رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الغيث للقنفذة والليث

أحمل شهادتي الابتدائية من المدرسة السعودية في القنفذة وقضيت جزء من طفولتي في مدينة القنفذة، وكنا أطفالاً نخرج من المدرسة لنرى الطيور المهاجرة الجميلة تقف على رؤوس قطع حديدية طويلة وبقايا سفن حديدية غارقة في شواطئ بحر القنفذة القريب من مدرستنا من مخلفات الحرب العالمية الثانية، كنت إلى وقت قريب أظن أن هذه القطع الحديدة الكبيرة والأعمدة الحديدية التي تقف عليها الطيور المهاجرة جزء من التكوين الطبيعي للبحر الأحمر الجميل، خاصة أن البحر في القنفذة كان المصدر الأول لحجر البناء لمنازل كبار التجار والمسؤولين في القنفذة، أما أبناء المدينة الأقل حالاً فإن العشش المزخرفة كانت المنزل الوحيد لهذه الأسر وما أكثرها حيث كان هناك بحارة إخصائيون في قطع الحجارة من تكوينات جمالية طبيعية في البحر وقطع هذه الأحجار إلى قطع مماثلة للبلك الأسمنتي ومن ثم بناء المنازل بها "فكرة استثمارية جديدة". لم تكن الكهرباء ولا المياه قد وصلت إلى القنفذة عندما وصل والدي الشيخ/ إبراهيم الحديثي رئيساً لمحكمتها الشرعية، وصادف أيضا وجود إبراهيم البراهيم رحمهما الله أميراً لها ـ بدأت الحياة تدب في هذه المدينة النائمة، وكان ما يزعجنا كأطفال قوافل الجمال الكثيرة التي كانت ترابط في مركز المدينة بالقرب من المالية وذلك لحمل حمولتها من الكيروسين، الرز، السكر، الشاي، والمواد الغذائية الأخرى إلى قرى أخرى، وكانت التجارة لمثل هذه المواد رائجة جداً وفي القنفذة تجار كبار مثل آل بن عوض وآل باوهاب وباسندوه وبن محفوظ وبن غيث وبعض رجال الأعمال من غامد وزهران مثل الهنيدي وبن خلف وآخرين ـ كانت هذه المدينة التي تنام على أعتاب البحر الأحمر قريرة العين آمنة مستقرة تعج بالحركة التجارية وبالقوافل التي تعبرها من الغرب إلى الشرق حيث كانت الطرق الإسفلتية معدومة ـ وكانت السيارات تتجه جنوباً إلى جيزان واليمن وشمالاً إلى جدة ومكة، وكانت الطرق عبارة عن رمال وسباخ تغوص بعض السيارات في رمالها المتحركة ـ كما أن السيارات في ذلك الوقت كانت ذات سرعة بطيئة فتعاونت السرعة البطيئة والطرق الرديئة لتخلق الكثير من المشكلات للمسافرين ـ أصبحت المدنية الحديثة تدب إلى المدينة فقدمت إليها بعض السيارات للإمارة والمحكمة والبلدية والشرطة والمالية وخفر السواحل بعدد أصابع اليد الواحدة ـ كما وصل مولد كهرباء واحد للإمارة بالكاد ينير مقر الإمارة وسكن الأمير ـ وجلب إليها الماء من منطقة أحد بني زيد بعد أن كانت الجمال والحمير هي وسيلة جلب المياه إليها من وادي هارون وهي مياه يكاد الطين يشغل معظم ما في وعاء الماء، إضافة إلى ما في المياه من شوائب ـ هذه مذكرات سريعة لملاحظات طفل صغير أعياه تخيل البحر الجميل والرمال الزاحفة وسواحل البحر الدافئة في القنع التي توجد فيها الرمال البيضاء الناعمة والنخيل الباسقة على سواحل البحر الجميل ـ وكانت الزيارة المهمة التي قام بها جلالة الملك المغفور له إن شاء الله الملك سعود بن عبد العزيز أول إشارة لبحث الحياة في هذا البلد الجميل ولكن التنمية ظلت محدودة والموقع الفريد الذي سمي ميناء عسير لم يتم تطويره والاستفادة منه، بل ظل كما هو دون تقدم يذكر، والحقيقة أن منطقة القنفذة وهي أحد مراكز التنمية في المملكة لم تطلها يد التنمية التي وصلت إلى أخواتها من مدن المملكة ومراكز التنمية فيها خاصة أن فيها أنماطا متعددة من الثروات الحيوانية والسمكية والمواقع السياحية والمواطن الأثرية وأن هذه البلدة وقد قدر لها أخيراً أن يزورها مهندس التنمية في منطقة عسير سمو الأمير/ خالد الفيصل بن عبد العزيز وهو يزور هذه المنطقة للاطلاع عليها عن قرب وملامسة مشكلاتها من كثب والاطلاع علي مؤهلات هذه المنطقة التي قضت سنوات طويلة بعيدة عن مضاهاة أخواتها المدن البحرية الأخرى رغم ما يتوافر لها من مقومات أساسية للنهوض بها ومن ذلك جعلها ميناء رئيسياً للبحر الأحمر للبواخر العملاقة العابرة أو خلق منطقة حرة صناعية وإنشاء صناعات متعددة قابلة للتصدير إلى آسيا وإفريقيا وأوروبا والدول العربية نظراً لموقعها الجغرافي كما أن إنشاء مرافق سياحية مطورة واستغلال جزيرة أم القماري والجزر الأخرى الرابضة بقرب منطقة القنفذة لأمر حيوي لتطوير هذا الشريط الساحلي الطويل ـ وأن المقومات الأساسية لهذه المنطقة الغالية يجب أن تكون عاملاً مساعداً في تطويرها، خاصة أن الإمكانات الحكومية والأهلية الآن في أحسن حالاتها والمنطقة قابلة للتطوير زراعياً بتوزيع حيازات صغيرة على المواطنين وتوفير المياه إليها عن طريق إقامة السدود في الأودية العملاقة مثل وادي حلي ووادي يبه مع إحساس بتوافر المياه الجوفية السطحية بكميات وفيرة، ولعل دراسة توزيع حيازات زراعية صغيرة مناسبة للمزارعين لتنشيط الزراعة الحقلية والبعلية التي أهملت لسنوات طويلة سيكون مصدراً كبيراً للخضار وبعض الفواكه والحبوب كالذرة كافية لتكون أحد المصادر الغذائية المهمة في المملكة ـ كما أن تطوير موانئ خاصة لصيادي الأسماك أو إقامة شركة محلية لتنظم عملية الصيد البحري الفردي وتنشيط أسعار شراء الأسماك من الصيادين، كما أنني آمل البعد عن منح أو إقامة زراعات بحرية كتربية الأسماك في هذه المنطقة لمزاحمتها الصيادين الصغار الذين يعتبرون البحر مصدر رزقهم الوحيد ـ كما أن تطوير ميناء حر أو منطقة حرة يعود بالنفع الكبير على المملكة والمنطقة، مع إقامة منطقة صناعية كبيرة ومصفاة بترولية لغرض تنشيط إقامة صناعات البتروكيماويات والصناعات الوسطية أو الصغيرة التي تقوم على إنتاج مواد البتروكيماويات الأساسية ـ كما أن تطوير المنطقة سياحياً بتخصيص سواحل جميلة للاستغلال السياحي وتنشيط الدورات الرياضية البحرية كسباق القوارب وغيرها وإقامة صناعة سياحية متقدمة .
إن وصف ما تقدم عن منطقة القنفذة ينطبق تمام الانطباق على محافظة الليث الآن، فالأخيرة تنام على بساط كبير من الفقر والمعاناة والحاجة لسكان بعض المناطق التابعة لمحافظة الليث كمنطقة مليح وغيرها التي ما زال السكان يعانون شح المياه وعدم توافر المساكن المناسبة والمدارس القريبة والعيش الكريم لكثير من سكان أطراف الليث ولعل هذه الزيارة التي تأتي فاتحة خير كبير لإيقاظ المدينتين وتوابعهما وإذكاء الحياة في شواطئها الجميلة وقراها النائمة، ولعل افتتاح جامعة في المنطقة يخدم المدينتين وتوابعهما ويحدث إيقاظا لهذين العملاقين النائمين، وأرجو ألا تخونني الذاكرة في الإشارة إلى أن زيارة صاحب السمو الملكي الأمير / خالد الفيصل بن عبد العزيز للقنفذة والليث تأتي بعد زيارة المغفور له الأمير/ عبد المجيد بن عبد العزيز وربما كانت الزيارة الأولى التي تبعت زيارة المغفور له الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله، مع أن خادم الحرمين الشريفين عندما كان ولياً للعهد قام بزيارة منطقة الليث لافتتاح مشروع الشركة العربية لتربية وزراعة الأسماك، إن هذه المنطقة البكر في حاجة ماسة وشديدة إلى كل عوامل التنمية ومقوماتها لتلحق بركب أخواتها في الشرق والغرب .

والله الموفق

[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي