبدو سيكون عليها التركيز على مقابلة الزيادات المتوقعة عاما إثر عام.
ومقارنة بفترة الصدمة النفطية الأولى في عقد السبعينيات، فإن النتائج تبدو مختلفة. فتصاعد سعر البرميل أربع مرات وقتها بعد فترة خمود استقرت عقودا من الزمان، أدى إلى أن تصبح بعض المناطق ذات جدوى تجارية واقتصادية، وهو ما دفع ببعض المناطق الإنتاجية إلى دائرة الضوء مثل بحر الشمال وألاسكا وغيرها. وبما أن هؤلاء المنتجين الجدد ليسوا مقيدين بسياسات تسويقية محددة للاحتفاظ بمعدل سعري معين، فإنهم كانوا ينتجون بأقصى قدرة متاحة لديهم، الأمر الذي أسهم في أضعاف سعر البرميل وجعل (أوبك) لاعبا هامشيا في عقد الثمانينيات.
هذه المرة لم يبرز منتجون جدد كما حدث في السابق، وإضافة إلى هذا بدأت تظهر بعض علامات الإعياء على بعض كبار المنتجين خارج (أوبك). فالمكسيك مثلا، وهي أول دولة تقوم بتأميم صناعتها النفطية عام 1938 ولعبت دورا رئيسا في التنسيق بين المنتجين داخل المنظمة وخارجها، وهي إحدى ثلاث دول رئيسة تورد النفط الخام إلى السوق الأمريكية، أصبحت تعاني من تراجع مستمر في إنتاجها. وشركة النفط الوطنية "بيمكس" أعلنت أنها ومنذ بداية هذا العام شهد إنتاجها تراجعا مقداره 300 ألف برميل يوميا. وسجل الإنتاج تراجعا بنسبة 9 في المائة خلال فترة العامين الماضيين. وإذا استمرت الأمور بمثل هذا المعدلات، فإنه ومع تصاعد الاستهلاك المحلي سينتهي الأمر بالمكسيك إلى أن تصبح دولة مستوردة للنفط، بعد أن كانت مصدرة، وبكل ما يعنيه ذلك من غياب نحو مليون ونصف المليون برميل يوميا كانت تذهب إلى السوق الأمريكية.
النرويج، التي احتلت المرتبة الثالثة في قائمة المصدرين بعد السعودية وروسيا، تقول إن حجم إنتاجها الذي وصل الذروة في 2001 شهد تراجعا بمقدار الربع منذ ذلك الوقت. وفي الجزء الثاني من بحر الشمال، وهو بريطانيا، فإن حجم التراجع كان أكبر، إذ وصل إلى 43 في المائة في غضون فترة ثماني سنوات، الأمر الذي جعل الكثير من المحللين يعدون بحر الشمال خارج دائرة حساباتهم المستقبلية فيما يتعلق بنمو الطلب. والشيء نفسه يكاد ينطبق على حقل خليج برودهو في ألاسكا، الذي بدأ يتجه إلى مجال الغاز الطبيعي للتعويض عن تراجع إنتاج النفط الخام.
روسيا، التي شكلت جانبا رئيسا لمقابلة النمو في الطلب خلال السنوات العشر بعد استقرار الأوضاع، إثر تفكك الاتحاد السوفياتي والسماح للشركات الأجنبية الدخول في الصناعة النفطية، الأمر الذي أدى إلى رفع الطاقة الإنتاجية من ستة ملايين برميل يوميا منتصف العقد الماضي إلى نحو عشرة ملايين في الوقت الحالي، لا يبدو واردا لعب ذلك الدور وفق القراءات الراهنة لوضع الصناعة النفطية الروسية، وذلك لأسباب تتعلق بالإرهاق الذي بدت بوادره على بعض حقول المنتجين ولاتباع الدولة سياسة غير مرحبة بالشركات الأجنبية في الآونة الأخيرة.
وكل هذا دفع شركة جولدمان ساكس إلى القول في تقرير لها صدر في الفترة الأخيرة، إن النمو المستمر في الإمدادات من خارج (أوبك) لا يمكن الأخذ به على أنه قضية مسلم بها بالمطلق.
ومع هذه المتاعب التي يعانيها المنتجون من خارج (أوبك)، إلا أن الاستهلاك والطلب مستمران في التصاعد. وفي تقديرات لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن هناك نسبة نمو في حدود 35 في المائة يمكن أن ترفع حجم الإمدادات المطلوب توافرها إلى 115 مليون برميل يوميا خلال فترة العقدين المقبلين.
وإذا كان واضحا أن جزءا كبيرا من هذا الطلب يعود إلى السوق الآسيوية بقيادة الصين والهند، فالسوق الآسيوية تعاني غياب المنتجين الذين لديهم قدرات كبيرة، إلا أن الجانب الذي بدأ يبرز في الفترة الأخيرة يتمثل في تصاعد الطلب والاستهلاك داخل دول (أوبك) نفسها.
وتشير الأرقام الواردة في الكتاب الإحصائي لـ (أوبك) حتى نهاية عام 2006 أن حجم الاستهلاك للمنتجات المكررة في الدول الأعضاء سجل قفزات متتالية من 3.3 مليون برميل يوميا في 1986، إلى 3.75 مليون في 1990، ثم عبرت إلى 4.1 مليون في 1992، ثم إلى 4.54 في 1996 ثم حاجز الخمسة ملايين برميل يوميا في 2000، ليتجاوزها بنحو 600 ألف برميل إضافية بعد ذلك بثلاث سنوات، ثم تجاوز 6.1 مليون في 2005، وأخيرا إلى 6.42 مليون برميل قبل عامين، وهي آخر أرقام متاحة.
ولمقابلة هذا النمو والاحتياج إلى الإمدادات النفطية، اتجهت الشركات النفطية إلى أي مكان يمكن أن يوجد فيه نفط، وأصبحت قيعان البحار والمحيطات إلى جانب المناطق القطبية والأنواع الثقيلة من الخام كما في فنزويلا والمكسيك وحتى النفط المستخرج من الرمال في كندا. وفي الفترة الأخيرة أعلن عن اكتشافات كبيرة في البرازيل، وإذا صدقت التوقعات الخاصة بحجم الاحتياطي في الحقول الجديدة، فإنها ستضع البرازيل على الخريطة ومن ضمن قائمة أكبر عشر دول ذات احتياطيات نفطية. لكن هذا يحتاج إلى سنوات ليصبح واقعا، بينما الأسواق في حاجة إلى النفط الآن. ويعد هذا العامل أساسيا وراء التوجه إلى بدائل مثل الوقود الحيوي ومصادر الطاقة غير التقليدية التي يعتقد أنها ستجذب نحو 5.4 مليار دولار خلال العقدين المقبلين كما تقدر الوكالة الدولية للطاقة.
لكن تظل الأنظار متجهة في الأساس إلى الدول الأعضاء في (أوبك) لتوفير هذه، الكميات، خاصة ونحو 75 في المائة من الاحتياطيات تتوافر لدى الدول الأعضاء في (أوبك) وتحديدا تلك الموجودة في منطقة الشرق الأوسط.
لكن هذه الدول تضع قيودا في غالبيتها على دخول الشركات الأجنبية في ميدان الصناعة الأمامية من استكشاف وتنقيب وإنتاج، فمنذ سيطرتها على كامل شؤون صناعتها النفطية قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان، وهذه الدول تحد من وجود الشركات الأجنبية إلا في بعض الجوانب المتعلقة بالخدمات.
الدول الأعضاء في (أوبك) تخطط لرفع الطاقة الإنتاجية لديها وإضافة خمسة ملايين برميل يوميا في غضون خمس سنوات، وهو ما يتطلب إنفاق 150 مليار دولار. السعودية وحدها ستستكمل إنفاق 50 مليارا حتى نهاية العام المقبل ورفع الطاقة الإنتاجية المتاحة لديها إلى 12.5 مليون برميل يوميا، لكن بعض المراقبين يرون أنه رغم هذا الجهد، إلا أن السوق تنتظر من السعودية أن ترفع حجم الطاقة الإنتاجية لديها إلى 15 مليونا، وهو ما لا يبدو واردا في الوقت الحالي.
تواجه (أوبك) عدة إشكالات يمكن أن تحد من توجهها إلى رفع طاقتها الإنتاجية، وعلى رأس هذه القضايا أن هذه عملية مكلفة وتحتاج إلى التأكد من وجود استهلاك يمتص هذه الزيادة، وهو ما تبدو الدول المستهلكة الرئيسة قادرة على توفيره أو اقتراح صيغة ما تناسب الطرفين، كي لا ينتهي الأمر بالمنتجين إلى الاستثمار في زيادة إنتاج لا يريده أحد. وهناك أيضا معاناة الكثير من الدول الأعضاء في توفير ما تحتاج إليه من استثمارات وتقنية لازمة لتحقيق الزيادة الإنتاجية المطلوبة.

الأكثر قراءة