رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أدواتنا للوقاية من الأعاصير المالية

[email protected]

لا أحد ينكر أن النظام المالي القائم هو نظام غربي من صنيعة دول صناعية ذات اقتصاديات متينة وقوية متفوقة صناعيا وتقنيا وخدميا، دول تملك من الأدوات الكثير الكثير تستطيع من خلال استخدامها في الظروف العادية والاستثنائية السيطرة على زمام أمورها، بل السيطرة على زمام الأمور في مساحات جغرافية أخرى من العالم.
ولا أحد ينكر حق تلك الدول في تحقيق أهدافها وحماية مصالحها في استخدام تلك الأدوات في منازلة تنافسية بينها وبين من يريد أن يخرج من خانة الدول التابعة إلى خانة الدول الفاعلة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وكلنا يعلم أن الصين والهند واليابان وكوريا بدأت تقترب من خانة الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي تفكر وتعمل كإمبراطورية لا كدولة ينحصر تفكيرها في حدودها الجغرافية أو في الإقليم الذي تنتمي إليه كأقصى حد.
ولاشك أننا في المملكة نعتبر إحدى الدول النامية ذات الاقتصاديات الناشئة التي تدور في فلك الاقتصاد العالمي ومؤسساته القائمة على الفكر والهياكل الغربية، ولا عيب في ذلك، فالزمن يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار، والكل يعلم أن موازنة بعض الشركات الغربية تعادل موازنة مجموعة دول إقليمية مجتمعة.
إذا أخذنا كل ذلك في عين الاعتبار نجد أننا أمام تحدٍ كبير لتنمية اقتصادياتنا والمحافظة على مكتسباتنا وحقوقنا في عالم القطب الواحد الذي يمسك بيده زمام الأمور، فهو يصنع الأنظمة الاقتصادية والمالية ويطبقها ويطورها ويعصرها ويدمرها ويؤممها! ويستحدث غيرها مع مجموعة من حلفائها الغربيين الذين يدورون في فلكه، فكيف لنا ذلك؟
أعتقد أن هذا يستوجب استحداث واستخدام الكثير من الأدوات التي تمكننا من استثمار الفرص وتجنب المخاطر، على أن تكون تلك الأدوات بأيدينا نحن يمكننا توظيفها في الوقت المناسب بمرونة عالية تمكننا من استخدامها وتطويرها وحذفها بسهولة كما هو النظام الغربي الذي انقلب بين عشية وضحاها على كل نظريات الرأسمالية وعزز مكانة الحكومات في الاقتصاد حتى ظن البعض أن تلك الدول أصبحت اشتراكية بين عشية وضحاها.
وبما أن النظام المالي يتكون من أموال نقدية ومن أوراق مالية تنظمها هيئتان منظمتان في كل دولة، كما هو الحال لدينا، حيث تنظم مؤسسة النقد العربي السعودي سوق الأموال النقدية، بينما تنظم هيئة السوق المالية سوق الأوراق المالية، فعلينا أن نعزز هاتين المؤسستين والمؤسسات العاملة في هاتين السوقين بأدوات متعددة صالحة للاستخدام بمرونة عالية، إضافة إلى التركيز على النظام المالي الحقيقي الذي بدأ العديد من المفكرين يرى فيه حلا للمشكلات الكبيرة الناشئة عن تحويل الأسواق المالية من أسواق تعمل في خدمة الأسواق الإنتاجية والخدمية الحقيقية إلى أسواق استثمارية بذاتها من خلال المضاربات التي جعلت من تلك الأسواق أسواق قمار عالية المخاطر تولد المال من المال دون أي قيمة مضافة على الاقتصاد الوطني.
ولا نشك أبدا في أن مؤسسة النقد العربي السعودي لديها أدواتها كما أن لدى المؤسسات العاملة في القطاع المالي أدواتها، لكن بالتأكيد يمكن تطوير هذه الأدوات لتتناسب مع وضعنا وتخدم مصالحنا. ولا شك أن الارتباط الكامل بالدولار قد يضعف من قوة تلك الأدوات، ونأمل جميعا أن يكون الارتباط جزئيا، وإن كان له نصيب الأسد مقارنة ببقية العملات (اليورو، الين، الجنيه الاسترليني).
ولا نشك أيضا في أن لدينا العديد من الأدوات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هيئة السوق المالية يمكنها السماح للشركات بشراء أسهمها، وهي أداة متوافرة لجميع الشركات في الأسواق العالمية والمجاورة، وهي قدرتها على شراء أسهمها عند انخفاضها عن قيمتها العادلة (بل في بعض الحالات انخفاضها عن القيمة الدفترية لها) كما هو الوضع القائم حاليا، على اعتبار أن قرار شراء الشركة المساهمة لأسهمها يعد بمثابة رسالة عن مستقبل مشرق لها، كما تعتبر هذه الأداة سلاحا لدى الشركة لمواجهة البيع الكبير، خصوصا من قبل الأجانب الذين يفرون من السوق بشكل مبالغ فيه حال وجود بوادر أي أزمة.
ختاما، أسأل الله أن تكون الأزمة المالية العالمية أقل ضررا مما يقولون، كما أسأل الله أن تكون آثارها في الاقتصاد الحقيقي ضعيفة نتيجة توازن الانخفاضات في الإيرادات والمصروفات معا سواء على مستوى الدولة أو مستوى الفرد والأسرة، وعلينا أن نستخلص الدروس والعبر من هذه الأزمة، ونعد العدة من خلال تطوير واستحداث المزيد من الأدوات التي تمكننا من تنمية اقتصادياتنا وتجاوز مثل هذه العواصف المالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي