رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أمريكا لا تستطيع الاستغناء عن نفطنا

[email protected]

تستهلك الولايات المتحدة يوميا ما يقارب 21 مليون برميل من النفط، وتنتج من هذه الكمية سبعة ملايين ونصف مليون برميل، والباقي تستورده من خارج أمريكا. وبطبيعة الحال، فإن كمية الإنتاج الأمريكي، كغيره من المنتجين، يتقلص سنويا بنسبة معينة تقارب 2 في المائة والمستورَد يرتفع بالنسبة نفسها أو ربما يزيد قليلاً لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة. وهكذا حال جميع الدول، سواء منها ما لديه إنتاج محلي ويستورد إضافة تغطي حاجته أو الدول التي تستورد كامل ما تحتاج إليه من النفط، ولكن دون تذمر أو إثارة ضجة مصطنعة. أما في أمريكا، فكأن القوم يعيشون على كوكب آخر, فلا هم يقبلون بالأمر الواقع ولا بسنة الحياة المتغيرة. فعندما يواجهون مصاعب اقتصادية، تكون في الغالب من صُنع نظمهم، يضعون معظم اللوم على غيرهم. فهم يريدون أن يصدِّروا بضائعهم إلى الدول الأخرى وبشروطهم الخاصة، ولكنهم لا يرتاحون لتصدير نفطنا إليهم على الرغم من حاجتهم إليه وأنهم هم الذين يطلبونه ويشترونه بمحض إرادتهم، وفي الوقت نفسه هم يدركون أننا نعيد إليهم نسبة كبيرة من قيمة النفط ثمناً لبضائع أمريكية متنوعة، والباقي نستثمره في مؤسساتهم المالية.
 وموجب هذا الحديث هو ما يلاحظه المرء من المواقف "الموسمية" التي يتبناها مرشحو الرئاسة الأمريكية ضمن برامجهم الانتخابية، ونخص منها موضوع استيراد النفط من دول الشرق الأوسط، وبالتحديد دول الخليج العربي. فمعظم المرشحين في العصر الحديث يجعلون لهذه القضية أولوية خاصة ويوهمون الشعب الأمريكي بأنهم سيعملون على إيجاد وسيلة تغني أمريكا عن الحاجة إلى شراء نفط "العرب"، ونحن نتمنى ذلك، فأرض الله واسعة وهناك كثير من الزبائن ممن يرغبون في الحصول على نفطنا دون تهديد أو منَّة، إلى جانب أن ارتفاع الطلب على النفط خلال السنوات المقبلة قد يهدد بسرعة نضوبه، وهو أمر لن يكون في صالح مستقبل هذه الثروة الثمينة التي نعتمد عليها - بعد الله - في معيشتنا. والشاهد هنا أنك لا تجد حكمة ولا مبرراً لإشغال الرأي العام الأمريكي بأمور غير عملية ومستحيلة التنفيذ خلال المستقبل المنظور. فالمرشحون وهم يثيرون هذه القضية يتحدثون في الواقع من فراغ، وليس لديهم ما يقدمونه لشعبهم من نتاج دراسات علمية أو مصادر جديدة للطاقة غير معلومة. أضف إلى ذلك أن الدول المصدرة للنفط التي يعنيها المرشحون، هي دول مسالمة وتُحسب من أصدقاء الولايات المتحدة، ولها معها علاقات تجارية وثقافية متميزة. وإذا استثنينا حالة واحدة حدثت عام 1973, ولها مبرراتها، فلم يثبت إطلاقاً خلال عصر إنتاج النفط الطويل أن عمدت دول الخليج إلى استغلال أي ظرف من الظروف من أجل رفع أسعار النفط في الأسواق العالمية عن طريق الاحتكار أو المساومة، على الرغم من الغبن الواضح الذي كانت تتعرض له أسعار النفط لصالح المستهلكين خلال عقود طويلة. بل إن العكس هو الصحيح، فلا نعتقد أنه يغيب عن بال العالم أجمع أن دول الخليج كانت تضحي بمصالحها الخاصة لتضخ في السوق كميات أكبر من النفط عندما تظهر بوادر أزمة نفطية من أجل أن تحافظ على مستوى الأسعار السائدة في السوق. والغريب أن الإعلام الأمريكي لم ينقل لنا أي تشكٍّ أو تذمر من قبل المرشحين حول استيراد كميات كبيرة من النفط من دول قريبة منها جغرافيا وتظهر لأمريكا عداء إعلاميا شديداً لا نسمح نحن لأنفسنا بالإتيان ولا ببعض منه.
من الواضح أن الشعب الأمريكي لا يلقي بالاً لمثل هذه التصريحات الانتخابية التي بالنسبة لهم لا تسمن ولا تغني من جوع. فلو كان لدى الولايات المتحدة إمكانات لإنتاج كمية أكبر من النفط أو استخدام مصادر جديدة لتوليد الطاقة لتحل محل النفط المستورد لاستخدَمَه من سبقهم من المسؤولين. وما يشار إليه بمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة الرئيسة المعروفة الآن التي يعوِّل عليها العالم لتحل جزئيا وبالتدريج محل النفط ليست كلها واعدة. فالطاقة النووية لها محاذيرها الخطيرة المتعلقة بالسلامة واحتمال النضوب المبكر لمواردها الأولية، والوقود الحيوي الذي يستخرج من محاصيل زراعية لا يمكن أن يقارن بالمصادر النفطية التي تستخرج جاهزة وبكميات كبيرة. وإنتاج الوقود الحيوي يحتاج إلى طاقة كبيرة وكميات هائلة من المياه قد لا تكون متوافرة إلا في أماكن محدودة، إلى جانب تأثيره السلبي في مصادر معيشة الإنسان. ولعل مصادر الطاقة الشمسية، التي يصفها أحد الكتاب بأنها الطاقة المهدرة، هي المصدر الوحيد الذي ربما يكون له دور بارز في سد قسم كبير من حاجة العالم إلى الطاقة, وهي معين لا ينضب. وكذلك الطاقة المتولدة من حركة الهواء، أو طاقة الرياح، فهي الأخرى منبع دائم وإن كانت أقل بكثير من الطاقة الشمسية. ولكن مصادر الطاقة البديلة بوجه عام لا تزال في مرحلة التطوير وتكلفتها أيضا مرتفعة مقارنة بأسعار النفط الحالية. وما يدعو إليه المرشحون الأمريكيون في هذا الشأن بعيد عن الواقع ولا يعدو كونه تغطية لقصور في مؤهلاتهم أو خبرتهم وإمكاناتهم الانتخابية، ولعلمهم أن الشعب الأمريكي لديه حساسية مفرطة فيما يتعلق بأسعار مصادر الطاقة، فلا بأس لديهم من دغدغة عواطف المنتخِبين خلال فترة محاولة كسب الأصوات. والدليل على أنها لعبة سياسية، كون الفكرة تطفأ بمجرد انتهاء الانتخابات ويندر أن نسمع لها إعادة. مع أن الوضع المادي للشعب الأمريكي أفضل بكثير من معظم شعوب الأرض، وأسعار مشتقات النفط الرئيسة في أمريكا مثل "البنزين" تقل كثيراً عما هو عليه في البلدان الأوربية ودول أخرى، ولكنهم يريدون التمسك بحياة الرخاء والرفاهية التي تعوَّدوها تحت كل الظروف. فسعر "البنزين" في إيطاليا وتركيا يساوي أدنى قليلاً من ثلاثة أضعاف سعره في أمريكا، ومع ذلك تجدهم راضين وقابلين بالأمر الواقع. ونحن نعلم الآن أن أسعار مصادر الطاقة ستستمر في الارتفاع إلى مستويات قياسية بسبب زيادة الطلب ومحدودية المصادر، وهي حقيقة علينا أن ندركها ونهيئ أنفسنا للتعايش معها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي