د. يوسف بن محمد الغفيص
معروف عند علماء اللغة صرف الألفاظ وهو علم له اختصاصه وسط علم اللغة، ويأتي تصريف اللفظ بأوجهه المختلفة ضبطا لأوجه استعمال اللفظ وما يصح منه في فصيح اللغة، وربما جازت الاستعارة الاصطلاحية ليقال إن المعاني التي تحصل من دلالة اللفظ لا بد لها من قدر من ترتيب المدارك وضبط الإفادات، وبخاصة في علوم الشريعة بعد كثرة الاصطلاح وشيوع قدر من الإجمال والاشتراك في استعمال الألفاظ، وهذا مقام من حسن الفقه الداخل في عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين).
بحيث تضبط المعاني المناسبة لمراد الشارع في نصوص الكتاب والسنة، وكذلك في مرادات أهل العلم في التعابير المستعملة، ومن جملة هذا المقام تتبع فقه السالفين من أئمة الفقه والحديث، والقصر على الاختلاف السابق، وهذه مسألة معروفة عند علماء الأصول تحت ((إحداث قول ثالث في المسألة)) والتحقيق تركه بعد ضبط الاختلاف السابق؛ إذ لا يصح خفاء الحق على السالفين جملة مع قولهم في المسألة، ومن جملة هذا عناية صاحب علم الشريعة بتحرير محل النزاع في موارد الخلاف والعناية بتحقيق المناط وتنقيحه، وهي أسماء معروفة عند أهل الفقه والأصول، وباب شريف من هذا المعنى العام العناية بفقه ما أسماه كثير من أهل الحديث بمشكل الآثار.
والمقصود حسن صيانة الشريعة الكاملة من الإخلال والسقط فإن هذا مقام شريف في فضل الشريعة وهو تمامها وكمالها بالنعمة العالية التي تفضل بها الله جل ذكره: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا?. وهذا معنى يجب على خاصة المسلمين وعامتهم القصد إلى تحقيقه وحفظه وتوقيره، وهو من هذا الاعتبار مقام شريف في تحقيق الإيمان بالله ورسله وكتبه، وعن هذا ترى في سير السابقين من أئمة الإسلام تعظيم القول في الشريعة، ويعرض لهم مقام من التوقف في بعض المسائل حتى لا يقال بخرص أو وهم، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولا يوجب هذا كتمان الحق فإنه مقام من الذم، إلا أن الناظر في كلام الله ورسوله يجد مقامين أهلُ العلم على اعتبارٍ لهما: ترك كتمان الحق والعلم، وترك القول على الله بغير علم.
والمهدي من سدده الله إلى تحقيق مراد الشارع في هذا الفصل من الحكمة الشريفة في أخذ علم الشريعة، وحمل الرسالة الهادية على إمامها الصلاة والسلام، والله الهادي.